ما ان نسمع لفظة " المجاملة " الا وينصرف الذهن فينا الى الانطباع السلبي عنها ، ومفاده ان المُجامِل ينافق ويظهر غير ما يكنه من مشاعر وأحاسيس ، فضلا عن تكلفه في ذلك ، وهذا امر مغلوط البتة ، إذ ان النفاق هو ان تمتدح شخص ما وتصفيه بصفات ليست فيه او تحول صفاته السيئة الى حسنة بتوظيف البراعة اللغوية والابتسام الزائف ، في حين انها ـ المجاملة ـ انتقاء العبارات والكلمات الرقيقة التي يمكننا من خلالها كسب ود المُجامَل من خلال التعبير بالأعجاب بما يقدمه ، ويرفع من روحه المعنوية ، بشرط ان تتجسد هذه الصفات فيه بالفعل ، فضلا عن كونها تعبير وابداء اعجاب بصفات المجاملَ التي قد تكون خافية عليه مع ما يتضمنه من تحاشي لذكر العيوب او ذكرها بطريقة رقيقة ومقبولة .
وثمة فارق اخر بينهما ـ المجاملة والنفاق ـ وهو ان هدف المجاملة هو تحقيق الفائدة للطرفين ( المجامِل والمجامَل ) عن طريق توثيق العلاقة بينهما وتمتينها ، او على الأقل منها لطرف واحد هو الطرف المتحصل عليها من خلال رفع روحه المعنوية وزيادة زخم ثقته بنفسه ، في حين ان النفاق يهدف الى تحقيق مصلة ذاتية ليس الا ، من خلال التزلف والتقرب للأخر لغاية معينة يستبطنها المُجامِل في نفسه .
وبذلك فهي نوع من ترطيب الأجواء وكسب لود المقابل ، وهي تتضمن القدرة على استمالة المقابل ( المجامَل ) من خلال الشخصية الجذابة للمجامِل والتي تستوجب من الأول احترم الأخير ، عدا كونها تُضفي شعوراً محبّباً وأجواء لطيفة على الحوارات بينهما ، سيما تلك المفعمة بكلمات المديح والثناء .
وكي لا نبخس المجاملة حقها ، عليك سيدتي ان لا تختزلي مفهومها بأن لا تكوني غليظة التعامل فقط ، فذلك ملمحا اوليا لها ،إذ إن مضامينها كثر ، لا اقلها ، انها البداية لكسب الوقت وتحويل مجريات الحوار صوب ما ترغبين بعد ان تكسبين ود المقابل بالمودة لا بالقسر الفكري .
وعليه فهي سلوك انساني يقوم من خلاله الفرد منا بالتعبير (اشارة او لفظة او تصرفا) عن حسن التعامل والتودد في الحديث مع الأخر على ان يكون ذلك دون مقابل لئلا تعد تملقا ، ودافعك في ذلك هو انك كما تحبين ان تُجاملي جامِلي المقابل كونها ـ المجاملة ـ ستعطي عنك انطباعا طيبا ، إذ من خلالها ومن خلال مراعاتك لأحاسيس المتلقي لها ، ستحققين نجاحك ومقبوليتك الاجتماعية .
والمجاملة كلمة رديفة للمداراة ، وهو جزئية مهمة من جزئيات ايمان الفرد منا ، وبالتالي فهي من مندوبات الشارع المقدس ، إذ نجد كثيرا مما صرح به القرآن الكريم بخصوص التعامل بالرفق وقول الحسنى للناس ومنها ما اشار له القرآن الكريم في قوله تعالى (( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )) و (( وقولوا للناس حسنا )) ، وليس خفيا على أحد ان لفظة الناس الواردة في النص القرآني تنصرف لجميع الناس دونما تمايز ، وللمعترض على ذلك نقول أن بشاشة الوجه أمام المؤمن محبة له ، في حين انها امام المخالف وسيلة للجذب والمداراة والكسب لقلبه وبالتالي لأيمانه .
