لم تغب عني بعد ملامح تلك النظرات الخائفة التي كانت تبحث في عيني عن رد يمنحها الأمان.. كانت تحاول أن تجد تفسيرا لما يجري.

حيرة أبنتي وخوفها في ذلك اليوم لن يغيب عن مخيلتي ولكني كنت عاجزة عن طمأنتها فلم أكن أفضل من حالها بكثير؛ كوني اختبرت الحرب وأدرك بشاعتها, ووحشية أحداثها, وما تفرزه من دمار وإبادة, ومع هذا كنت مرغمة على التماسك أمام الجميع وتبديد مخاوفهم صغارا وكبارا ليس لأني قوية ذاتيا بل لأني أملك قوة مكتسبة من إيماني بأن ثمة مدبر هو وحده القادر على رد الظلم, وفعلا لم يتأخر الرد وجاء سريعا في يوم الجمعة بعد آذان الظهر انبثق من النجف وتردد في أرجاء كربلاء وكأن التاريخ أبى إلا أن يعيد لنا مشاهد الطبرة والنحر وكيف انتصرا على كل مظاهر الزيف والحقد الدفين منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا.
الفتوى الخالدة التي طببت بها المرجعية جروح الثكالى النازفة على 1700 شاب مغدور بل وأكثر من هذا الرقم المفجع لترفع شراع الثأر وتبحر في عرض الانتصارات رغم أمواج احتلالهم الجبان لأراضي كثيرة في المناطق الشمالية والغربية من العراق والتي كان لها صدى في نفوس الغيارى الذين شرعوا يجهزون حقائب السفر إلى الخلود ومتاعهم اليقين بالنصر أو الشهادة.
على مدار أكثر من ثلاث سنوات والعراق يواجه مصيرا حتميا مع زمر التكفير الجبانة التي جندت ضعاف النفوس من مختلف الجنسيات لتوهمهم بشرعية الجرائم التي يرتكبونها في حق الابرياء بأنها جواز المرور إلى الجنة, ولكن للحق بينة ودلائل لا يحجب اشراقه غربال عقولهم المهووسة بسفك الدماء والإبادة, لذلك وبعد تصاعد الأحداث بدأت تنجلي غبرة رياحهم الصفراء بل السوداء التي خنقت الحريات وانتهكت وشتت وأحرقت وارتكبت ابشع الجرائم التي تدينها منظمات حقوق الإنسان والتي استنكرتها قوانين الحرب ذاتها؛ لفداحة ما قاموا به من أساليب قذرة ليس في القتل وحسب بل بالتمثيل بجثث الشهداء بعد التنكيل بهم بشتى أنواع التعذيب المبتكر في قواميسهم الوحشية.
لم يكن النصر حلما عصيا على التأويل على أرض الواقع كون تاريخنا حافل بالانتصارات ولا سيما أعظم انتصار شهده التاريخ وهو انتصار الموت على الحياة .. الدم على السيف .. الصلاة على الرياء.....
في اللحظة التي أدرك فيها الإمام الحسين عليه السلام الشهادة؛ (كونه سعى إلى الموت ولم يسع إليه الموت) ثبت عقيدة رسخت في نفوس البشر على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم, عقيدة لا يمكن زعزعتها أو تأجيلها أو التهاون بها, لذلك فقد راهنا على النصر دون أدنى نسبة بالخسارة فللحرب رجالها .. وعدوّنا ليس فيه من الرجولة شيء!
وها نحن اليوم نزف بشائر النصر للعالم قبل أن نحتفل بأنفسنا لنعكس قيمة المبدأ وعمق العقيدة والثقة بمنهج الإمام الحسين عليه السلام الذي من يتمسك به لن يهلك ولن يظل أبدا.
فمبارك لكل أم قدمت ولدها شهيدا قربانا للنصر.. ولكل زوجة صابرة .. ولكل بنت مؤمنة بدور أبيها المشرف.

مبارك لتلك الوجوه التي تملكها الحزن بسبب الفقد والتي تبسمت حين  سماعها بشرى النصر بلسان الحال (الملتقى عند الحسين).

 


إيمان الحجيمي