الحلقة الثامنة

عاشت السيدة نرجس محنة أهل البيت وعايشتها في مواجهة عداء العباسيين لهم واضطهادهم والتضييق عليهم فنالت نصيبها من جور وظلم السلطة العباسية المستبدة.

ففي ذلك الوقت استفحل العداء بعد أن عزم بنو العباس على محو الإمامة بقتل أي مولود يولد للإمام العسكري, فكثفت السلطة من المراقبة الصارمة والتضييق على بيت الإمام ورصد كل حركة, ودسّت الجواسيس وبعث المعتمد العباسي من يكشف عن دار الإمام, وكانت نرجس حاملا بالإمام المهدي (ع) فأخفى الله حملها ولم يظهر عليها أي مظهر من مظاهر الحمل ورغم ذلك فقد اعتقلت ووضعت تحت المراقبة الشديدة فواجهت ممارسات العباسيين بشجاعة وصلابة ويقين حتى ولدت الإمام

منزلتها الشريفة

حظيت السيدة نرجس (ع) بمنزلة سامية ومرتبة عالية عند الله عز وجل، وأهل البيت وقد ورد في زيارتها صفات ونعوت تجعلها في مقام الصديقات فوردت كلمات مثل:

صديقة وطاهرة، وتقية ونقية، ورضية ومرضية، ووالدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلاّم، والحاملة لأشرف الأنام.

ووردت أيضا هذه الفقرات:

أشهد أنّك أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وصبرت في ذات الله، وحفظت سرّ الله، وحملت وليّ الله وبالغت في حفظ حجّة الله، ورغبت في وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقّهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم 

كما ورد أيضا في زيارتها نعتها في الإنجيل وخطبتها من سيد الأنبياء والمرسلين كما جاء في هذه الفقرات:

السلام عليك أيّتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمّد سيّد المرسلين، والمستودعة أسرار ربّ العالمين... السلام عليك وعلى آبائك الحواريين....

كما وردت فقرات أخرى دلت على منزلتها العظيمة عند الله وشفاعتها لمن توسل بها عنده وما أحلها الله به من الشرف والجلالة في الدنيا والآخرة: 

وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدية بالصالحين، راضية مرضية، تقية نقية، زكية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، فلقد أولاك من الخيرات ما أولاك، وأعطاك من الشرف ما به أغناك، فهنّاك الله بما منحك من الكرامة وأمراك.

وفاتها

لقد نذرت هذه المرأة الطاهرة نفسها لله والإسلام والرسول (ص) وأهل بيته وتخلت عن حياة القصور وملذات الدنيا في سبيل الله فآثرت حياة الخلد على الحياة الفانية فكانت مثالاً يُحتذى به في الحكمة والفضيلة والدين والصدق والإخلاص فجسّدت أروع مثال للمرأة المؤمنة..

وتشهد نرجس وفاة زوجها الإمام الحسن العسكري مسموما من قبل المعتمد العباسي عام (260هـ) فيدب بقلبها الحزن العظيم والأسى الشديد, فقد فقدت السند في محنتها والملاذ الذي تلجأ إليه عند الشدائد ولا يكتفي المعتمد بقتل الإمام فقد استدعى نرجس وأمرها بتسليم الإمام وشدد في طلبه ونقلها إلى داره وأحاطها بمجموعة من الجواري والنساء لمراقبتها ومعرفة أنها حامل أم لا غير أن الله أنجاها فقد اضطربت الأوضاع السياسية في الدولة فجعلتهم ينسون أمرها وخلصها الله من شرهم فلجأت إلى دار (الحسن بن جعفر النوبختي) وهو رجل من ثقات الشيعة, حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها في عهد المقتدر العباسي.

محمد طاهر الصفار