كانت وما زالت الأذهان الغربية ـــ على الصعيد المجتمعي ـــ محمّلة بصور سلبية عن الإسلام وعالمه ، افراد وسلوكيات ، كنتاج طبيعي للحملات التوهيمية والتحريفية والتضليلية التي انتهجتها وسائل الإعلام الغربي ـــ ومن يقف وراؤها من صنّاع القرار ومن يدير دفة إدارة الرأي العام وصناعته ـــ ضد الإسلام .

سلبية الإسلام والمسلمين جاءت هذه المرة عن طريق ترسيخ الصورة النمطية عنهم وتوظيفات ذلك عن كونهم ـــ المسلمون ـــ بدائيين ومتحجرين وقساة ، مع عزف ناعم على ما يمكن ان تستثار به العواطف وتتضامن معه الهواجس من خلال تصدير هذه الصورة السلبية من خلال " مظلومية المرأة المسلمة " .

وليس من الحكمة أن يؤخذ تنامي هذه الصورة لدى الغربيين على أنه محض صدفة او قناعات واعية ، إنما المنطق يلزمنا أن نحيط بكل ذلك لأن مآلات الأشياء تثير فينا الريبة والشك بل وحتى الخوف خصوصا وأن نتائج ذلك باتت تنّفر الآخرين من كل ما له صلة بالإسلام .

لذا وإمام هذه التحديات ، فأن المرء منا ، وخصوصا المرأة المسلمة ، أمام أزمة هوية وأزمة انتماء ، كون نتائج هذه التحديات باتت تمس مكانة دينهم بين الأديان وتسلسل أمتهم بين الأمم ، فضلا عما يمكنه ان يهدد أمنهم في بعض البلاد ، خصوصا غير الإسلامية منها ، وهو ما يُعّد عائقا حقيقا إمام تطلعاتهم ورسالتهم الكونية والشمولية والحضارية . 

  والمتتبع منا للإعلام الغربي ، يلمس باليقين إن ثمة حملة تشويهية تطبخ في مطابخ غربية ، حتى صُنفت الحرب الإعلامية  ضد الإسلام  على أنها " إعلاموفوبيا " ، سيما بعد أن نجحت في أدلجة قطاعات واسعة من الجمهور الغربي ضد الإسلام ومفاهيمه وتأليب الرأي العام ضدهم .

  ولو تتبعنا خيطا تاريخيا لهذا الصراع الإعلامي لوجدنا أن ذلك يتراوح بين كونه ردة فعل للفتوحات الإسلامية ونتيجة حتمية للغزو الغربي للأمصار الإسلامية العربية في القرن الأخير ، وهو ما حمل صورا وأفكارا نمطية وصّير من مفردة " الإسلام " مدعاة لنشر صورا كاريكاتيرية تستهجن الإسلام والمسلمين ، وهو ما يعد عملية تشويهية للإسلام كدين ، وللمسلمين بل ولمن يتعاطف معهم ، مما يجعلنا نجزم بأن صناعة الصورة المسيئة للإسلام ونمذجتها وتنميطها عنه يهدف الى ترسيخ العداء له ولهم من قبل الفرد الغربي .

كما ان تتبعنا لذلك ، جعلنا نقطع باليقين أن الحملة الإعلامية هذه إنما هي من قبل صّناع الرأي  الغربي ، خصوصا من الكنيسة ولاهوتييها وبالتحديد في عصور الإزهار الاسلامي ، وقد جاءت كنوع من التعبير عن خوفهم من تأثير القيم الإسلامية على الفرد المسيحي وقيمه ، وأن الأسلوب الأفضل في مجابهة هذا المد هو الاستيلاء على نفوذه .

وما يمكن ان ندرجه ضمن تلك الحملات ما يسمى بحركات الإستشراق في حينها ، والتي كانت أجندة تجسسية تهدف الى استكشاف معالم ومخططات العقل الإسلامي بما يسهل عملية استعباد واستعمار المدن الإسلامية وهذا ما حدث بالضبط  .

ومن المنطق ان نتفق معهم بأن الإسلام يعد تهديدا حقيقيا لوجوداتهم ، الا أننا نختلف معهم في سبب ذلك ، فليس ذلك لأن الإسلام دين القوة والعنف او السذاجة والسطحية ، إنما لأن مزاعمهم وأسس دينهم خاوية ومبنية وفقا لتصورات بشرية آنية وليس إلهية ، وبذلك عُد الإسلام عدوا تقليديا ومناوئا ايدولوجيا بل وتحديا حضاريا لهم  خصوصا في نهاية ثمانيات القرن الماضي وبالتحديد بعيد سقوط الشيوعية وفراغ العالم من الصراع الذي يوفر حشد عاطفي للشعوب الغربية ، مما دفع الآلة الإعلامية الغربية لإستصناع هذا " العدو الغول " ، وبذلك يوفر ملاذات أمنة من قبل الجمهور الغربي لنظريات ما ـــ اغلبها ماسونية ـــ وهو ما دفع فريق كبير منهم لاحقا الى صناعة الإسلام المتطرف وتصدير إرهابه وفوبياه كصورة نمطية عن الإسلام ، وليس أخرها احداث 11 أيلول وبوكو حرام والقاعدة وداعش وغير ذلك كثير .

واهم أساليب معاداة الإسلام ، بل والأكثر وقعا على المجتمع الغربي ، هو توظيفاتهم الباطلة بكون الإسلام دين يحط من قيمة المرأة ويبتذلها ويسخرها لخدمة الرجل وليس غير ذلك ، فضلا عما يصوره عنها من إنها لا تطيق العيش مع الرجل المسلم وترفض العلاقة الحميمة معه كونه بدوي وهمجي ودورها الضيق والحصري في الأمومة وإدارة شؤون المنزل ، وقيمومة الرجل عليها لأنها " ناقصة " ، بعد ان صادر حريتها واضطهدها حتى في إبداء " جمال شعرها " .

في وقت وظّف فيه " خلاعتها " وصّور ذلك على أنه حرية ، وأن عملها في الملهى مثلا او تجارة الجنس ، نوع من الاستقلال الشخصي لها ، وأنها غير مجبرة البتة على أن تكون " أما " .

والنتيجة ... صارت المجتمعات الغربية بيئات خصبة ـــ إداريا وقانونيا واجتماعيا بل وكنسيا ـــ للمثلية العلاقاتية بين المرأة والمرأة وبين الرجل والرجل ، وصارت  نصف شعوبهم لا تعرف إباؤها ولا هم يعرفون ذويهم ، وصار الآلة والتحضر والعمرانية ابعد ما يكون عن التحضر والتقدم الإنساني  .

كل ذلك تحت شعار  المدنية .

بلاسم الشمري