مات عبد الله بعد شهر من مكوثه بين بني النجار, وكان عمره حينها خمسة وعشرون عاماً، ودُفن في دار النابغة، وهي لأحد رجال بني عدي بن النجار.

كانت آمنة ترتقب رجوع زوجها لتبشّره بالمولود المبارك الذي ملأ الدنيا عليها سعادة وفرحاً, فقد ولدت محمداً (ص) قبل شهرين, وبينما هي تترقب أخبار القافلة التي فيها زوجها فإذا بها تسمع خبراً نزل عليها كالصاعقة! لقد سمعت بخبر موت عبد الله فبكت بكاءً مراً على زوجها الشاب وهاجت بآمنة العبرة لهذا الفقد المفجع فانتحبت ورثت زوجها:

عفا جانبُ البطحاءِ من آلِ هاشمٍ   *   و جاورَ لحــــداً خارجاً في الغماغمِ

دعته المنـــــــــايا دعوةً فأجابها   *   وما تركتْ في الناسِ مثل ابنِ هاشمِ

عشية راحــــوا يحملونَ سريرَه   *   تعــــــــــــاورُه أصحابُه في التزاحمِ

فإن تكُ غــــالته المنونُ وريبُها   *   فقد كـــــــــــان معطاءً كثيرَ التراحمِ

واحتضنت آمنة وليدها وامتزجت دموعها مع دموعه, ونظرت في وجهه البريء فرأته يشع نوراً, فخفف وجوده من ألم المصاب, لقد توفي عبد الله بعيداً عن مكة, وكانت زوجته آمنة بنت وهب قد وضعت مولودها المبارك محمداً (ص) قبل شهرين من موته, مات عبد الله دون أن يرى ابنه نور الله في الأرض.

آباء النبي كلهم موحدون

مات عبد الله والد النبي (ص) وهو موحّد لله وعلى دين جده إبراهيم الخليل (ع) كما مات على ذلك أبوه عبد المطلب وكل أجداد النبي (ص) وكانت أمنة أيضاً موحّدة لله تعالى, كما جاء في الحديث الشريف: لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني في عالمكم، ولم يدنسني بدنس الجاهلية. (1)

وقد جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:

نزل جبرئيل (ع) على النبي (ص) فقال: يا محمد، إن ربك يُقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك, فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. (2)

كما جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:

هبط جبرئيل على رسول الله (ص) فقال: يا محمد، إن الله عز وجل قد شفعك في خمسة: في بطن حملك وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وفي صلب أنزلك وهو عبد الله بن عبد المطلب، وفي حجر كفلك، وهو عبد المطلب بن هاشم، وفي بيت آواك, وهو عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب، وفي أخ كان لك في الجاهلية. (3)

وكما مات عبد الله خارج مكة, فقد ماتت آمنة بنت وهب أيضاً خارج مكة, فعندما بلغ النبي سبع سنوات, اصطحبته (ص) آمنة لزيارة أخوال أبيه بني النجار، وزيارة قبر زوجها عبد الله ومعهم خادمتها أم أيمن, وأثناء رجوعها إلى مكة فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها بالأبواء، فرجعت أم أيمن بالنبي (ص) إلى مكة فتكفله جده عبد المطلب ثم ابنه أبو طالب.

محمد طاهر الصفار

......................................................................................................

1 ــ الطوسي ــ مجمع البيان ج 4 ص 322 / المجلسي ــ بحار الأنوار ج 15 ص 117 و 118 / تفسير الرازي ج 24 ص 174 / السيوطي ــ الدر المنثور ج 5 ص 98 وغيرها من مصادر الفريقين.  

2 ــ الفتال النيسابوري ــ روضة الواعظين ص 121 / السيوطي ــ التعظيم والمنة ص 25 

3 ــ شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 3 ص 311