السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، انا ام لثلاثة اطفال ... اوسطهما منطو جدا ، ومنعزل ، ولم افلح في تغيير ذلك رغم محاولاتي الكثيرة ، مع العلم أن لديه تلعثم في الكلام وثقل في لسانه ، فما الحل ؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...

شكرا لثقتك اختي الفاضلة ، بدء ، عليك ان تعلمي ان مظاهر الإنطواء قد تصيب الاطفال وربما بعض المراهقين على حد سواء ، وحلها ممكن جدا بل وضروري  ، كل ما في الأمر ، ان الحل يحتاج منك ارادة وتواصل واصرار على انقاذه من ذلك ، لأن بقاءه على هذه الحالة سيؤثر على مسار  حياته سواء الشخصية منه او الاجتماعية بل وحتى الدراسية .

فالانطواء حالة نفسية تعتري الأطفال لأسباب خلقية مرة واخرى لأسباب مرضية أو لعوامل تربوية واحيانا ظروف إقتصادية .

وتظهر عند بعض الأطفال بعمر ( 2 ـ 3 ) سنة ، وقد تستمر لدى البعض حتى سن دخوله للابتدائية ، ومن الممكن ظهورها فجأة في المرحلة الابتدائية حينما يزداد احتكاك الطفل وتفاعله الاجتماعي وقد تستمر معه حتى بلوغه .

ومشكلة الانطواء والعزلة غير شائعة وإن كانت نسبتها لدى الإناث أعلى من نسبتها لدى الذكور .

كثيراً ما يُساء فهم الطفل المنطوي ، فالبعض يلومه على انعزاله ويعتقده بليد وجبان ومنكمشا بما لا داعي له ، بينما يراه اخرون نوع من التعقل والرزانة ومحاولة الحفاظ على قبول الأخرين له اجتماعيا أي نوع من تحبب الطفل لمن اكبر منه .

وحقيقة الأمر أن الطفل المنطوي طفل بائس غير قادر على التفاعل الاجتماعي أو الأخذ والعطاء مع الزملاء ، فعدم اندماج الطفل في الحياة يؤدي إلى عرقلة مشاركته لأقرانه في الأنشطة ، إذ تكمن هذه المشكلة في استمراره على هذا السلوك حتى الكبر ، مما يعوق نموه النفسي سيما في فترة مراهقته وشبابه ، ويتفاقم الأمر إلى العزلة التامة التي يصعب معها التأقلم ويدخل فيما يسمى بالاضطراب شبه الفصامي .

ويظهر الانطواء على شكل نفور من الزملاء أو الأقارب وامتناع أو تجنب الدخول في محاورات أو حديث ، وأحياناً يخالط الطفل المنطوي أطفال يشبهونه في الإنطواء ، ويكون الحديث بينهم مقتضباً ، كما يظهر على شكل الالتزام بالصمت وعدم التحدث مع الغير ، وقد يكون الابتعاد عن المشاركة في أي اجتماع أو رحلات أو أنشطة رياضية مظهراً من مظاهر الإنطواء والعزلة .

أسباب الإنطواء ...

إن إصابة الطفل أو المراهق بالانطوائية يتوقف على التفاعل بين درجة إعداده الوراثي ومقدار الضغط الذي يواجهه في الحياة ، ولا يرجع الإنطواء إلى أثر البيئة وعوامل التنشئة الاجتماعية  فحسب ، بل هي مرتبطة أيضاً بالوراثة من حيث التكوين البيولوجي للفرد، والوظائف الفسيولوجية للقشرة الدماغية ، فالفرد الذي يتمتع بدرجة استثارة سريعة وقوية نسبياً ، فغالباً ما ينزع إلى ممارسة سلوكيات ذات صبغة انطوائية ، وقد يشير الإنطواء المتطرف إلى وجود مشكلات نفسية أكثر تعقيداً وشمولاً لدى الطفل ، كما قد يشير إلى واقع الطفل غير السار مثل المنزل غير السعيد أو الفشل المستمر في المدرسة ، لذا فأسبابه كثيرة ، منها :

