ما يشير له العنوان  قد يبدو للوهلة الأولى إنه ليس منطقيا, فحينما ذكرتُ هذه العبارة ذات مرة وأنا أتحدث عن السبل الناجعة لتنمية المواهب, جوبهت باستغراب مشفوع بانتقاد حول دقة هذه العبارة, ولأني حريصة على أن لا أتبنى أي فكرة غير متحصنة بالدليل لجأت إلى دليل تجربتي في هذا الخصوص لأضع نفسي مثالا حيا لتوضيح معنى العبارة كوني معنية بالدفاع عن أفكاري وكلماتي وإلا لن أتمكن من إثبات الشق الأول من العنوان وهو وجود الموهبة.
لا أختلف مع أحدٍ بأن الموهبة تولد مع الشخص في بواكير حياته وربما يدخل عامل الوراثة كمحرك رئيسي لانطلاق بعض المواهب من الطفولة, وقد تنشأ مواهب أخرى نتيجة لبعض الظروف النفسية والأجتماعية والاقتصادية أي بعوامل التأثر, ولكن حينما نتحدث عن لحظة اكتشاف الموهبة فغالبا ما تكون محض صدفة, قد نلتفت لهذه الصدفة ونتمعن في أمكانيات شخصٍ ما في أتقان جانب فني معين أو حرّفي وحتى فكري, وتميزه إلى الحد الذي يجعله يكرس وقتا لا بأس به لممارسة هذا الأمر وهو في حالة من الهدوء النفسي المقترن بالرضا عن ادائه, بينما في بعض الأحيان لا تحظى الكثير من المواهب بالاهتمام والعناية بها وتحويل صدفة اكتشافها إلى واقع مدروس لصقلها وتعزيزها بالممارسة والمران.
وبالعودة إلى تجربتي الذاتية التي جعلتني أحظى بشرف الموهبة هو صدفة اكتشاف عائلتي لملامح اهتمامي في أكثر من مجال, فما بين حب الرسم والرغبة في الكتابة واهتمامات أخرى لم يتمكنوا من تحديد موهبتي الحقيقية, وبعد فترة طويلة من القطيعة عن ممارسة أي نشاط فني أو فكري باستثناء القراء عدت بصدفة أخرى ذكرتني بشغفي الغافي على الورق والملتحف بالقلم, لأجدني أنتفض لمصافحة موهبتي وأعبر لها عن شدة أسفي كوني لم أعتني بها جيدا, ووعدتها بأني سأنقل تجربتي لكل موهوب يتهاون مع موهبته؛ لأخبره بأن يحترم تلك الصدف العابرة التي تلوح له بحضور الموهبة ويهتم بها جيدا فبعض الصدف لا تتكرر مرة أخرى.

 

إيمان الحجيمي