حينما ذكر امير المؤمنين (عليه السلام) قوله لمالك الأشتر في كتاب نهج البلاغة (إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فقد اعطى إشارة قوية جدا حول مدى الارتباط الذي يمنحه الدين للناس, وكلمة (أخ) كانت مصداقا لهذه الإشارة بحكم طبيعة هذه العلاقة وما تشتمل عليه من أبعاد مصيرية, وما ترمز له من لحمة وتماسك فضلا عن كم العاطفة التي تتدفق من أصل هذه العلاقة.

 

نص حق الأخ وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام):

(وأما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه, وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله. ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد لربه، وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك، وأكرم عليك منه).

 

صلة لا تنقطع

يرتبط الناس ببعضهم بجملة من العلاقات المتباينة في قوة تماسكها وطبيعتها وذلك لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحتاج للآخرين؛ كي يتعايش مع مختلف الظروف, كعلاقاتنا مع الأصدقاء والزملاء والجيران, وتحتاج هذه العلاقات إلى روابط قوية للحفاظ على ديمومتها واستقرارها, فمهما بلغت من التلاحم تظل مجهولة المصير لأن الرابط يكون السلوك والموقف وهما متغيران, أما علاقاتنا التي توحدنا برابطة الدم وهو أمر ثابت فهي قطعا لا تحتاج إلى ما تحتاجه الارتباطات الأخرى فهي علاقة فطرية تمنحنا كثيرا من الاستقرار المعنوي؛ كونها تمنحنا القدرة على الشعور بالأمان, فمصير الأخوة مرتبط إلى الحد الذي يجعلهم يستندوا على بعضهم دون الخشية من تبعات الخوف من المحذور والوقوع في فخ الأنانية والمصالح الذاتية إلا ما ندر في بعض التجارب الأخوية والتي غالبا ما يعود فشلها لأسباب تربوية واجتماعية, هنا قد تنشأ بعض الاختلافات وتفقد العلاقة صبغتها الفطرية التي ترجح دائما مبدأ التماسك وتعزز دور العاطفة الإيجابية التي تحث الأخ على التقدير, والحفاظ على أخيه من أي مشاعر سلبية قد تنشأ تبعا لبعض المواقف.

وشيجة متعددة المزايا

نقرأ ونسمع عن كثيرٍ من تجارب بعض الأشخاص مع أخوتهم, ومنهم من يشير حين الحديث عن علاقته بأخيه بأنه لا يمثل له دورا واحدا في حياته بل تمتد مساحة علاقتهم لتتميز بطابع الصداقة, وفي بعض التجارب التي يكون الفارق العمري بين الأخوة كبير نسبيا تأخذ طابع أسمى وأرقى ألا وهو (الأبوة والأمومة), وربما هنا قد يجرفنا الحديث إلى توظيف تجاربنا الشخصية في تحديد مشاعرنا الفعلية تجاه أخوتنا من دون إدراك حقيقي لهذا التوظيف, ولكن التجربة دائما تكون المصداق الأقرب والأعمق في أي عملية كتابية, أو على الأقل ثمة ضرورة مهمة أخرى وهي التفاعل والتناغم مع ما نكتب, ولأن الأدب هو مرآة الإنسان بانعكاس الكلمة فنجد أن الأخوّة أخذت حيزا كافيا في نتاج الأدباء والمفكرين كونها علاقة متعددة المزايا, وفي صدد الأقوال المأثورة والحكم الشعبية فقد أكسبت هذه العلاقة ملامح أنيقة, وبالعودة إلى أهم منظومة فكرية ونفسية تمنح الأنسان البعد التكاملي في مسيرته الدنيوية (القرآن الكريم) فقد وردت كثيرا من الآيات التي بينت عمق هذه المفردة -الأخوّة- وشبهت بجملة من الإشارات المباشرة لتعزيز الارتباط بين المؤمنين باستخدامها, فقد أعطت الآية الكريمة (إنما المؤمنون أخوة) دلالة واضحة عن أهمية الصفات الأخوية ومزاياها الغنية وضرورة توفرها في العبد المؤمن أثناء تعامله مع الآخر.

أخوّة ومؤاخاة

لم يترك الإمام السجاد (عليه السلام) حقا يعين الإنسان على اداء دوره الرسالي دون أن يمنحه تأثيره وتميزه الوافر خلال كتابته لرسالة الحقوق, وفيما يخص حق الأخ فأن وقتنا المعاصر يتطلب إعادة النظر والتمعن في مجمل الحقوق, لكن حق الأخ ربما يشغل مساحة كبيرة لأنه لا يقتصر على نطاق الأخوّة الفعلية, فنجاح علاقتنا مع أخوتنا له انعكاسات ايجابية على قدرتنا على ممارسة السلوكيات ذاتها مع الآخرين بدواعي أخوّتنا في الدين, وربما من اعظم المصاديق هو ما قام به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أثناء مؤاخاة المهاجرين والأنصار ليبرز البعد الحقيقي للتمازج العاطفي والأخلاقي بين الأخوة.

إيمان الحجيمي