تحت لهيب الشمس تسير قلوب توضأت بزمزم الرحمة الإلهية بعد ان أتم ذلك الحشد مناسك حج بيت الله؛ ليرجعوا إلى الديار وهم يقطعون الصحاري برمالها الحارقة, تتقدمهم وجوه مشرقة بنور الخالق, ومشعة بالهداية والإيمان, تخاتل توهج شمس النهار لتسطع صبحا يحجب عتمة الظلام ويدحض بنوره السرمدي ظلم النفوس المشوبة بالغفلة. في تلك الساعات قضوا حجاج بيت الله الحرام مناسكهم وعادوا محملين بغنائم القبول والرضا يترأس قافلتهم سيد الكمال ونور رب العرش والجلال الأمجد الأحمد أبو القاسم محمد (صلى الله عليه واله) وقد اصطحب نفسه ووزيره وسره وخليله ووصيفه ووليه علي أمير الوجود وسر النبي المحمود (عليه السلام ). ثم يأمر الحجيج بالوقوف فجأة ليلقي عليهم بلاغ الله تبارك اسمه, فخشعت الأسماع, وتنبهت الأعين, وأنصتت العقول.  

- ما الخطب؟

- محمد يأمر الحجيج بالتوقف لأمر عظيم

- وما هو ؟

- يقال أن الأعمال تتوقف عليه وأن الرسالة لن تكتمل اذا لم يُبلغ به الخاتم

- اذا اقترن قبول حجتنا به لنرسل خبرا للقوافل المتأخرة ونأمر من سبقنا بالرجوع فرسول الله قد أمر

- اذن تعال لنستظل من حرارة الشمس يا صديقي ونسمع الخطب العظيم

فأستعد ذلك الحشد لسماع كلمات حامل الرسالة ولسان الله الناطق بالحق وتهيئوا بأن صنعوا له منبرا فخطب خطبة يقال أن الإبل اسكنت اجراسها لعِظمِها. ثم نادى بصوت لا يزال مدويا إذ تردد صداه في مسامع السماء لشدته. فثقل الرسالة وتحمل مشاق إيصالها للبشرية مرهونا به. رافعا كف نفسه عليا عاليا ليبلغ أمانة الله ((إلا من كنت مولاه فعليا مولاه)) وكفا بها من رساله أصبحت طريقا لقبول أعمال العباد في الدنيا وسر نجاتهم في الآخرة.

 

حنان ناظم الخفاجي