توالت على العراق المحن والحروب منذ فجر التاريخ ، وشهدت أرضه الكثير من المعارك التي احتفظت بها ذاكرة الوطن لتؤرشف للأجيال تاريخه الخالد.

ولا عجب أن يكون العراق مستهدفاً فهو مهد الحضارات والأنبياء واحتضن أطهر الأجساد التي لم تنحنِ لغير الله فتوشّحت برداء النصر والعقيدة المضمخ بدماء الشهادة وشموخ الموقف.

مخاض وطن..

عانى الشعب العراقي من ويلات الحكم البائد الذي جثم على صدور العراقيين واتخذ من كل صنوف القمع والتعذيب والإبادة هوية لحكمه الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود تمخضت عن زرع خلايا خبيثة في جسد العراق ديدنها الإرهاب والتطرف ، حيث بدأت هذه الخلايا ببث سمومها في عموم العراق برفع شعارات مزيفة باسم الإسلام وهي أبعد ما تكون عنه وعن جميع القيم الإنسانية.

وفي هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق وفي الوقت الذي هب الشرفاء منه للتصدي لهذه الزمرة الضالة ارتفعت بعض الأصوات المغرضة متهمة المرجعية الرشيدة بعدم اتخاذها موقفا حاسما تجاه الأوضاع السياسية والأمنية.

لقد أخرست المرجعية تلك الأصوات الناشزة وعملت أفضل ما يمكن عمله وتصرفت في هذا الوضع المضطرب على تهدئة الأوضاع والحفاظ على وحدة العراق والمسلمين وحقن الدماء واحترام وحفظ حقوق الأقليات.

ولادة الفتوى..

في الرابع عشر من شهر شعبان 1435 ه والموافق 13 حزيران 2014 م ومن الصحن الحسيني الشريف وفي خطبة صلاة الجمعة أعلن ممثل المرجعية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي فتوى الجهاد الكفائي إستناداً لأوامرها فكان انبثاق هذه الفتوى في هذا التوقيت بالذات متزامنا مع ذكرى ولادة الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف عقب أحداث سقوط الموصل وتجرؤ الزمرة الضالة الكافرة على هتك حرمة أرض الوطن والمقدسات فكان هذا الإعلان بمثابة البشرى لعيد جديد هو مولد الوطن.

 

اندلعت شرارة الحشد الشعبي المقدس من تلك الفتوى فأخذ رجاله الأبطال على عاتقهم منذ تلك اللحظة استعادة أرض العراق والحفاظ على سيادته ومقدساته وحماية أمنه ، فأثبتت المرجعية الحكيمة بهذه الفتوى العظيمة حكمتها وشجاعتها المستمدة من قيم وأهداف أهل البيت عليهم السلام مستلهمة من سيد الإباء أبي عبد الله الحسين عليه السلام نهجه في مقارعة الطغاة والباطل فحفظت المرجعية بهذه الفتوى دماء العراقيين وحرماتهم ومقدساتهم وكرامتهم

 

اقتران الإنبثاق بالولادة...

منتصف شعبان يحتفل الموالون بذكرى ولادة بقية الله في أرضه الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ويجددوا العهد له بقلوبهم ويوثقوا أملهم بانتظار طلعته البهية ، وها هي تزف ساعة ولادة النور مقترنة بولادة أخرى هي ولادة وطن على يد أبناء الحشد الشعبي المقدس الذين أثبتوا بجدارة خلال الثلاث سنوات التي انقضت من الجهاد على ولائهم المطلق لوطنهم وعقيدتهم وقضيتهم العادلة وامتثالهم التام لنداء المرجعية العليا ، وها هو العراق يشهد منعطفا تاريخيا كبيرا ويضيف موقفا مشرقا ومشرّفا إلى تاريخه سيبقى أنشودة الأجيال القادمة ومصدر فخر واعتزاز

 

لقد رسم المقاتل العراقي في صفوف الحشد الشعبي المقدس الأمل في عيون أبناء العراق وأضاء لهم طريق المستقبل الذي يكفل لأبنائه الأمن والحرية والكرامة ، ولا يسعنا ونحن نمر على الذكرى العظيمة إلا أن ننحني إجلالا لهؤلاء الأبطال الذين حققوا الانتصارات العظيمة في ميادين الشرف على زمر الضلال ... هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم يستمدون شجاعتهم من سيد الشهداء ويتخذون من موقفه شعارا لهم وقد لهجت حناجرهم بذكره وهي لا تنفك تردد صوته الذي أرعب الطغاة هيهات من الذلة.

 

إيمان كاظم الحجيمي