قلبي يخفق بشدة, يداي تلمس يداه, أشعر بشيء غريب في أعماقي وبدأت الأفكار تتقافز برأسي ولكني أطردها مستعيذة بالله من كل مكروه قد يصيبه.
بدأت يداه الحانيتان بملاعبة طفله الكبير وهو يناغي طفله الذي في المهد ثم التفت إليه واحتضنه وقبله حتى هدأ الطفل نظر إلى عيني وأطال فيهما النظر وكأنه سيراهما لآخر مرة.
مجرد هواجس كانت تأتي في كل مرة قبيل التحاقه بالمعسكر فقد كان حسام أملي الوحيد في هذه الدنيا وحبيبي الذي أتوكأ عليه عندما تصيبني الدنيا بمصائبها الغادرة هذه الدنيا التي لا تصفو لأحد فقد تركت زينب سلام الله عليها وحيدة في كربلاء فماذا تراها تفعل بي أنا؟
حتى وإن يكون الجميع بقربي فهم لايعوضون جزءاً من الحب الذي ناضلنا من أجله لسنوات وتكلل أخيراً بالزواج, كنت لعائلتي كل شئ ومحط أنظارهم وقد علقوا الكثير من الآمال والأحلام على وجودك بينهم فأنت الابن الذي لم ينجبوه فقط, ولكنه أتاهم لكي يغرس بذرة الأمل في تلك العائلة الكريمة.
سنوات قصيرة مرت كلمح البصر على زواجنا أذكر تلك الليلة وأنا مرتدية البدلة البيضاء وأمشي بزهو أمامك وأنت ترمقني بنظرات الإعجاب وعند مجيء طفلنا الأول لم تسعك الدنيا فقد جاء من يحمل اسمك, تمنيت أن يكون المولود الثاني بنت وتسميها رقية, ولكن المفاجأة أنه كان ولداً أيضاً وكأن الحياة لاتريد أن تعيد مشهد رقية اليتيمة التي تنتحب لذكر ابيها، نعم تركت ولدين يحملان اسمك وقلبهما الصغير ينبض بحبك.
حين جاءني خبر رحيلك أصبحت كالميت الذي يمر أمامه شريط حياته في دقائق قليلة، تذكرت أول لقاء لنا وخطبتك لي وقبولك بشروطي وزواجي وولاداتي وكل شيء لم أحتمل صدمته, وراح عقلي يتساءل لماذا أنت بالذات ولم يكن غيرك ؟ لماذا أنت تتركني لهذه الحياة الصعبة ؟ لماذا أنت دون سواك ونحن لا نملك قمراً ينير سماءنا غيرك ؟ كنا نستشعر دفأك كشمس الشتاء الحانية وكأرض جدباء زارها المطر بعد طول غياب, بينما تهطل عيناي بالدمع كالمزن لاحت لي صورتك وأنت تكلم الإمام الحسين سلام الله عليه بعد أن دعوت الله أن يحفظك ويرجعك سالماً لنا خاطبت الامام قائلاً :-
ان كنت تحبني يامولاي فاكتب لي الشهادة.., عندئذ عرفت لماذا اختارت جسدك تلك الرصاصات ولم تختر غيرك.. أغمضت عيني وتخيّلت نفسي أقف إلى جنبك وتطال جسمي تلك الرصاصات الغادرة فأبتسم لكوني سأستريح من هم الدنيا وغمها وسأكون بجنبك إلى الأبد, لكن يداً صغيرة لمست كتفي من الخلف وحاولت تجفيف دموعي المنهمرة بكفّها الصغيرة, علمت حينئذ أني يجب أن أحيا من أجلهم كي أروي لهم البطولات والملاحم, كي أعرّفهم بأبيهم الذي عشق الشهادة ونالها فیرفعوا رأسهم عالياً ويحدثوا رفاقهم عن بطولاتك, علمت حينها أن ناقوس الفراق قد دق وبت متشبثة ببقايا ذكرى وأحلام مازال مكانك يحتل ثنايا القلب, ومازالت رائحتك عالقة في زوايا غرفتنا الصغيرة همسك وضحكتك سيأتي العيد ياحبيبي وروحك معنا وإن كان جسدك بعيد سيسأل عنك أطفالك ويفتقدون ريح الأب فعيدهم هذا العام عيد الأيتام.

 

((القصة مهداة لعائلة الشهيد حسام حمزه علي الفتلاوي ومعظم احداثها حقيقية))

 

هدى الحسيني