روتين عملي ونجاحي فيه ؛ جعلني متمكنة في كل القضايا التي استلمها، لكنها هذه المرة صدمتني وأفقدتني السيطرة على التفكير كقانونية، رأيتها بسنواتها الستة عشر ترتجف كالسنبلة في مهب الريح ؛ يكاد ميلها يوقعها أرضا من الخوف ! .

أثار انتباهي بشدة ، وجهها الذي تكاد تخفيه بوشاح اسود، وملبسها الذي يليق بعمر اكبر بكثير من زهرة بهذا العمر يتقافزن مثيلاتها بالزي المدرسي أمام بيتي كل يوم ، وهن ينتظرن ابنتي للذهاب معا الى المدرسة .

شهقت حين عرفت التهمة، إذ ﻻ يبدو عليها اي تهتك في الكلام واللبس والتصرف ، بل مازلت أجد فيها عذوبة البنت التي تفيض حياء وطيبة.  

حاولت ان انفض عن أفكاري تلك السذاجة ، وأن استفهم منها قصة هذا التناقض الغريب .. بكت .. كنت انتظر اي جواب يقنعني ... لكنها لم تجرؤ على ذلك .

 انتظرت بعصبية الحريص عليها وعلى أمثالها ...

ما سبب فساد هذا الطهر؟

سحبتُ ذلك الملف من أمامي ﻻقرأ على عجالة كعادتي تلك الأسطر التي كتبها ضابط التوقيف ، وتسمرت عيني على كلمات معينة ...

" موبايل ! نت ! يوتيوب ! مقاطع فديوية ! جات! سيخطبني ! عليك الحضور ! حين أفسدني لم استطع العودة .. سيقتلونني !!! باعني ! من بيت لبيت ! هناك أخريات مازلن عالقات ! ... "

أغلقت الملف وانا ارتجف !

وأين كانت أمك ؟ كيف صدقتي كلام غريب ؟ لمَ لم تخبريها ؟ من سمح لك بالاطلاع على كل تلك المفاسد ؟ الا تعرفين الله ؟ اين حياءك ؟

شعرت بدوار فضيع ... ويبدو اني اكلم نفسي ؛ فهي ﻻ تفقه كثيرا مما أقول .. ما زالت رغم كل ذلك ؛ جاهلة بهذا الاستدراج..  ثم مرت لحظة كادت توقف قلبي، تمتمت بسري : " اللهم ساعدني " .. جف ريقي من الخوف وغارت عيناي من الصدمة ؛ وانا أتذكر صغيرتي التي اشتريت لها موبايل مؤخرا ، ثم جهزناه بخدمة الانترنيت ، ثم تركنا هذه البراءة بيد ذلك الوحش الكاسر وخرجنا !

خرجنا ممنونين وفخورين بأننا لم نحرمها من شيء ! وأنها أسوة ببنات سنها تملك وسائل التواصل الاجتماعي !..

 بلحظة خاطفة رأيت في وجه المتهمة ملامح أبنتي ! وددت لو اني لطمت وجهي حتى اهلك وان ﻻ اعرضها لهذا البلاء..  فكيف لهذه المراهقة ان تميز الصحيح من الخطأ ؟ كيف لها ان تتعامل مع الروابط التي تصلها ؟ وبأي حصانة حصنتها ؟ وهل تكفي كلمات الوعظ والإرشاد لتروض نفس مراهق يتوق لاستكشاف كل ما حوله ؟

 تعثرت الكلمات في فمي ؛ واختنقتُ بعبرتي .. ووددت ان اعتذر لها ولم اعرف لذلك سبيلا ! فأنا الأخرى لست أهلا للومها .. بل أنا في شغل عنها وعن من حولي..  

أرجوكم .. اسمحوا لي بالعودة فقط .. أريد ان أصل منزلي لأنقذ ابنتي من هذا الوحش الكاسر الذي أدخلته بيتي بإرادتي ، وبعد ذلك سنتكلم ، فلابد ان يكون لكل شيء ضوابط وإلا  ...

لبنى مجيد حسين