حينما نادى العراقُ رجاله بفتوى الجهاد الكفائي ، أحتشد الآلاف منهم لنصرة الدين والوطن ، ونذروا الأنفس الغاليات قرباناً للنصر ، وأقسموا بدمائهم التي تغلي شوقا للشهادة ؛ بأن الظفر والثأر أمانة في أعناقهم ، وبأن الحسين نهجهم ونبراسهم ...

منذ ذلك الوقت والأرواح الطاهرة تعتلي منصة الشهادة ، وتسموا لبارئها ، لتلتحق بركب السعداء ، فتسجل روائع القصص البطولية التي شاركهم بها حشد النساء .

نعم ... فخلف كل مجاهد وكل شهيد أم وأخت وزوجة وابنة ، تصون كرامته وتشّد على يده وتقتدي بسيدة الصبر الحوراء زينب عليها السلام  حينما أكملت ما بدأه أخيها سيد الشهداء عليه السلام ، حيث انتصرت في قصر اللعين يزيد بخطبتها التي صدحت بالحق فكشفت ضلالهم وفضحت تجرئهم على الله ، وبينت لهم سوء عاقبتهم ، فألجمت الألسن وأرجفت القلوب ومزقت عليهم لباس التبجح بالدين ، وكان لها بذلك دور تاريخي في رعاية واحتضان الأيتام .

أما أمهات الشهداء اليوم ، فقد وجدن بأم البنين أسوة حسنة ، حيث قدمت أبنائها الأربعة بين يدي أبا عبد الله الحسين عليه السلام غير نادمة ولا آسفة لأنها وهبتهم لله ولدين الحق ، مع أن قلب الأم مفعم بالعاطفة وبفطرة الأمومة التي يتجلى فيها الحب والعطاء بأسمى صوره ولكن نساء أهل البيت سطرن أروع مشاهد الصبر والتزام جانب الحق ونصرة ذويهم من الرجال .

وها هو التاريخ يكرر بعض تلك الصور والمشاهد على يد حشد النساء اللواتي انتفضن مع الرجال وأثبتن بأن المرأة لها أن تلتحق بالجهاد وهي في منزلها بأيمانها بالعقيدة ، وبصور عدة ... فهذه تدعم زوجها وتؤيد التحاقه وتعزز أيمانه بالنصر ؛ وتلك ترعى أيتامها وتصون كرامته وتحفظ الودائع بعد استشهاده ، وأخرى تشد جرحها وتعتصر ألمها وتهلل في جنازة ولدها وتقدم الأخر تلو ألأخر فداءاً للوطن ... وصور أخرى كثيرة تساهم بها المرأة اليوم في مواجهة هذا الظرف الذي يهدد أمن الوطن ومنها الأقلام النسوية التي تسجل للتاريخ روائع القصص البطولية ودعم المجاهدين بالكلمة الحسنة والامتنان لهم بما قدموا من تضحيات في سبيل كرامة البلد وأمنه .

صورة ليست بآخر الصور ، ما ينحني لها العاقل أجلالا واحتراما ، حيث ضحت بعض النسوة بأرواحهن فداءاً للوطن ، وتعرض أخريات منهم للاعتقال والتهديد وهن يساندن أبناء بلدهن باختلاف الطوائف والمعتقدات ، بل ومنهن من يحمل السلاح لمقاتلة العدو ، حتى حظي بعضهن بالشهادة .

وهذا اعتراف منا بدور المرأة وبقيمة ما تقدمه من دعم معنوي ونفسي للرجل وبما يعبر عنه الإعلام الصادق وتوثيقه لقصص الشهداء حيث يعطي للمرأة حقوقها في إظهار دورها من خلال طرحه لقصة الأم والزوجة ضمن سياق المواقف البطولية بما يتلائم مع صمودها وثباتها وإتمام دورها على أكمل وجه ، وتنفيذها لوصايا الشهداء والاستمرار في الحياة رغم الصعاب والمعاناة بمنتهى الصبر والأمل بالله وبما وعد الشهداء من منازل في الجنة وهو ما يهدئ لوعتهم ويداوي جرحهم النازف على فراق الأحبة .

هؤلاء هم حشد النساء ...

ايمان كاظم الحجيمي