حينما وطأت قدماي أرض  الوطن - الوطن الجديد - ارض الأحلام كانت سعادتي مُزجاة بغصات من الألم على بلدي المغدور، ابناء بلدي الذين طالتهم أيادي الغدر

وصرت أردد في قلبي "الحمد لله على ما مرّ بنا من مصاب"

انتقلتٌ الى بلاد غريبة أنا وزوجي وبناتي الثلاث والأمل يشاطرني الخطوات

كانت شقتنا جميلة تحيط بها الطبيعة من كل جانب, في مدينة صغيرة تدعى (اربرو), تمكنتٌ انا وزوجي بالالتحاق إلى مدارس لتعلم اللغة السويدية

والتحقن بناتي الى مدارسهن بحسب أعمارهن, فكان  الامان وجمال الطبيعة يلتف من حولي, ألا انني كنت خائفة من عاصفة هوجاء قد  تداهمني......

أبنتي (مروة)  في الثالثة عشر من عمرها.. كما الزهرة المتفتحة تضج وجنتيها باحمرار يخالطه سمرة عربية, يلف وجهها حجاب مزركش, لن أنسى ذلك الصباح حينما لوحت بيديها مودَّعة ايايَّ؛ لتبدأ يومها الدراسي.

عدتُ لأكمل أعمالي المنزلية وأنا أفكر فيها, كيف ستندمج مع مجتمع مختلف؟

هل كنت صائبة حينما أخترت الغربة كخيار صعب بديلا عن الخوف في بلدي!

وفي زحمة تساؤلاتي.....

رنَّ هاتفي.. واذا بنبرات مرتجفة تكلمني

  • - من ؟
  • - انا معلمة (مروة) نرجو قدومكِ الى المدرسة.

خرجت مسرعة دلفتُ لحجرة المديرة رمقتني بنظرة حيرة مبهمة زادت من توجسي وقلقي.. اشحتُ بوجهي للأريكة المجاورة وجدتها منزويةً بركنها ترتعش  كعصفور بلله المطر ...

احتضنتها بكلتا يداي 

  • - ما الذي حصل؟!!! لِمَ حجابك ممزق هكذا؟!

أجابتني بصوت متقطع ..

  • - لا أعرف !

فهمت من دموع (مروتي) إننا في مجتمع ينبذ الحجاب ويعده تطرف, وفهمت أيضا إن أبنتي ستواجه صعوبات أكثر مني بكثير كونها لن تدرك وهي بهذا العمر اختلاف الأديان, ولن تفقه لغة العنصرية.

لم انمْ تلك الليلة

ضج عقلي.. ماذا أفعل؟

أ أبقى.. ويكون الثمن ( خلع الحجاب)؟

كيف أطلب منها التخلي عن حجابها!

تاج عفتها.. بل تكليفها الشرعي الذي من دونه تؤثم.

 أ أعود إلى بلدي ؟

بلد مغدور ...قتل هنا وهناك!

واستمرت الافكار تدق وتدق في رأسي حتى تسللت خيوط الشمس نافذة غرفتي

لم ينمْ مَنْ في البيت جميعهم تلك الليلة

دقت الساعة السابعة موعد مغادرة ( مروة) إلى المدرسة

فأوجستْ في نفسي خيفة, دلفتُ الى غرفتها لأخبرها ان تمكث بعض أيام لكنني فوجئت بها متأنقة بزيها المدرسي الذي حاولت أن تلبسه بالطريقة المحتشمة التي أتفقنا عليها أنا وهي, تقف أمام المرآة لتثبيت وترتيب تاج عفافها وابتسامة الفخر تكاد تبرز من عينيها.

سألتها...

  • - إلى أين؟
  • - إلى المدرسة....

نظراتها كانت قوية, واثقة وتوجهت الى باب غرفتها

وادارتْ وجهها وقالت لي

  - يكفيني فخرا.. ان أكون على دين محمد وأن أقتدي بأهل بيته عليه وعليهم السلام

لن اخضع.. ولن اتخاذل

سأقتدي.. بالسيدة سكينة ورقية

وسأقنع بلد الحريات بحجابي.

فاطمة صالح