لم يكن يوم الرابع من نيسان عام 1970 يوما عاديا بالنسبة لعائلة الاعلامية والاديبة وفاء الفتلاوي ، بل كان يوم مميزا وفوق العادة ، ليس لكونه يوما ربيعيا يتطابق فيه رقم اليوم مع الشهر فقط ، بل لأنه منح النور للمولودة الخامسة في التسلسل من بين اسرتها حينئذ .

وحيث الاسرة التي تنعم بهدوء اجتماعي ، في كنف الاب الذي يمتهن صباغة السيارات لإعالة اسرته التي تنحدر من طبقة متوسطة تقطن محافظة النجف الاشرف ، اذ قضت وفاء الفتلاوي جزءا كبيرا من حياتها وسط تلك الطبيعة الخلابة والالوان التي كانت رمزا لأبيها وهي تقول : " ولدت في اسرة متوسطة الدخل فقد كان والدي يعمل صباغ سيارات ، احببت الرسم من خلال الالوان التي كان يمزجها للخروج بلون محدد ، والدتي هي اعظم ام في الدنيا !علمتني الصبر من صبرها والحكمة في اتخاذ القرارات وعدم التسرع في الحكم على الاشياء ، الا بعد دراستها ، وقد نشأت وترعرعت على الكلمة الطيبة وديوان العشائر ، فقد كنت استرق السمع لما يقولونه ، وقصصهم عن الشجاعة والفطنة وكيفية الوقوف امام المستحيل لتحقيق هدف ما " .

تلك الظروف القاسية جعلت من وفاء إنموذجا للمرأة المثابرة ذات الارادة والعزيمة الفولاذية ، حتى انها منذ نعومة اظفارها كشفت عن شخصيتها وقوة اداءها ، لتشق طريقها ـ وسط كل المعوقات والضغوط ـ الى عالم الكتابة ، سيما في مجال كتابة القصص القصيرة وفي سن مبكرة ، لتنتقل بعدها نحو الدراسة في معهد المعلمات ، ومن ثم في معهد الزراعة لتداهم قسوة الحياة والحالة الاقتصادية ـ التي مر بها البلد ابان تسعينيات القرن المنصرم ـ اجواء العائلة وتعصف بهدوئها الاقتصادي حيث تتذكر الفتلاوي تلك الايام بألم عندما تتحدث وتضيف : " واجهت الحياة بصعوبة بالغة في وقت عز علينا رغيف الخبز ، حيث الحروب التي سلبت كل ذي قيمة منا ، ناهيك عن غلاء المعيشة ، إذ كان علي ان اثبت لنفسي أولا وللأخرين ثانيا ، انني بقوة الف رجل في العطاء وبناء الاسرة ، فحاضرت في عدد من المدارس لمدة سنتين ونصف على امل ان اجد تعيينا اثبت فيه جدارتي العلمية، لكن لا جدوى من ذلك ، ولكي اساعد اسرتي في توفير لقمة العيش الشريفة اقترضت بعض المال لكي اشتري ماكنة خياطة وفعلا بدأت العمل بها ، لكن طموحي كان اكبر من كل ذلك ، خاصة واني كاتبة قصة قصيرة منذ نعومة أظافري ، وثيمتي في ذلك هو الواقع  الذي يعيشه الفرد منا ، الى ان وصل بي المطاف الى مجال الاعلام حيث  الهدف الذي طالما حاولت تحقيقه دون كلل او احباط ، وبعد بذل كبير وعمل طويل استمر لسنوات تمكنت بعدها من استثمار اولى فرصي نحو عالم الاعلام رغم الصعوبات التي واجهتها حيث من الطبيعي ان تواجه المرأة العراقية  العاملة سيما في مجال الاعلام ايضا صعوبات كبيرة جدا في حياتها سواء على الصعيد الاسري او العمل بسبب التقاليد الاجتماعية التي تحد من قدرة المرأة على العطاء وتبوء مكانة علمية او عملية تكون فيها صفا الى صف مع الرجل ، والتنافس غير الشريف في المحافل ذاتها، بالإضافة الى مسؤولية الاسرة والتربية والشارع " .

تواصل وفاء الفتلاوي حديثها : "دخلت مجال الإعلام عن احدى المؤسسات الاعلامية التي كانت  منطلقا لرسالتي التي لطالما تمنيتها ، وبدأت رحلتي الجديدة ، لا انكر ابدا انني واجهت المصاعب في ذلك ، لكي أكون ما انا عليه اليوم ، خصوصا صعوبة تلقي الاحداث والدورات الإعلامية المكثفة في تحرير الخبر وكيفية كتابة التقارير الإخبارية والقصص الخبرية والحوارات مع شخصيات سياسية مرموقة في الدولة ، وحتى الخوض في مجال العلاقات العامة والمراسلة ، كل هذا كان على يد أساتذة مخضرمين ، والحمد لله انتقلت بعد اثبات جدارتي الى احدى المؤسسات الإعلامية المعروفة ، لأجري من خلالها حوارات كثيرة مع المسؤولين سواء كان على المستوى السياسي او الأمني لتكون هذه باكورة نجاحاتي الإعلامية ، وبفضل الله وحفظه حصلت على الكثير من الشهادات التقديرية التي اثبتت جدارتي كامرأة في سلك الاعلام ، كما أني نشرت اكثر من (30) قصة قصيرة في معظم الصحف العراقية ، رسمت فيها واقع المرأة العراقية سواء كانت في الشارع او المدرسة او البيت او العمل ، ولعل افضل ما كتبت بحسب المختصين والادباء في نقد القصة ، هي قصة (مناديل بلا ورق) وقصة (عطر البنفسج ) التي حازت على اعجاب الكثيرين من النقاد .

مآثر طالب