ملامح الخطر

لم تفكر الأم قبل ذلك اليوم بأن تكون في هذا الموقف الصعب, فما كان يعانيه صغيرها ذو السبعة أعوام من أعراض الخمول, وكثرة النوم, واصفرار الوجه, والتوتر لم تكن أعراض مرض عضوي بل كانت نداءات صامتة يحاول أن يعبر عنها لا وعيه الرافض للانتهاك الجسدي الذي كان يتعرض له من أحد الجيران.

واليوم هذه الأم الواعية وبعد أن أدركت حجم الكارثة قررت أن تلجأ إلى الجهات المعنية لردع الجاني أولا, ولمساعدة أبنها ليتجاوز الأزمة ثانيا والأهم محاولاتها لتوجيه رسالة لكل أم مفادها أن تنتبه للغة الطفل الصامتة وتدرك تعابير جسده في حال تعرضه لأي فعل غير مسموح به.

 

ثقافة الطفل

ينصح أغلب أخصائي علم نفس الطفل بمساعدة ابنائنا على تشكيل ثقافة تتناسب مع أعمارهم تعينهم على تشخيص الاخطاء ولو بصورة سطحية؛ كونهم لا يميزون الافعال والسلوكيات, وهنا يمكن أن نشير لهم على بعض تصرفاتهم غير المقبولة ولكن بطريقة واعية بحيث لا نسمح لمخيلتهم ان تجنح لأمور تؤثر سلبا عليهم؛ بالتعمق أكثر في أبعاد سلوكياتهم التي قد تكون عفوية وغير مقصودة, ونكون بهذا أقحمناهم في دائرة التفكير أكثر في أمور لا تناسب أعمارهم في حين أن هدفنا الوحيد أن لا يدخلوها في سن مبكر, ولا تشغل حيزا من تفكيرهم.

ومن هذه الارشادات أن نبين للطفل بأن جسده شيء خاص به ولا يسمح لأحد أن يلامسه بطريقة ما دون سبب وفي عزلة عن الآخرين, عدا الأم والأب, وتوضيح هذه الفكرة بطرق غير مباشرة كاعتمادنا أسلوب القصة في نقل ما نود إيصاله لهم, ونحاول أن نعزز الجانب الروحي بتعميق صلتهم بالخالق جل وعلا, وترسيخ فكرة أن الحوار هو اسلوب التواصل بين الناس وإن التواصل بالملامسة سلوك مرفوض وندرج ضمن هذا الإرشاد تحديدا عدم استخدام العنف في اللعب والضرب على المناطق الخطرة في الجسم, وإن المصافحة وسيلة جميلة للتعبير عن الود والترحيب بين الاقارب والأصدقاء.

غالبا ما يخلق الأهل فجوة بينهم وبين أطفالهم في الحديث عن موضوع التحرش بتخويفهم وتحذيرهم من أي سؤال يطرحه في هذا الخصوص؛ كونهم يخافون عليهم من تبعات هذا الحديث مع إنهم لا يدركون أهمية أن يحظى الطفل برد على كل تساؤل, وأن لا يخاف من طرح الاسئلة أو الاستفسار كي لا يلجأ لمصدر آخر يستفهم منه فندخل في مشكلة حقيقية وهي بحث الطفل عن أجوبة من مصادر غير موثوقة واحتمالية تعرضه لضرر نفسي أو جسدي جراء ذلك.

 

صور الاعتداء

تشكل مفردة الاعتداء هاجس مخيف لمعظم المجتمعات العربية كونها مجتمعات محافظة متمسكة بالتقاليد والأعراف, والأهم إنها تمتثل لتعاليم الدين الإسلامي الذي ينظم حياة الفرد وفق نظام أخلاقي رصين, فضلا عن إن هذه المفردة لم تكن واسعة الانتشار في الفترات الماضية, ولكن بعد الانفتاح التكنولوجي الهائل على العالم وثقافاته المختلفة بدأ بعض الأشخاص يتأثرون بالأفكار التي تروج للانحلال بداعي التقدم والتحضر, وللأسف يدفع الكثير من الأطفال في كل مكان ضريبة هذا التطور السلبي.

