نص حق الجار وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام):

 (وأما حق الجار فحفظه غائباً، وكرامته شاهداً، ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصناً حصيناً، وستراً ستيراً، لو بحثت الألسنة عنه لم تتصل إليه لانطوائه عليه.

ولا تستمع عليه من حيث لا يعلم لا تسلمه عنه شديدة، ولا تحسده عند نعمة، تقيل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلماً له، ترد عنه الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله)

ارتباط مكاني

يحثنا الإمام السجاد (عليه السلام) في هذا الحق المقتبس من رسالة الحقوق على تفهم حقوق الجار علينا, فالارتباط المكاني يفرض جملة من المحددات التي وردت في كثيرًا من الأحاديث والروايات؛ إذ للجار امتيازات خاصة متبادلة مع جاره, ومنها حفظ بيته في غيابه سواء حماية البناء العمراني أو أهل بيته, فالإنسان قد يتعرض لحوادث مختلفة في منزله ولا يجد حينها مسعفًا ومنقذًا سوى جاره بالدرجة الأولى الذي يكون أقرب إليه من الأهل والأصدقاء المقيمين في منطقة أخرى, وهنا نكتشف مدى عمق هذا الارتباط الجغرافي الذي يمنحنا تواصلًا دائمًا في أغلب المناسبات بغضّ النظر عن طبيعتها فيما لو كانت حزينة أو سارّة.

امتداد روحي

نجحت كثيرا من علاقات الجيران بإحرازها بعدًا روحيًا يفوق الارتباط المكاني, وقد نسمع عن حكايات متعددة ومختلفة لجيران تطورت الروابط المشتركة فيما بينهم ليتحدوا مع جيرانهم ليكونوا عائلة واحدة عن طريق المصاهرة, وفي بعض الأحيان حتى كنتيجة طبيعية للعشرة الطويلة, لكن السؤال هنا كيف نجحوا بتحقيق ذلك من دون منغصات تعيق هذه العلاقة الروحية؟

الجواب حتما يكمن في أن يصون الجار جاره, فحفظ الأسرار التي يطلع عليها بحكم القرب, وتلبية احتياجاته عند الحاجة, وغضّ البصر عن حرمة أهل بيته, وتجاوز الأمور السلبية بإيجابية وعدَّها هفوات عابرة قد نتعرض لها دون نوايا سيئة, وعدم إيذائهم بشيء غير مقبول لا نرضاه لأنفسنا, والدفاع عنهم عند تعرضهم لمكروه, ونصيحتهم عند التقصير, والتعامل بمعروف, ومشاركتهم مناسباتهم, والشعور بالمسؤولية تجاههم بحدود المطلوب... وأكثر من هذا لننجح فعلا في كسب جار حقيقي يمكننا الاعتماد عليه والنظر إليه كونه فردًا من العائلة.

الجار العراقي أنموذجا

تحدثنا جداتنا عن قصص الجيران في الماضي التي حين نستمع إليها نستشعر المودة والسعادة التي ربما بدأنا نفتقدها في حياتنا المعاصرة؛ نتيجة تطور الحياة السريع, وانشغال كثير منا عن التواصل الاجتماعي الحقيقي بسبب التواصل الاجتماعي الإلكتروني, وهذه المفارقة فوتت علينا فرص كثيرة في حياتنا كانت تمنحنا اطمئنانًا وتوازنًا... ولكن مازال الفرد العراقي بشكل عام والمؤمن بنهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته النجباء على وجه الخصوص يتحلى بثقافة احترام الجار ولعل ما ورد في نص الحق الوارد آنفا يؤيد ذلك الواقع المعاش, ويأخذ مدى أوسع من حق الجار في الترتيب المكاني للمنازل, بل يتعدى إلى حقوق الدول المجاورة التي يربطنا بها مصير مشترك وكيفية ضمان تلك الحقوق دون التعدي على مصالحها, وحمايتها ومساعدتها في الأزمات, وفي هذا الصدد يُشهد للعراق بأنه من الدول التي تحفظ حقوق الدول الجارة ولا يتحالف ضدها بأي شكل من الأشكال على الرغم من تعرضه لتدخلات وضغوطات مستمرة وما تضيفه ذاكرة الحروب, ولكن مع هذا يحفظ الود ويلتزم بحق الجار في الأحوال كلها.

إيمان كاظم