ليتك كنت شهيدا مضى لربه ، قد دفع اخر قسط من الصبر على المكاره ، او مريض تقلب في أّسرة المشفى حتى توفي او شفي ، ولم تكن الموقوف على ذمة الظالمين بلا ظلم او جريرة ، المقيد بسلاسل من حديد ﻻ تكفي لرفع يدك لتشرب الماء ، المعلق طويلا على أعمدة الزنازين حتى شلت يدك وخار متنك ، الموقوف بلا محكمة او قرار ، الممنوع بلا زيارة او أثر ، المغيب عن الزمان والمكان فلا تدري ما الخبر .

 وعدتني والوعد دين ... ورسمت في راحة يدي صورة حمامة ... بأننا سننعم بأمان يوما ما ... ولم تدر ان السنوات والعقود تمضي مسترسلة ﻻ تنتظر احد .

عزائك الوحيد انك تواسي مظلوما لآل محمد طوى السجن عمره في بغداد ... وصبرت واحتسبت ... وألهمت الورع واللطف ، وحاكت روحك نسيم الخلوة بالله ؛ فغدت لطيفة مترفة ... ﻻ ادري ما السر والحديد يكبل المعصم ؟ كيف ترتفع النفوس حرة ؟ وتتكامل الأرواح وهي تتلقى الحكمة ... سجينا في سبيل الله عنوان حاول الأوغاد طمسه بالعار فسموت ، وحاولوا كسر روحك فعلوت ، كتبت على جدار السجن " اللهم إليك فأشهد " ﻻ ادري أاضحك أم ابكي ؟ يوم زرنا الامام الكاظم ودخلنا للزيارة ، كيف إننا رمينا خاتمينا العقيق بلا اتفاق ؟ حيث دهشنا للمصادفة ثم سررنا للموافقة ثم ارتضينا هذا العهد ... بعد ان شرحت لي كل شيء ... صدام من خلفنا والبحر من أمامنا وما منا الا مقتول او مسجون ... اما أنا فارتضيت بذلك الصبر واخترت انت الظفر بزوجتين ؛ حور من الطين وأخرى من العين ، وضحكنا وخطفت الضحكة بعدك لم يكن احد يواسيني غير هذا المولى المظلوم ... كل شبر في صحنه ورواقه مررت عليه ... كل باب من أبوابه طرقته ... كل نذر سمعت به نذرته ... حتى تسرب الخبر انك بخير ، ناج ليس كالناجين ولكنك تتنفس الهواء...  

اخبرني جار لنا خرج من السجن " انك ﻻ تأنس بأحد ... وان كل حديثك آه يا موسى بن جعفر ... كيف نواجه جدك رسول الله "  فعرفتك نعم صدق ، وعرفتك ، فهذه أحاديثك وطريقتك من الحزن التي ﻻ تلبث ان تربطها بأهل العصمة ، لتنطلق بحزن مقدس يضاعف لك به الأجر .

ومضت السنوات ... وعلى أعتاب هذا المعصوم سمعت خبر حريتك ... حيا ما زلت حيا ... من اي طريق اقصد أليك ومن اي وجهة اتجه فيها الى الله شكرا ، بل أين وجه القبلة لست ادري !

 ودخلت مع افراد أسرتي المهنئين ، التوت قدمي في محضرك ، وبكينا على طرفي غرفة متقابلين ، وكأن القيود ما زالت تمنعك النهوض ... بكينا وبكى الحاضرون وتناهى لي صوتك بالاعتذار ... وطلب المغفرة ثم طلب المغفرة ثم طلب المغفرة ثم طلب المغفرة حتى فزعت لأي شيء تطلبها ؟! فأشرت لي بالاقتراب وأنّصت العالم بسمعه لتخبرني " لقد أبى الظالمون الا مصيرا كمصير موسى بن جعفر ... وشهقت فأشرت لي بالسكوت ، وان احبس السر في طامورة روحي حتى نلتقي في القابل من عوالم الخلق ، وهكذا قضى مسموما بعد ثلاثة ايام من إطلاقه من سجون البعث بكأس لبن تجرعه عنوة.. . فسلام على المعذب في قعر السجون وظلم المطامير المظلوم المسموم وعلى من واساه من شيعته الى يوم الدين .

لبنى مجيد حسين