على ذلك الصعيد ، وجب قلبي ؛ المتظاهرون في كل مكان ، الشوارع تبدأ وتنتهي بأسلاك شائكة ؛ يرفعها المارة متى شاؤا ..

وسط التقاطعات ؛ قوات الطوارئ وحفظ النظام ، يتكدسون بشكل غير نظامي ، يتبادلون الحديث والشكوى عن استمرار حالة الإنذار ، فيما يمر الجميع دون الاكتراث بهم ... ﻻفتات وصور وزعامات وشعارات وهتافات بإسم الحشد الشعبي ... ثم ما يلبث ان يجلس البعض للاستراحة وتناول بعض الوجبات من الباعة المتجولين ...

سؤال يلاحق لساني ، بالكاد ابتلعه ، ما الضير لو مشت هذه الملايين سيرا وأخرجت داعش من سنة ؟ ولبقي صباح معنا ولم يستشهد  .

استغفر الله ؛ الضجة التي تدخل غرفة نومي هي ما يزعجني ﻻ غير .

أنا ﻻ علاقة لي بمن يحبون او يكرهون ، ولو خرجت لصرخت بوجههم " اغربوا عن وجهي" ...

أشكو الى الله صباحاتي التي ﻻ تنتهي ، وعدة الوفاة التي أحاطت بي كنفق مظلم ﻻ مخرج له ، ُحرمت حتى من زيارة قبرك ... في حين أني مضطرة لسماع أراء كل من هب ودب يخطط لحياتي ويبدي فيها رأيه ...

سل ليث ! لم يبق جار وﻻ قريب وﻻ بعيد ؛ الا واقتحم تفاصيل حياتنا.. . أربعة اشهر وليث ينظر في وجهي كل ليلة حتى ينام ، وكأني به يخشى ان يفقدني كما فقدك.. .

يقولون انك في النعيم ... ﻻ اشعر انك في نعيم ؛ بل اشعر ان قلبك مضطرب مثلي ؛ وانك ﻻ تعرف ماذا تفعل كي اكف عن البكاء...

سأقولها لك للمرة الإلف " لن ارتاح حتى اصعد للساتر وانظر موضع استشهادك ، وأتأكد ان ﻻ بقايا لك هناك !!! فالذي رأيته محموﻻ في النعش كان بعض جسد ، فأين ذهب الباقي؟

أما من احد يُفهمني ؟

اما من احد يسمعني؟

اما من احد يسكن قلبي؟

تهامس أخوتي ، إيماءات أمي ، كلمات إخوتك على باب غرفتي ، كلها " ﻻ شيء"  .

اقسم أني سأذهب الى الصقلاوية ، وسأصعد الساتر ، وادخل النقطة ، أفتشها شبرا شبرا ...

سأجمع حاجياتك بشرشف عرسي !!!

هل فعل احد فعلتك ؟! شرشف فراشنا تشده على أكياس الرمل في الساتر !  .

ملابسك تغسلها قبل النزول وتتركها هناك !

هل كان الموضع بيتك وبيتنا نزهة شهرية ؟!

رجعت افقد أعصابي ... ليتني ادفن وجهي في الوسادة ﻻستطيع النوم .

هل نحن في الليل أم النهار ؟ يصعب علي فتح عيني ، بعد ان تورمتا كثيرا

ـــ   افتحيها وانظري الساتر .

ـــ   الساتر ... يا الله اعني ... المكان مبعثر بسبب الهاونات..لا استطيع الوقوف قلبي يضطرب .

ـــ   أزحفي إذن .

كنت أحبوا واقلب التراب ﻻ يوجد شيء ، الشرشف ما زال ممزقا بين الأنقاض ، بعض الحبال المربوطة هنا وهناك ، خجلت ان انحني للسجود فرفعت التراب وعفرت به وجهي ، فلابد ان قدميك قد ﻻمست بعضا منه .

الدموع هي الأخرى ، أخذت مني مآخذها ، وجعلت التراب يملئ وجهي وصدري !

همست ... أتوسل به ...

أين أجزاء صباح ؟ أمانة الله ترشدني ...

ـــ   لقد جمع الله كل أجزاءه ، قري عينا ...

فزعت ... فتحت عيني ... وانهال التراب من كفي ، ورأيتك أمامي تحمل ليث نائما على ذراعيك ...

ـــ   ماذا ؟ تريد ان تأخذه مني ... لم افهم ... انت تشير لوجهي مخافة ان يفزع ان رآني ... نعم ، نعم هذه أثار التراب حاولت ان انفضها عني ، مسحت وجهي ، أزلت التراب والدمع ...

أعطني ليث ؟ سأحافظ عليه ﻻ تشغل بالك ، كنت تنظر لي بشك ، وأنا أؤكد لك " صباح لن ابكي امامه ، لن اتركه لوحده ، لن اذهب للساتر ، سأبقى هنا ،  فزعت من إغفاءة صغيرة ، ارتعد جسدي ، ها هو ليث تسلل الى حضني وغفا ، تنفست الصعداء ، ومسحت على وجهه ! وعلى شعره! ، وهمست " اعتذر منك عزيزي ، لقد انشغلت عنك بحزني " .

لبنى مجيد حسين