جميل ان تكون مؤمنا بالله، تلمس آثار ذلك هنا في الأرض ، وتعيشه حاضرا ؛ يُمهد لمستقبل سيكون أجمل بلا ريب ، وإلا فما معنى قول السيدة زينب سلام الله عليها : " ما رأيت الا جميلا " !

وبأي عين أبصرت ذلك الجمال في فاجعة عاشوراء ؟

لعلها سمعت والدها حين صاح : " فزت ورب الكعبة " ، غير آبه لسيل الدماء وهي تصب من هامته ، ثم جالس اهل المحن من المؤمنين لتسمع تراتيل الحكمة معزوفة على وجع عظيم ، مما يجعلك تشعر بغرابة التشظي والقلق الذي يعيشه الآخرون الآمنون ممن لم يكن الإيمان محور حياتهم .

لسنا ملائكة بالتأكيد ، بل سنابل تستقيم تارة وتميل اخرى ، ولكنها سلامة القلب وعينه البصيرة وأذنه الواعية ... تلك التي تتلقف هبات الرحمن وتثوب الى رشدها من قريب ...

عرفته مواطنا صالحا ، غيورا على أرضه وعرضه، له حظ من الدين ... لكنه تهافت مع آﻻف الشباب على أبواب الهجرة ، فقد تعب من وجود داعش في العراق، وما هي إلا ايام ، حتى وصل تركيا فنشر على صفحته في الفيس بوك : " عبرت الى بر الأمان ، ومن هناك سأنطلق الى الحياة " !!!  

ووسط تهاني الأصدقاء علقت عليه : " داعش تغزونا وأنت تتركنا ! ماذا بشأن أخواتك ؟ " ...

ليعلق بالنفي ، وانه ﻻ أخوات له ، الا أما عجوز تركها في بيت أخيها !!!

كان يتحدث مستمتعا بحرية الرجل الذي ﻻ حرم له ، ليخشى عليه الهتك ...

سألته : " وبنات عمك ؟ وبنات خالك ؟ " .

فلم يجب هذه المرة ، وتجاهل تعليقي ... فيما استمر يرد على تهاني الأصدقاء بالعبور ...

علقت له للمرة الاخيرة : " والحرة لتوكع شيلتها ...

مرت ايام عدة ، دون إجابة ، حتى كتب من داخل العراق ...

" عبرت الحدود والجبال والأسلاك الشائكة ، لكني لم استطع عبور جملتك " والحرة التوكع شيلتها " ...

قالها بعبرة !!! معتذرا من رجولته وإنسانيته ...

ﻻبد ان عينه أبصرت المشهد ، وأذنه سمعت الاستغاثة ، وقلبه كان مؤمنا بشيء من القيم ، حتى عاد الى العراق ليشغل مكانه بين أبنائه البررة ...

فاجأني قبل ايام حين كتب : " أعيش أجمل ايام عمري على الإطلاق في تسيير قوافل دعم المقاتلين ، واشعر اني تحت ميزاب الرحمة ، ارفل بالسعادة والسكينة التي ﻻ نظير لها على وجه الأرض " ...

قالها والقذائف والعبوات لم تنقضي بعد من حوله ، لكنه استشعر الجمال في الاستجابة والمثول طوعا في ساحات الله ، فأدركت كلمة السيدة الحوراء وأبيها عليهما السلام وكم كانتا على قدر من الحقيقة ﻻ المجاز .

لبنى مجيد حسين