آهات وانين ودموع صامتة وذكريات جميلة ...

وما بين فرح وحزن ... راحت تكمل بقية حياتها مع فلذات كبدها بعد رحيل رفيق دربها وركن بيتها .

ذلك الرحيل الذي صير الحزن سلوتها ورفيق دربها .

كثيرة هي محطاتها الصعبة ؛ ومؤلمة هي مواقفها فيها ، لكن ثمة صوت في داخلها كان يهمس لها أن " اصبري " ، فبرغم وحشتها ووجعها ، قررت ان تعيش لتسقي جذاذات الأمل وتستمر في مسيرة حياتها وحياة أطفالها إحياء منها لذكرى رجلا منح نفسه ودمه دفاعا عن الارض والعرض والمقدسات بعد ان لبنى نداء الحق ؛ لينال وسام الشهادة ويشتري أخرته بدنياه منتقلا من حياة الفناء الى حياة البقاء ...

رزقتها الله وإياه بيوسف وعلي ، ولم يتسنى له ان يراهما  كبقية الآباء ؛ يكملون درب تحصيلهم الدراسي ويفتخر بهم أمام الناس، فالشهادة كانت تلاحقه دائما ..

" ولكن ها هي تخطأ مرات ... ولكن لابد لها ان تصيب في مرة " هكذا كان يصرخ في نهاية كل معركة

جرح مرتين ، وكانت شريكته في محل اعتراض عودته الى ساحات القتال على أمل " أبقى لي ولأطفالي " ! ولكن دون جدوى ؛ ففي كل مرة تجده أكثر عزم وإصرار على الذهاب من السابق .

صباح ليس ككل الصباحات ، فقد استيقظت هذه المرة على سماء مُغبَرَةً وثمة قلق يساورها ، وصور الفقد تلاحقها أنى يمتت وجهها ؛ وفي جدال الخواطر والتوقعات ، وإذا بهاتفٍ يرن علها ؛ يخبرها بـ " أن احمد قد زف شهيداً إلى الجنان ، وضرج ارض " بلد " بدمه الزاكي " ...

أنه صوت صديق طفولته وريق دربه الجهادي ؛ يبلغها بأنه يبلغكم السلام ويوصيك خيرا بصغاره .

اختلطت المعاني عليها وتبعثرت حروفها ؛ وكادها شعور ممزوج بالفرح والفخر ... الحزن والألم ، ولم تعي ما حدث ! لكن ثمة من ينادي في خلجاتها " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " .

ولأن تحصيل الشهادة عنوان أقدسي للشهيد ومن يخلفه من اهل بيته ، راحت تحزم حزنها وترزم يأسها سريعاً، لتقف من جديد على أمل ان تبصم في أذهان صغارها ذكرى والدهم وقيم الشهادة التي صيرته رفيقا للأنبياء والصديقين ، فراحت تصنع لهم أرشيف من صور والدهم ليبقى متاحا لهم متى شاءوا .

وها هي أول صور أرشيفه جاء للتو من الفردوس !

وصاياه لها بالصغار ؛ " اعتني بيوسف واصنعيه شهيدا حيا " ... واجعلي من عليا " طبيبا حاذق يداوي جراح رفاق الدرب في معركة لاحقة " وكأنه يعلم بأنه لن يعود ليحتضنهم ثانيةً .

حديثه عن رؤيا سيد الشهداء في حلمه الأخير .

سُرى الجليحاوي