وللسنة النبوية العطرة قولتها في ذلك حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش )) وفي حديث اخر : (( أمرني ربي بمدارة الناس كما امرني بأداء الفرائض )) .
ولأمير المؤمنين عليه السلام قولا عظيم فيها إذ يقول : (( راس الحكمة مداراة الناس )) وفي حديث اخر (( سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس )) ، وهو قريب جدا مما قاله صادق اهل البيت عليهم السلام (( مجاملة الناس ثلث العقل )) .
لهذا وذاك ، فأن المجاملة واساليبها باتت هي الأخرى فنا وذوق فضلا عن كونها ايمان ، وهو ما يحتم عليكِ سيدتي منحها اهمية كبيرة وان تدربي نفسكِ عليها وتروضي اسلوبكِ بالتمرين فيها .
ولا تكمن صعوبة المجاملة في التعامل مع الأشخاص الذين نعرفهم مسبقا كالأصدقاء والأقرباء ، كوننا نعرف طرائق تفكيرهم وبوصلة توجهاتها وبالتالي يمكن ان نتعامل معهم وفقا لها ، الا ان الصعوبة تكمن بالتعامل مع الغرباء ممن يحتم تعاملنا معهم مداراة خاصة لوضعهم بما يضمن عدم خدش مشاعرهم .
مهنيا ، تعد المجاملة اقصر الطرق لتحقيق الغايات والوصول الى النجاح ، خصوصا انها كما يصنفها البعض " اعظم من الموهبة " وهي " فن نبيل يحتاج اليه كل شخص يريد كسب المواقف لصالحه " لأن من لا يجيد التعبير بلباقة وانسيابية ، سيعاني الكثير في تقبل الأخرين له من عدمه ، إذ اكدت دراسات تنموية واجتماعية مختصة ، ان اكثر من (85% ) من العلاقات الطويلة والناجحة مرهون بحسن ادارة التعامل بين اطرافها واشاعة ثقافة المجاملة فيما بينهم ، اذ انها ـ المجاملة ـ تعمل على تجسير الثقة بالنفس وتحقيق اقصى مقبولية لها ، فضلا عن تحسينها للعلائق والوشائج بين الأفراد وتقوية الأواصر بينهم ، ناهيك عما تمنحه للمتحصل عليها من شعور مهم ودافع قوي للقيام بشيء ما ، سيما بعد إشعاره بأنه اهل لذلك وأنه محط حضور وتذكر وإطراء .
لذا فأن للمجاملة مران ورياضة خاصين ، ما ان بدأتِ بهما وبمراقبة دقيقة ، ستجني ثمارها اليانعات ، وصولا الى ان تكون من جزئياتكِ التي لا تنفك عن شخصيتكِ .
وعليه ، اليكِ هذه الخطوات :
بقي ان نذكر ان هنالك ضرورتان لرد المجاملة ـ السلبي منها والإيجابي ـ ، لابد من التزامهما وكما يلي :
أ . رد ايجابي :
ب. رد سلبي
وهو قبول ما اطري من الأخر بحقك بدون التشكيك فيه ، فإذا جاملتكِ احداهن على طريقة تنسيقك للملابس مثلا ، حاذري يان تقولي لها " بأنها قديمة " او " انكِ لم تعتني كما ينبغي" ، لئلا يفهم من ذلك بأنك لم تتقلبي المجاملة او انك تكّذبي قائلها ، او ان ذوقه في ذلك غير مناسب ، ولا تشعري من جاملكِ بأنك تستحقين اكثر مما قال كأن تقولي لها بأنك " تجيدين تنسيق اكثر جمال من هذا الذي تطريني عليه " ، وخلاصة ذلك ، اشعري من جاملكِ بأن ما قاله قد وصل وأنكِ تقدرين له ذلك ، مع ابداء ملامح الرضا عنه .
ايمان عبد الواحد خلف
موقع إلكتروني منوع يعنى بثقافة المرأة والطفل وفق طرح عصري ملتزم للأرتقاء بواقع المرأة العربية
وللمرأة مكان ايضاً ..
Copyright © 2018 Design by IT Imam Hussain