سارتْ بشغف الاطلاع على المعالم القديمة، عبير التراب كان يكسو تلك المنطقة، خريفها الدائم يضفي عليها لمسة الأصالة ، تلك الأجواء المحببة إليها، وقفت أمام بابٍ خشبي، صريره يحاكي قدمه، بعد ثلاث عتبات، خطتْ تتأمل المكان، كل شيء فيه جميل، السور المنقوش بنقوش رومانية، باحة الكنيسة التي يتوسطها صليب ينتظر من يُصلبَ عليه من جديد، ظلمٌ آخر؛ صفعة جديدة!

اتجهت نحو غرفة العبادة دخلت هناك، حيث الهدوء الذي يعود الى وقار عتيق.. حيث القصص التي رُسمتْ على الجدران تختصر الضياع والإيجاد، تجرُّ عباءتها متجهة نحو ذلك التمثال الذي يمثل قداسة مريم، وقفت متأملة قامة العفة وراحت في شرود عجيب.

صوتٌ ذو بحة يُنبئ عن عمر صاحبه، قطع عليها شرودها:

- زائرةٌ أم عابدة؟

- لنقل باحثة متأملة أقرب للمعنى.

- عما تبحثين ؟

- عن صوتٍ قديم...!

- أيُّ صوتٍ ذاك؟

- صوت الحياة

- كثيرٌ من الصراخ عالق في ذهن الكنسية، الصوت الأول تردده بين فيئة وأخرى، وصوت آخر أرهق صمتها، تكاد لا تتكلم إلا به.

- ما نوع ذلك الصوت؟

- آه من هذا السؤال، سؤال ممتلئ بالحرية، بالخذلان، بالوجع، صوت نسته مساجدكم لتذكره الكنسية!

- كلا الصوتين أكاد لا أسمعهما إلا شفاها!

- نحن انصتنا لصوتنا فهل انصتم لما أمرتم به؟

- قد نقف الآن ونعطي شواهد عِبر الزمن تبرهن إننا نُردد الصوت وبجدارة على مر الزمان، لكننا لم نرَ من يطبق ما وراءه (صداه) إلا القليل ونحن لسنا من هذه الفئة!

يقترب من تمثال القديسة ليوقد شمعة ويقول:

- نحن في كل يوم نضيء الشموع، فكيف ترميني بتهمة أنتِ فاعلتها؟

لتجيبه بعد أن تجلس على إحدى المقاعد بصوتٍ أقرب إلى الهمس:

- لأننا لم نكن مرآة تعكس ذلك الصوت، بل وعاء مظلما احتواه لنفسه فقط.

 قامتْ ترنو المخرج مرددة بهمس:

لا زال  الغرور يحكم العالم.

امسكت الباب ملتفتة له بابتسامة قائلة

نحن نثمن تلك اللحظة التي احتويتم بها الصوت أو لنكشف السر؛ الرأس، الذي يخبرنا أنكم أقرب مودة.

لم يخاطبها حينما خرج من مكانه ، كانت تراقبه وهو يبتعد في الزقاق العميق، سرح خيالها وهي تنظر اليه من الخلف حتى خالته جسداً يحمل في المنفى صليبه.

ضمياء العوادي