هكذا أنا منذ سنوات طويلة ؛ كلما أتعبتني اليقظة دسست نفسي في الفراش ، وحشرت يدي تحت الوسادة ، كي اشعر بدفء يدك ، فيما يلهج لساني بنداء خافت خجول " أبي هل انت موجود ؟ " ، أنا ابنة صالحة ، فلماذا ابتعدت عني ؟

لم تكن ساعات الخوف فقط تلك التي تلجئني أليك ؛ حتى مواقف الحب كانت تفزعني وتوحشني لغيابك .. ها أنا أدق باب جارتي فيستقبلني والدها الشيبة بلهجته الجنوبية المحببة مرحبا بي .

ينطق اسمي مدللا ؛ فتفيض عيني بالدمع ، ليتك كنت مثله تهتم بي ، لذلك ابتعد الى الخارج مؤثرة الوحدة على حنان ليس منك .

تصفح صوري ، في كل صورة كنت أقف بجانب معلمي او مستندة الى جدار ؛ بل لعلك ﻻ تصدق ان لعبتي المفضلة في طريق المدرسة هي ان افتح يدي والمس جدران البيوت وانا أسير ؛ وكأني استمد منها رفقة .. هكذا كبرت يا ابي أتعثر بكل عتبة جديدة وأدس لك في كل مكان رسالة شوق وحيرة تلتف حولي فتسرق مني طفولتي وصباي .

ثمة جرح يغوص بعيدا ؛ كلما تذكرتك ذلك ! لأني الوحيدة ممن اعرفهم لم ترى صورة والدها ؛ لقد دمر الظالمون بيتنا بكل ما فيه يوم أخذوك بعيدا دون خبر ، حتى الصور يا ابي حتى الصور أُحرقت .

على مشارف سنواتي الستة عشر ، وطنت نفسي على الالتزام والخلق .. كنت أتأمل ان تفخر بي يوما ما ، لذلك كتبت بأسمك وصايا ووضعتها داخل خزانتي ، ﻻكبر معها من أجلك .

مرت سنوات عجاف، حتى خطف قلبي خبر مستعجل ، أمي تسرع بنا الى سجن الأحكام الخاصة حيث طمر من حارب البعث المجرم ؛ ثمة خبر انك موجود على قيد الحياة ولعلها فرصة للقائك .. كل الأسلاك الشائكة ومسخ الوجوه لم تزعجني ؛ حتى وقفت على باب غرفة الزائرين ؛ الذي أزعجني بحق اني فقدت النطق ؛ ﻻ اعرف كلاما استقبلك به .

دفعونا للدخول وما ان رأيتك تحتضن افراد عائلتي مستقبلهم بحفاوة ؛ تسمرت في مكاني، أطرقت للأرض ، فأنا شابة يافعة وأنت أب غريب لم أره من قبل ، لعلك صدمت مثلي حين رأيت طفلتك التي تلعب بالدمى امرأة ترفل بحجابها وعباءتها ! ثم انك أحطتني بذراعيك ﻻول مرة هامسا في أذني : "مرحبا ببقيتي الصالحة" .

اعترضت كل عبراتي المنكسرة بلوم حزين ! وكيف عرفت اني نشأت صالحة ؟ فقلت يومها " كنا نجتمع حلقات حلقات نبتهل الى الله ان يربي اوﻻدنا بعد ان أثقلنا حديد الظالمين عن رعايتهم ، غبت عنك ؛ ولكن عين الله لم تغب ؛ وقد استودعتك عنده ، فلما رأيت طلتك عرفت انه تكفل بكم وأن الأمانة قد حفظت " .

لبنى مجيد حسين