مظاهر مؤنقة حد الزيف ، ومشاهد اخفت من العيوب اكثر مما أظهرته من المحاسن ـــ أن كان فيها محاسن أصلا ـــ تلك التي يتشدق فيها الغربيون حيال المرأة لديهم ، ويكثر هذا التشدق والتمظهر كلما كانت المقارنة حامية الوطيس بينها وقرينتها المرأة المسلمة ؛ حتى أنهم سخّروا في هذا السبيل آلتهم الإعلامية الكبرى ، فراحت تلّمع صورة المرأة لديهم وتجعل تلك التي تعنى بالمرأة المسلمة اشد ضبابية .

ولكن شمس الحقيقة لا تحجب بغربال ، فكان للتأريخ أولا وللإنسان من بعد ذلك ، شهادات طمست زيف ما يدعون وأعلنت بوضوح عن قتامة وتشوه الصورة التي حاول الغربيون تصديرها كأنموذج للمرأة الغربية تنميطا منهم للمرأة بصورة عامة .

والجميل بهذه الشهادات أنها صادرة من أناس حفروا أسماءهم لدى الغرب أولا ومن ثم المسلمين من بعد ذلك ، بأحرف من نور ؛ كونهم طلاب حقيقة ودعاة حق بغض النظر عن انتماءهم وأدلجاتهم  .

وطالما حديثنا بخصوص قيمة المرأة في الإسلام وما امتازت به عن قرينتها في الأديان الأخرى ، يقول روجيه كارودي ـــ وهو كاتب وفيلسوف فرنسي ولد في 1913م لأب ملحد وأم كاثوليكية وأعتنق البروتستانتية بأوائل شبابه ، وأُسر في الجزائر عام 1940م خلال الحرب العالمية الثانية ، ومن خلال عمله في منتدى الحوار المسيحي ـــ الشيوعي في ستينيات القرن الماضي تشكلت بوادر ميله نحو الأديان ومنها الإسلام ليكتشف عظمة هذا الدين معلنا بذلك إسلامه عام 1982م ، إذ يقول في كتابه "وعود الإسلام" الذي صدر قبل سنة واحدة من إسلامه:  

" إذا قارنا قاعدة القرآن بقواعد جميع المجتمعات السابقة، فإنها تسجل تقدما لا مراء فيه ، خصوصا إذا ما قورن ذلك بأثينا وروما؛ حيث كانت المرأة قاصرة بصورة ثابتة ، إذ نرى أن المرأة المسلمة تستطيع التصرف بما تملك ، وهو حق لم يُعترف لها به في معظم التشريعات الغربية ، ولا سيما في فرنسا إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين، أما في الإرث فصحيح أن للأنثى نصف ما للذكر عند المسلمين ، إلا أنه بالمقابل تقع جميع الالتزامات لا سيما أعباء مساعدة أعضاء الأسرة الآخرين على عاتق الذكر، وبذلك فأنها معفاة من كل ذلك ، فضلا عما يمنحه لها القرآن من حق طلب الطلاق، وهو ما لم تحصل عليه المرأة في الغرب إلا بعد ثلاثة عشر قرنًا " .

ويضيف " للمرأة وضع سامي وراقي في ظل الاسلام بل وأنه وضع مثالي للغاية ، خصوصا بعدما رفع عنها الظُّلمَ ، وساوَى بينها وبين شريكها الرجل في الحقوق والواجبات وصانها وحافظ على كرامتها ، في وقت أباح فيه اليونانيون ومنهم سقراط قرضة الرجل زوجته لمن يشاء من أصدقائه ، ليقر بعد ذلك أفلاطون بشيوعِ المرأة ، حيث تكون فيه كل النساء مشاعات لكل الرجال ، وليس لرجل امرأةٌ بعينها ، والأبناء هم أبناء المجتمع !! " .

 

في حين يرى الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون المولود في 1841م والمتوفي في فرنسا عام 1931م ، بعد ان قضى شطرا من حياته في الترحال بين أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا بما سمح له ان يطلع على الثقافات والأديان فيها ، فضلا عن كونه طبيبا نفسيا ومعالجا اجتماعيا له مئات الأبحاث التي لها الفضل الأكبر في تسمية ودراسة السلوك الفردي والمجتمعي ووسائل التأثير في الجماهير ، مما جعله أشهر الفلاسفة الغربيين اللذين أنصفوا الاسلام كونه يرى بأن " المسلمين هم مَن مدَّنوا أوروبا بالحضارة" ، حيث يقول لوبون في كتابه "حضارة العرب" بأن إن الإسلام قد أثر تأثيرًا حسنًا في رفع مقام المرأة أكثر من قوانيننا الأوروبية " ، إذ يقول:

" فضل الإسلام لم يقتصر على رفع شأن المرأة فحسب ، بل أنه أول دين فعل هذا ، ومن ذلك مبادئ المواريث فيه وهي موازين بالغة العدل والإنصاف ، ولو أجرينا مقارنة بين حقوق المرأة في الإسلام وبين الحقوق الفرنسية والإنجليزية ، لوجدنا أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات اللائي يزعمن أن المسلمين لا يعاشروهن بالمعروف ، حقوقاً في المواريث لا تجد مثلها في قوانيننا العصرية " .

ويضيف : " حال النساء المسلمات أفضل بكثير من حالة أخواتهن في أوروبا ، وأن نقصان شأنهن ـــ أن حدث ذلك ـــ فهو خلافًا للقرآن ، وليس بسببه ، وعلى كل حال فإن الإسلام رفع المرأة كثيرًا ولم يخفض لها قيمة أبدا ، ونحن لسنا أول من اقر بذلك ودافع عنه ، فقد سبقنا إليه كثيرون ، ومن ذلك ما تتمتع به الزوجة المسلمة بأموالها الخاصة ؛ فضلاً عن مهرها ، عدا إنها غير ملزمة البتة في أن تشترك في الإنفاق على أمور المنزل ، وإذا ما طلقت فيحق لها أن تأخذ نفقتها كاملة " .

 

بلاسم الشمري