في كل مرة أكتب فيها عن امرأة مميزة يحدوني الفخر والاعتزاز, وأعده نص لن يتكرر ليس لقلة النماذج النسوية المشرفة في مجتمعنا؛ بل لأني أكتشف ذاتي في كل كلمة تحاكي دور مثيلتي في الخلق والدور, وأتمنى أن تلهم السطور التي أكتبها؛ كل امرأة تقرأها وترى نفسها بعين أكثر تقبل لذاتها وإيمانا بقدراتها. ولا سيما أن من أكتب عنهن هن نساء مازلن يرفلن بالحياة لإكمال أدوارهن الإنسانية أو الأكاديمية ليتركن بصمة خالدة لا تمحى بعوامل النسيان.

أما اليوم سأكتب عن امرأة تأخر قلمي على الكتابة عنها, إذ رحلت شهيدة لتلهم الأحياء معنى الحياة بكرامة, شهيدتنا هي رنا حسين علي العجيلي التي أرتقت إلى بارئها في يوم 16 تشرين الثاني من عام 2017 لتتزامن ذكرى رحيلها مع ذاكرة وطن بأكمله حيث أُعلن عقب استشهادها بيوم بيان يُبشر الثكالى والأرامل بأخذ الثأر ونهاية كابوس داعش الإرهابي وتطهير كل شبر من أرض العراق من بقايا أثارهم المظلمة.

رحلت رنا عن خمسة أطفال لتستودعهم أمانة في أعناق كل غيور يدرك معنى أن تكون المرأة مضحية بحياتها فقط لتنصف الحق وتنقل ملامح الانتصارات بالصوت والصورة والكلمة. كان عمل الراحلة كمراسلة حربية مدعاة للتقدير والفخر في زمن مازال يسمع صدى التاريخ الذي يردد تلك الخطبة التي صدحت بالحق على لسان سيدة الكبرياء الحوراء زينب (عليها السلام) في قصر العهر والطغيان لحاكمه الظالم يزيد لعنه الله, إذ أكملت النهضة الخالدة التي أعلنها سيد الشهداء (عليه السلام) لتكون الوجه الأخر للانتصار, وتوثق بحد الكلمة كيف أنتصر الدم على حد السيف, وكيف نُحر الحق بسطوة الباطل, وكيف اختلفت مقاييس الحرب وانتصر الموت على الحياة.

ليست مفارقة ولا مصادفة أن تكون رنا مسؤولة إعلام (لواء الطفوف الثالث عشر) فيكون لها من العنوان نصيب, كما ليست مصادفة أن تكون أول إعلامية تستشهد في صفوف الحشد الشعبي قبيل النصر ربما بساعات وهي تستعد لإعداد تقريرها الحربي عن قاطع عمليات القائم لتحظى بلذة التبشير بالنصر على يد أخوتها الأشاوس في الزمن المناسب؛ لتقر عيون باكية على شهداء رحلوا تاركين خلفهم قلوب تيتمت سعادتها, ولكن جاء قرار الله ليقطع باليقين ويمنحها اللذة الحقيقية للانتصار وأسمى معنى للسعادة لينتهي مشوارها الذي بدأ مع انبثاق الفتوى الخالدة للجهاد الكفائي. تلك الفتوى التي دعت النساء في حينها أن يساندن الزوج والأبن والأب والأخ ويباركن التحاقهم إلى سواتر العز والثأر.

أما رنا لم تكتفِ بالمساندة والدعاء بل حملت روحها إلى الساتر واستودعت ابنائها في حفظ الله الذي أحسنت الظن بعينه التي لا تنام وكنفه الذي لا يضام من لجأ إليه, والتحقت للإسناد بنقل مجريات الحرب وما يدور في أرض المعارك من وقائع لتثبت إن دور المرأة من الممكن أن يرتقي لشرف الجهاد والدفاع عن المقدسات. فارتقت في ختام عمليات القتال لتوقع على وثيقة التاريخ بدم امرأة عراقية رحلت شهيدة من ارض الوطن المثخن بالجراحات إلى سماء الخلود حيث السعادة الأبدية.

 

إيمان الحجيمي