لا يقتصر مفهوم الاعتداء على التحرش الجسدي فثمة صور أخرى ربما لا تقل تأثيرا وضررا على الطفل, منها الاعتداء اللفظي بأن يجبر المعتدي الطفل على سماع مفردات غير اخلاقية بل يطلب منه تكرارها وهذا بالتأكيد يؤدي إلى ضرر نفسي على الطفل؛ كونه لا يدرك معنى هذه الألفاظ وسيرددها دون قصد أو تشكل له هاجس مقلق في حال تم تهديده من قبل المعتدي بعدم تكرارها أمام الآخرين, وأيضا ستخزن في اللاوعي وتفسد البنية النفسية وقد يستمر تأثيرها لفترة طويلة, ومن الصور التي ربما تكون من أخطر أنواع الاعتداء هو الاعتداء المرئي وهو عبارة عن عرض مشاهد مرئية, او استعراض صور, أو حركات مباشرة يقوم بها المعتدي أمام الطفل وطبعا تكون هذه المشاهدات مدعاة للمفسدة والانحلال وهذا يعد جريمة في حق المعتدى عليه؛ لأن من الصعوبة جدا أن نتحكم بذاكرة الطفل التي ستسجل كل هذه الأمور وتعرضها عليه حتى اثناء النوم؛ لذا يعاني مجموعة كبيرة من الاطفال المعتدى عليهم من كوابيس مزعجة ترهق اعصابهم. 

 

الجناية ونص العقوبة

في كل مجتمع ثمة تشريع قانوني يضمن الحقوق للأفراد, وموضوع الاعتداء على القاصر حتما له نص في قانون العقوبات العراقي والذي يمكن توضيحه بأن في الباب التاسع: الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة وفي الفصل الأول من جرائم الاعتداء تنص المادة 393 التي تعدلت بموجب المادة الثالثة من امر سلطة الائتلاف في تعديل قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية, رقم 31 تاريخ 10/09/2003 بعد أن تعدلت الفقرة 1 بموجب المادة 1 من قرار تعديل قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 رقم 91 الصادر بتاريخ 01/01/1985 بأن هناك عقوبة بالحبس تصل إلى الحبس المؤبد في حال تم اغتصاب شخص بغير رضاه, ويعد ظرفا مشددا إذا وقع الفعل على فرد لم يبلغ الثامنة عشر سنة كاملة, وتتراوح أيضا مدة الحبس حسب طبيعة الاعتداء ومدى تأثير ذلك على المجني عليه.

 

غياب الإحصائيات

على الرغم من أن الشرع والقانون يُجرم ظاهرة الاعتداء ويحفظ حقوق الطفل إلا أن الاحصائيات التي تشير إلى نسبة الاطفال المتعرضين لشتى انواع الاعتداء شبه غائبة, وذلك يعود إلى طبيعة الثقافة في مجتمعنا؛ إذ يتحرج الاهل من المطالبة بردع الجاني في حال تيقنوا من جرمه على الطفل, وعدم اللجوء إلى الشرطة المجتمعية والقضاء خوفا مما سيثيره هذا التصرف من تبعات على الطفل مستقبلا وكأنه الجاني وليس المجني عليه, وهذا الأمر حتما سيوسع ظاهرة الاعتداء بغياب العقوبة وهو ما ينبئ بخطر على المجتمع وتقدمه, لا سيما إن هذه الظاهرة تتعقد مع مرور الوقت تبعا لظروف الانفتاح وغياب الرقابة, ومن الضروري أن يدرك الأهل أن أي ممارسة غير اخلاقية تفرض على الطفل تعد جريمة وهتكا لحقوقه التي من الواجب حمايتها وحفظها له ليكون فردا سويا مؤمنا بالعدالة وآمن جسديا ونفسيا.

 

إيمان الحجيمي