ها هي قدماي تحث المسير وكما في كل عام ، نحو طريق العشق السرمدي ، فحفظت صحبتي لأشواك الصحراء، ورفقتي لشذى مشاعل النار التي تعبق برائحة الموت الذي يرسم طريقه عبر نخيلات اهتزت حتى عجافها لتشير لنا بأن طريق المجد من ها هنا .فهو مصباح هدى ومنارا للتائهين .

رحت اسلك الوادي الذي بورك حوله وأناجي بحمر مقلتي (هذا حسين بالعراء مقطع الأعضاء ) لاطما صدر العزاء رافعا اسمه شعارا خالدا ...فرمقت القبة العليا بنظرات توسلي وألم مصابي .(خذني إليك سيدي ..فأنا أتوق لاجتمع بالأرواح التي حلت بفنائك ...أبي وثمانية من أفراد أسرتي التحقوا بركب الشهادة في المقابر الجماعية  رافضين بيعة يزيد عصرهم ملبين نداء استغاثة إمامهم )

سرعان ما تصرمت السنين وانبثق فجر جديد على ارض هذا الوطن ..أما أنا فلم يفتأ خافقي لأمنية شائق يتمنى .

فبعد انطلاق الفتوى للجهاد المقدس، توالت خطواتي المسرعة إلى مقر التسجيل  آلا إن قلبي كان يسابق المسافات ليحظى بشرف السابقون السابقون ...

لم يمض وقت طويل حتى أعلنت القوائم تحمل أسماء وأماكن المتطوعين ..أخبروني حينها إن اسمي ضمن قوة حماية مدينة السماوة لكوني منتسب على ملاك محكمة الوركاء في الرميثة ..

(أهذا كل شيء ؟؟)...

- نعم عليك أن ترجع إلى عملك الآن ..

في اليوم الثاني لم اذهب إلى مقر عملي في المحكمة ، لأنني عزمت على أمر قد بيّته ليلي ،وضعت سلاحي على كتفي وأوصيت اكبر أولادي (إن أنا لم ارجع إليكم يوما ما ....فالحق بي لتكمل الطريق الذي نحن أولى بحمل سِفره )

.انقضت ثلاثة عشر يوما من شهر محرم وعلى الرغم من البعد المكاني عن خدمة سيد الشهداء في (موكب الإمام الرضا ) آلا إنني كنت اشعر بقربي من سيد الشهداء وقمر العشيرة وان كان يحملني الحنين بين الفينة والأخرى لمواكب العزاء ، لكن  جسدي يتحرك باندفاع في ارض المعركة لترسم دموعي قصة مواراة الجسد المبضع بين النواويس وكربلاء ..

كانت قدماي تخط هذه المرة على ارض (قرية المحاسنة) تطهر بساتينها والدماء تغلي في العروق وتطفح بالغيرة على الأرض والعرض الذي خدش بمخالب غدر أموية .

انعطفنا يمينا فشاهدنا  احد البيوت وهو خائر الأبواب .يخبرنا عن إن ثمة ذئاب قد نهشت كرامته و لاكت محاسنه .

انقضت نصف ساعة وأنا أبحر في ظلمات ﻻ اعرف لُجيتها ..فحاولت ان أحرك ساكنا ضغط بإثقاله المتراكمة ...انتابني خدر في  يدي اليسرى ...فمددت كفي  اليمنى على أعلى كتفي الأيسر ..لعلني استخرج يدي لكنني لم أجدها ...(حسنا ..في سبيل الله )...مررت بكفي اليمنى على ساقي فلم أجده ..(حسنا ..في سبيل الله )..

أين أنا هل في الأرض أم السماء ..هل ألتحقت بركب كربلاء ..ام مازلت انتظر وامني النفس بلقاء  ..رحت الهج بنداء :

(ناد علي مظهر العجائب        تجده عونا لك في النوائب

كل هم وغم سينجلي             بولايتك يا علي يا علي )

 فأحسست بيد ناعمة تقطف على وجهي عطفا وأمان وتزيح ذرات التراب عن مجرى الهواء الذي عبق بأريج الكافور ...همست بصوتي المتقطع من أنت ؟؟ فلم أردف بجواب .

لم أكن ارغب بلملمة بقايا الروح ..أردت أن  انثرها  قربانا لجسد لم يبقى فيه مكان لطعنة رمح أو ضربة سيف ..

لكن قدري ان تسافر أعضائي المقطعة إليك لأبقى أنا أعاني الم انتظار الوصول إليك سيدي يا أبا عبد الله ..

وأي انتظار!!

رباه لم تلملمني بكلي إليك

خذني ودع روحي تودع الحياة وتعانق الشهادة

لست اجزع للبعض الذي رحل من جسدي فهذا فؤادي المثقل بحزن الغياب ، وأعضائي التي وفت بعهدها ولم تشعر بذرة ألم

أنا جزع احسدها لان التحقت وأنا لا

في المرة الأولى

 انا قادر على ان اترك العمل واختار الجهاد

ولكن في الشهادة ليس عندي من خيار

ان الحق روحي واترك الجسد هنا فوق التراب

وكان العكس تسف روحي التراب وجعا لشوق اللقاء

وتشبع أعضائي الممزقة بألوان الجنة وزخرفها وخمائلها الغناء

مهلا مازلت اطلبها ولست منها بآيس

فربي يعطي المزيد لمن شكر نعمائه

وها انا اشكر هذا البلاء طلبا لبلاء اكبر

وارتحال أعظم ما منه عودة ولا عنه ارتجاع

على خطى الخالدين .. ودرب الممهدين

لن اترك السير فهو فتح الحسين

 

ألاء طاهر  / مركز الحوراء زينب عليها السلام