  1. الشعور بالنقص بسبب عاهة جسمية أو ما يسمعه الطفل عن نفسه منذ صغره بأنه قبيح الشكل أو عدم تمكنه من اقتناء أشياء لفقره أو ما يتعرض له الطفل من مشكلات تقلل من قيمته ، ولا يجد استحسانا عما يقوم به من قبل افراد اسرته ، مما يشعره بعدم الكفاية وفقدان الثقة فيصبح انطوائيا .
  2. افتقاد الشعور بالأمن لفقده الثقة في الغير وخوفه منهم .
  3. إشعار الطفل بأنه تابعاً للكبار ، وفرض الرقابة الشديدة عليه ، يشعره بالعجز عند الاستقلال أو اتخاذ القرارات المتعلقة بالطفل دون أخذ رأيه أو مشاورته .
  4. تقليد الوالدين ، فقد يكون للأطفال المنطوين ، آباء منطوون ايضا ، كما أن دعم الوالدين لإنطواء الطفل على أنه أدب وحياء من الأسباب التي تؤدي إلى ظهور هذه المشكلة .
  5. قد يؤدي تغيير الموطن إلى اختلاف العادات والتقاليد وترك الأهل والأصدقاء إلى الإنطواء وهو ما يحدث للأطفال بعد انفصال ابويهما .
  6. اضطرابات النمو الخاصة والمرض الجسمي ، فإضطراب اللغة يهيئ الطفل لتجنب التفاعل والاحتكاك بالآخرين ، كما أن إصابة الطفل بالحمى الروماتيزمية أو الإعاقة الشديدة تمنعه من الإندماج والإختلاط بمن هم في مثل سنه ، فلا يجد مخرجاً من ذلك سوى الإنعزال عنهم .
  7. الفقدان المبكر للحنان والحب ، فقد أكدت دراسات عديدة وجود علاقة بين الفقدان المبكر لموضوع الحنان والعطف الحب وبين الإنطواء عند الأطفال ، إذ اتضح أن انفصال الوالدين بسبب عدم التوافق الزواجي يؤدي إلى ارتفاع حدوث الإنطواء والعزلة عند الطفل أكثر مما يحدث عند فقدان أحد الوالدين بسبب الموت .

علاج حالات الإنطواء والعزلة ...

ينبغي أن ندرك أن الطفل الانطوائي حساس بشكل مفرط ، وهو في حاجة شديدة لأن نعيد إليه ثقته بنفسه ، وذلك بتصحيح فكرته عن نفسه وعلى قبول بعض النقائص التي قد يعاني منها ، وأن نعمل على تنمية شخصيته وقدراته ، وكي يتحقق ذلك يجب إتباع ما يلي :

  1. أن يشعر الطفل المنطوي بالحب والقبول ، لذا ينبغي التعرف عليه وفهمه فهماً عميقاً ودراسة حالته ( الصحية ، الاجتماعية ، ظروفه العائلية ، علاقاته بأسرته ) ، وهل هو فعلاً يعاني من الإنطواء أو هو توهم ؟ ومساعدته على التخلص من ذلك واقعياً بمساعدته على بناء شخصيته واستعادة ثقته بنفسه .
  2. إذا كان سبب شعور الطفل بالنقص اعتلال أحد أعضاء جسمه ، فينبغي تدريب العضو المعتل ، لأن التدريب يزيد من قوة العضو المعتل ، وبذلك يتخلص من شعوره بالنقص وتتحقق سعادته .
  3. تهيئة الجو الذي يعيش فيه الطفل وأشعاره بالأمان والطمأنينة والألفة مع الأشخاص الكبار الذين يعيش معهم سواء في الأسرة أو في المدرسة ، وبذلك يفصح عما بداخله من مشاكل ومخاوف وقلق ، ومساعدته على حلها ، وهذا لا يتم إلا إذا شعر بالقبول والتقدير والصداقة .
  4. عدم تحميل الطفل فوق طاقته ، وقيامه بأعمال تفوق قدراته حتى لا يشعر بالعجز مما يجعله يستكين ويزداد عزله عن الناس ، بل ننمي قدراته وقيامه بالأعمال التي تناسب قدراته وعمره .
  5. تشجيع الطفل المنعزل على الأخذ والعطاء وتكوين الصداقات مع أقرانه ، وتنمية مواهبه كالرسم والرياضة والكتابة ، وإتقانه لهذه المواهب سيكون دافعاً يشجعه عل الظهور مما يعمل على بناء ذاته واعادة ثقته بنفسه .
  6. منحه الاستقلالية المحدودة ، وعدم الأفراط بالدلال ، هما خير وسيلة للوقاية والعلاج من العزلة ، حيث أن الطفل المدلل معتمداً على والديه ، وعاجزاً على الاعتماد على ذاته ، غير ناضج ، انفعالي ، مطيع لكل الأوامر ، فيصب حينها في قالب الطاعة ويكون بذلك سلبياً و خجولاً ، لذا يجب أن نقلل من حماية الطفل والاستمرار في تدليله ، كي يستعيد ثقته في نفسه عن طريق التربية الاستقلالية التي يجب أن نتبعها تدريجياً .
  7. اكتشاف نواحي القوة في قدراته وتنمية شخصيته في جو من الدفء العاطفي والأمن والطمأنينة سواء في المنزل أو في المدرسة والانتماء إلى جماعات صغيرة من الأقران في المدرسة أو النادي ، والاندماج معهم والشعور بأنه فرد منهم .
  8. إشراك هؤلاء التلاميذ في الأنشطة والأعمال الجماعية والسفرات الترويحية ، وتمكينهم من القيام بمبادرات إيجابية عن طريق إشراكهم في الفعاليات المميزة كمسرح المدرسة او إذاعتها ، وتكليفهم بالقراءة الفردية أمام زملائهم بغرفة الصف وذلك لمساعدتهم على تخفيف حدة العزلة شيئاً فشيئاً للتخلص من هذه المشاعر السلبية .