الحلقة الثانية

تتباين آليات الارتقاء حسب القيم التي ينطلق منها الفكر والمنهج الذي يتبناه القائمون على شؤون المجتمع، وبهذا يكون المنطلق الأول هي القيم المتبناة والتي يجب ان تحقق توازنا في بناء شخصية الفرد والمجتمع على حد سواء.

وفي الفكر النسوي (الفيمينزم) فإن الارتقاء أو (التطور) يكون عبر رفض القيم الدينية والاخلاقية والتي يعتبرها هؤلاء قيود مفروضة تحجم من فاعلية المرأة وتسبب لها ضغوطا كثيرة !,كما إن هذه المناهج تجعل من الحرية شبه المطلقة (بما في ذلك الحرية الجنسية و الاشباع الجنسي الحر) وسيلة من وسائل تحرر المجتمع وتطوره وبهذا اخرجت النساء من ظل توجيه الدين والأخلاق إلى جدار عبودية الشهوات والغرائز ثم استكملت الدور بالاستعباد للرجل عبر صورة المرأة - الأنثى الشيء والسلعة والتي تعكسها وسائل الأعلام.

في حين تنطلق الرؤية الإسلامية للارتقاء من قيم الإسلام التي تجعل من الرجل والمرأة في خط الإنسانية الواحد وتجعل معايير التفاضل اكتسابية (وليست جنسية) تقوم علي اكتساب التقوى، والعلم، والعمل الصالح وبهذا يكون الايمان بالله واداء اوامره ونواهيه هو الدرجة الاولى في سلم التكامل الإنساني.

ومن البديهي إن الايمان بالله يدعو إلى العلم والتعلم ويجعله فريضة (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) ويجعل العلم النافع مفتاح الخير والانطلاق نحو تحرير النفس من ظلمات الجهل والخرافة والتقليد والاتباع، وإذا كان العلم والتعلم هو السبيل الأول نحو الارتقاء فان فتح المجال أمام المرأة لمشاركة اجتماعية وسياسية واقتصادية واضحة يمهّد لها السبيل لزيادة الوعي وبناء الذات بشكل انضج، وهذه المشاركة تنطلق ضمن حدود المحافظة على القيم الدينية والاخلاقية مما يجعل المجتمع نفسه بعيدا عن مدارات الانحراف والفساد والتي تعتبر العامل الاساسي لتهديد ودمار المجتمع.

وتشكل ثقافة المجتمع عاملاً مساعدا على توجيه المرأة نحو الارتقاء، فالثقافة التي تنطلق على اساس احترام المرأة كإنسان لها دور ووظيفة وهي مسؤولة ومكلفة .. هذه الثقافة تساعد المرأة على الحضور الاجتماعي الصحيح والفاعل، وللأسف فما زالت ثقافة مجتمعنا تنظر إلى المرأة على أنها المخلوق الادنى وترسم لها دورا واحدا محدودا وهذا يعني تدمير نصف طاقات المجتمع التي يحتاجها ...وهو ظلم كبير وخيانة عظمى للأمانة الموكلة إلى الإنسان.

ومما لا شك فيه أن الاعلام نفسه يساعد على توجيه النساء نحو الارتقاء أو الانحطاط وهذا يعني توجيه المجتمع نحو الارتقاء والانحطاط والتخلف والتبعية, فالمرأة ان كانت نصف المجتمع في اعداده فهي كل المجتمع في التوجيه والتقويم، والاعلام الهادف يرسم ادواراً ايجابية للمرأة ويشجع الرجل والمجتمع كله على تدعيم هذه الادوار، في حين إن الاعلام الهابط يحدد للمرأة مسارات (شيئية) هابطة تعزز من الفوضى الجنسية وعوامل الانحراف في المجتمع.

 

كفاح الحداد