الحلقة السادسة

ندور في حواراتنا مع النفس في دائرة تتسع كل لحظة, نحاول جاهدين أن نكبح جماح سيطرتها علينا, ننجح تارة ونفشل في أخرى ونحن نتواجه في مضمار صرع الرغبات, والغاية هي تسييرها بل وترويضها حينما تحثنا على التصرف بما يتلائم واهواءها, وسلاحنا في مجاهدتها هو العقل الواعي, وتدبرنا قبل وبعد كل تصرف لدراسة أبعاده.

تجد نفسي أحيانا الفرصة السانحة لإيقاعي في المحذور السلوكي لاسيما حينما أكون وسط حيرتي عند تداخل بعض المفاهيم الأخلاقية؛ مما يعرقل سيري بغية تحصيل فضائل الصفات فترجع بي إلى الخلف.

هذه المرة وجَدتْ تداخلا معقدا بين التواضع والذلة فحاولت ان تجعله طعما لكي تصيبني إصابة بليغة تحول بيني وبين الاستمرار بمواجهتها, فحدثتني بكل دهاء ومكر أثناء خروجي وعندما  التقيت بشخصين لي بهما معرفه, ولقائي كان بهما تباعا:

الأول ليس من ذوي المال والجاه وغير متعالي, والآخر من ذوي المال والمكانة الاجتماعية وله نظرة فوقية ومعروف إنه متعالي بتعامله مع الآخرين, فرحبتُ بالأول بشكل طبيعي وكعادتي بحفاوة عالية وأكملت مسيري  وقبل أن أرحب بالآخر بدأ حديثها إذ قالت لي:

انت متواضع وترحيبك بذاك الشخص الأول خير دليل, فها أنت مقبل على صاحب المال والجاه فرحب به ذات الترحيب الأول بل أكثر منه كي لا يصيبك شيئا من التعالي!

حقيقة لم أستطع ردها ومررتْ عليَّ ما رامت تمريره؛ لأني لا أمتلك الجواب الكافي لها وبالرغم من تسليمي في السلوك, لكني لم أطمأن لكلامها فبدأت ابحث لفترة من الزمن, وطوال فترة البحث كنت مضطرا للسلوك ذاته بالرغم لعدم ركوني له وجدانيا وأشعره مخالفا للفطرة حتى  تمكنت من التوصل لنتيجة مغايرة لرؤية نفسي  وموافقة للفطرة, وكفيلة بحل التداخل بين التواضع والذلة فرجعت لها وحدثتها  قائلا:

اما بالنسبة لترحيبي بالشخص الاول هو التواضع بعينه؛ كونه متواضع وتواضعي له ليس لمال ولا لجاه عنده فبذلك لم أخرج عن جادة السلوك السليم ..

وأما الآخر المتعالي فترحيبي به كان خرق للصواب لأنه غير متواضع  ويجعلني في ذلة مذمومة؛ لأنه ينظر لكل من قابله بنظرة فوقية والنتيجة تصبح إذلال لنفسي وترسيخ لتعاليه وبذلك سلكت السلوك غير الصحيح وعليه لابد أن أرفض حديثك لي وتمردي عليك هو الصواب.

لم تجب كعادتها حين تصمت أمام الدليل المحكم, وبالرغم من اجتيازي لهذا الجنوح السلوكي لابد من توخي الحذر في ما تعرضه علي من إشكالات خفية لا يمكن صدها إلا بالوعي والتدبر.

أحمد الزبيدي