وقفت دون حراك لدقائق ثقيلة وهي تنتظر ردة فعله على سؤالها (ماذا؟)..

حبست أنفاسها حد الاختناق فزعت من تعديل وقفته..، فكل حواسها كانت موجهة صوب شفتيه تترقب كلمة واحدة.. كلمة ربما تجرّدها من آخر ذرة أمل تمسكت بها.. وأخرى قد تجعلها امرأة قادرة على الحياة وبذر الأمل في رحم الحقيقة بعد حصادها اللاشيء من الخيال، كلمة واحدة يتشكل عليها مصيرها ..

هو لم يقصد التلاعب بعداد صبرها؛ كونه لم يؤدِ من قبل مشهداً تمثيلياً.. رسم ملامح الحزن على وجهه بإمكانية ممثل مبتدئ ليخفي خلفها فرحه الراقص حد الإعياء..

مازالت تمسك مقبض الباب بكل قوتها وهو يجتهد ليطيل تلك الدقائق التي جمعتهما على عتبة الدخول، وقوفها كان يشبه ضابط المطار الذي لا يسمح لأحدٍ بالمرور دون التأكد من سلامة جواز السفر.. نعم تلك الورقة الصغيرة كانت آخر أملٍ لها، بل كانت جواز سفر حقيقي يعيدها إلى وطنها الآمن بعد سنين غربتها في مدن الحرمان والخوف.......

- قل إن كان خيراً أو لا تقل أرجوك

أبتسم رغماً عنه لشدة ارتباكها وفوضى كلماتها ولأنه لمح دمعة زئبقية تحاول الإفلات من عينيها وهو كله يقين إن ما سيقوله لها سيجعل تلك الدمعة تقفز قسراً بعد تدافع دموع الفرح صوبها دون توقف.

هكذا تكون بعض الدقائق في أعمارنا المتضائلة كلما تقدمنا دقيقة عقب دقيقة ...

طويلة

قاسية

غامضة... تخبئ لنا أسراراً قد تغير مجرى حياتنا ولأن ابتسامته أغاثت بعض خلاياها العصبية من الانهيار

- حسنا لن أصبر أكثر هيا أرجوك!

انفجرت كلماته من دوامة ضحكات عجز عن السيطرة عليها:

- نعم .... ستكونين أم ابني يا طفلتي التي لا تكبر

خطفت ورقة التحليل وغابت عن جزعها وهي تستغرق بكلمة كانت مستعدة لدفع حياتها ثمناً قبالة رؤيتها تتوسط نتائج انتظارها المتكدسة كالجثث في ذلك الصندوق المركون في خزانتها منذ إحدى عشر سنة

(positive) أصابتها بدوار الفرح ....

اقترب ليسندها خشية سقوطها وهي تحلق في سماء الأمومة بعد أن صفق الباب في وجه الحزن المغادر!

إيمان الحجيمي