قال تعالى (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))

في الآية الكريمة يضرب الله تعالى مثلا للمؤمنين من عباده , آسية بنت مزاحم, وهي زوجة فرعون موسى, الذي بلغ من طغيانه وكفره أن قال ( أنا ربكم الأعلى ) ، وإنما اختار الله تعالى هذه المرأة المؤمنة مثلا لعباده المؤمنين, لثبات إيمانها وعدم تزلزله , مع أنها عاشت في بيت فرعون الكافر بالله تعالى , وهذا هو شأن المؤمن الحقيقي المخلص في إيمانه , يقول أمير المؤمنين عليه السلام (( لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة, ولا تفرقهم عني وحشة )) .

فالحكمة التي من أجلها ساق الله تعالى هذه المرأة مثلا لعباده المؤمنين, ليثبتوا على إيمانهم ومبادئهم, ولا يتأثروا بأصحاب السوء, أو المحيط أو البيئة الفاسدة , سواء كان فسادا أخلاقيا أم عقائديا ، فآسية بنت مزاحم مثال المرأة المؤمنة, إذ لم تخف من فرعون وسطوته, ولم تتأثر بملكه وسلطانه والامتيازات التي كانت تتمتع بها, والنعم التي ترفل بها, بل كانت من الثابتين على عقيدتها ومبادئها وقيمها ؛ فحينما كان فرعون يعذب المؤمنين كانت تواجهه بشجاعة وتقول له (( الويل لك يا فرعون ما أجرأك على الله ! )) ، فمدت بين أربعة أوتاد, وما زالوا يعذبونها حتى اقتربت منيتها , فقالت (( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )) , فاستجاب الله دعاءها, وكانت لا تجد للعذاب ألما, وكشف لها عن بصرها , فرأت قصرها في الجنة .

ويتبين من الآية الكريمة النظرة الإلهية العادلة والمنصفة للمرأة , حين جعل منها مثلا للمؤمنين سواء الرجال والنساء, فإن الله تعالى خلق الإنسان وكرمه على سائر مخلوقاته , وهذه الكرامة تشمل الرجل والمرأة على حد سواء, كما قال تعالى (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )) .

وقد ميزهم بالعقل , ووجه إليهم التكاليف الإلهية , وأوضح لهم طريق الهدى والمبادئ الحقة ليلتزموا بها, وحذرهم من سلوك طريق الضلال, والوقوع في شراك الشيطان والنفس الأمارة بالسوء .

لذا نرى القرآن الكريم يمجّد المؤمنين الثابتين على مبادئهم, والمتمسكين بقيم الدين الحنيف , ويؤكد على أهمية القيم والمبادئ التي يؤمن بها الإنسان وما لها من أثر بالغ في حياة الفرد والمجتمع , فإن مبادئ العقيدة والقيم الأخلاقية المنبثقة منها, تعدّ مصدر الإشعاع والتوجيه للأمة نحو حياة الكرامة والتقدم في الدنيا, والنعيم الخالد في الآخرة, قال تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) .

وروي عن أمير المؤمنين (ع) قوله ((أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلون فلا تزولوا عن الحق ، وولاية أهل الحق فان من استبدل بنا هلك وفاتته الدنيا )) .

ولا يخفى ما للقيم والمبادئ الإسلامية من دور كبيرفي استقامة حياة الإنسان على صعيد الفرد والمجتمع, فهي بمثابة المنظم والمنسق لتوجهات الإنسان في الحياة, بما تمنحه من طاقة حيوية في عمله وسلوكه وأقواله وأفعاله ، وذلك لأن المبادئ الإسلامية حوت جميع الفضائل والكمالات التي حوتها الشرائع السابقة , وشرعت كل ما ينظم حياة الإنسان, ويصون حريته وكرامته, ويضمن له سعادة الدنيا والآخرة ، فهي الشريعة السماوية التي ألفت بين القيم المادية والروحية والملائمة لفطرة الإنسان السليمة . قال تعالى (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) .

 

السيد نبأ الحمامي