إن الإنسان ـــ رجلاً كان أم امرأة ـــ ذو ماهية واحدة وجوهر واحد ، وليس هنالك تباين بين الجنسين في سلوكهما لطريق التكامل ؛ وفي تجلي الآثار الإنسانية وبلوغ المقامات والمراتب المعنوية السامية .

وإذا ما أقرّا بربوبيّة الحق تعالى استجابة لدوافعهما الذاتية وفطرتهما مستعينين بالعقل ومسترشدين بهدى النبوة والإمامة وإرشادات المعلمين والمربين ؛ وارتضيا مالكية رب العالمين في جميع المجالات ؛ حينها سيكونان في أمن وأمان من الانزلاق في مستنقع عبودية الطاغوت وهوى النفس ، وسينعتقان من الثقافات والأفكار الشيطانية وسينالان بذلك المراتب الشامخة والمنازل الملكوتية بفضل شعورهما بالتبعيّة للمالك الحقيقي .

ولكل من المرأة والرجل مظهر لتجليات رحمانية للباري عزّ وجل و رحيميته وربوبيته ، وهذه الحقيقة مستقاة من صريح الآيات القرآنية ولا مجال فيها للإنكار والتردد (( إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )) . (الأحزاب ـــ 35 )) . 

والمرأة إنسان ؛ وتتمتع بالقابليات والقوى المعنوية التي يتمتع بها قرينها الرجل  ، وهي على حدِّ سواء معه في الحقيقة والجوهر بحكم المنطق القرآني ، فإذا ما عرفت المرأة مكانتها وعملت على صيانتها واستلهمت من التعاليم الإسلامية ما وسعها من أجل تكاملها وتربية شخصيتها ستتصف آنذاك بما اتصفت به مريم العذراء وخديجة الكبرى والصديقة فاطمة الزهراء عليهن السلام .

الطاعة والعبودية والحرية ...

إن خلق الإنسان يرتكز على تحرر الروح والاستقلال في شؤون الحياة والحرية في الاختيار ؛ فلا يحق لأحد استعباد الإنسان واسترقاقه وتسخيره إرضاءً  لمآربه .

وبالنظر إلى ما تنطوي عليه الحرية من حقيقة ومعنى وأهمية الإرادة وحق الاختيار ؛ وإن الإنسان يصل إلى أسمى المنازل والمراتب والمقامات التي تفوق التصور إذا ما انتفع من حريته وإرادته وحق اختياره الذي يتمتع به في ظل الهداية التي أنعم الله بها عليه عندما حرره من عبودية الشهوات واتبّاع خطوات الشيطان ، فحري بنا السعي من أجل المحافظة على حريتنا ما دمنا على قيد الحياة وذلك بتوقيد روح التوحيد والعبودية التي تجذب كل جوارح الإنسان ـــ الظاهرية والباطنية ـــ نحو الحق تعالى والانصياع لكل ما أمر به تعالى .

والزواج من جملة العوامل ( بل قد يكون من أهمها ) التي تمنع الإنسان من الوقوع في حبائل الشيطان ، حيث أننا من خلال الزواج نحافظ على حريتنا وذلك بقمع الشهوات والاهواء النفسانية فكلا الزوجين شريك في تنامي وتكامل البعد الروحي للآخر ولذا فتماسك الأسرة يقوم على إدراك المرأة أن هذا الشريك الذي أمرها رسول الله بالخضوع له حيث قال (( لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )) ، فيجب أن تدرك المرأة بخضوعها لزوجها فهي تخضع لأمر الله ورسوله وتثبت أنها تفانت في طاعة الله ورسوله حتى صارت تجد الخضوع لإنسان مثلها كمالاً ، وإن أفضل عبادة بالنسبة لها هي ( حسن التبعل ) كما قال أمير المؤمنين عليه السلام .

بين الإفراط والتفريط ...

العبودية لله دين لا يستطيع عبد الوفاء به كما يقول السيد العلامة الطباطبائي عندما أنهى كتابة ميزانه قائلا : ( إن الله غريم لا يُقضى دينه ) ، والمرأة مخلوق حساس فياض ؛ يجب أن يقدم الشكر والطاعة لخالقه وبشكل مطلق ، ولكن بعض النساء أحياناً يفرطن في التنسّك فيقصّرن بحق أزواجهن ، فالأحرى بالزوجة أن تعرف أن لزوجها حق أوجبه الله عليها ، وأن الشريعة لا تجيز للمرأة العبادات التي تتنافى مع حق الزوج مثل السفر للحج والعمرة المستحبة بدون رضاه ؛ بل لا يجوز  لها أن تصوم تطوعاً لأن ذلك يتنافى مع إجابتها له في التمكين من نفسها ؛ ولو كانت على ظهر الجمال كما في الحديث ، وعليه يجب على المرأة أن تعلم أن كل ما تقدمه لزوجها وأسرتها يعتبره الشارع المقدس عبادة ، وفي الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذبه ) (1) .

ويجب على المرأة أن تتأسى بسيدة نساء العالمين عليها السلام ، حيث يقول الإمام الباقر عليه السلام : ( إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عمل البيت والعجين والخبز وقمّ (2) البيت وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب ونقل الحطب وأن يجيء بالطعام ) (3)  ، وقال عليه السلام أيضا : ( لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها )

وأخيراً ـــ سيدتي الكريمة ـــ اعلمي أنكِ إن أخلصت لله العبوديّة وأدّيت حق زوجك فإنه سيعطيك خير الدنيا والآخرة ، وعليكِ بالعبادات التي تعينك على التواضع وأداء مسؤوليتك ، فلقد تعبت السيدة الزهراء عليها السلام يوماً فأنشدت أباها صلى الله عليه وآله فقال لها عليكِ بالتسبيح .

من هذا وذاك ؛ نستفيد بأن بعض العبادات لها أثر على إشاعة الأمل والسعادة في الأسرة ، ابتسمي دائماً وكوني حضناً دافئاً ليسكن إليه أفراد أسرتك واجعلي هذا بعين الله ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) ( آل عمران ـــ 195 ) .

  

(1)مستدرك الوسائل ، ج14،ص244.

(2)قمّ البيت : كنسه

(3)المصدر السابق ، ح1،ص115

د. مواهب الخطيب