المرجعية تؤكد على ضرورة حفظ حق الله واسرار المجالس والاحاديث، محذرة من كشف الاسرار عبر وسائل التواصل

استهل ممثل المرجعية الدينية العليا الخطبة الاولى لصلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف في 11/جمادي الاخرة/ 1438هـ الموافق 10 /3 /2017م استهلها بمقطع من خطبة المتقين لأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي جاء فيها "يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَلَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَلَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَلَا يُضَارُّ بِالْجَارِ وَلَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ ...".

وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان "على الانسان المتقي ان يجهر ويعترف في حال كان هنالك حق مالي او معنوي لاشخاص اخرين حتى وان ترتب على الاعتراف ضرراً مالياً او معنوياً له، مبينا ان المتقي هو الذي يعترف ويعطي الحق الى صاحبه قبل ان يضطره للجوء الى القاضي او يشتكي او يذهب الى شخص ذي وجاهة او رئيس عشيرة او اخر ويأتي بالشهود لكي يثبت حقه وينتزعه".

واضاف " ان مسألة الصلاة والطاعات تعد في مقدمة الامور التي امر الله تعالى بحفظها من خلال اداء الصلاة في اول وقتها والحفاظ على شرائطها وحدودها وادابها واركانها والاخلاص فيها، وعدم تضيعها لان البعض لا يصلي ولايحافظ على ادائها في اول وقتها ولا يراعي حدودها وشرائطها كما ينبغي، مبينا ان الله بشر من يحافظ على صلاته بما ورد في كتابه العزيز (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) في حين ورد بحق من يضيع الصلاة (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)"، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على الصوم باحكامه والحج وبقية العبادات.

واوضح ان " عدم تضييع وحفظ الامانات المالية والاعراض والامور التي يتم استعارتها من الاخرين، مستدركا ان الحفاظ على اعراض الناس وبالخصوص الجار الذي يفترض على الجار الحفاظ على عرض جاره اذا غاب لانه امانة في عنقه".

واكد الشيخ الكربلائي على ضرورة المحافظة على الاسرار وخصوصا العسكرية والامنية والاسرار الوظيفية وعدم البوح بها، فضلا عن المحافظة على الاسرار العائلية، متوجها بخطابه الى الاب والام بعدم البوح بأسرار العائلة وكذلك الابناء بعدم البوح بأسرار عوائلهم امام زملائهم واصدقائهم، معتبرا بروز ظاهرة كشف الاسرار من خلال الحديث بوسائل التواصل الاجتماعي من اشد الاخطار، فضلا عن الحفاظ على اسرار المجالس والاحاديث".

واستدرك الشيخ الكربلائي  " ان على الانسان المؤمن ان يتمعن ويأخذ العبر من قصص الامم الماضية التي ذكرها الله تعالى في القران الكريم، وان لا يكون مروره عليها مرور الكرام بل يضعها في الذاكرة ويستذكرها دائماً وان يحفظها في خزانة ذاكرته حتى اذا احتاج اليها عمل بها".

واستوقف عند قول الامام علي عليه السلام (وَلَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ) مشيرا ان "النهي ورد في قوله تعالى: (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ)، موضحا ان قول الرجل للرجل يا كافر يا فاسق يا فاجر يا منافق ونحو ذلك توجب التباغض والعداوة واثارة الفتن، وقد يضطر الطرف المقابل للرد مما يوجب اشاعة اجواء التلاسن والتقاذف بين الافراد وربما يتعداه الى المؤسسات الاجتماعية والكيانات الاكبر وتظهر الاثار السيئة اكثر اذا نُشر هذا الاسلوب في وسائل الاعلام وقنوات التواصل الاجتماعي، مما يترتب عليه الاعتداء والضرب والجرح وربما حتى القتل اذا كانت تلك الالقاب تمس شخصيات كبيرة ومهمة".

واردف ممثل المرجعية العليا بخصوص ماورد في قوله (عليه السلام) : (وَلَا يُضَارُّ بِالْجَارِ) في ان عدم اذى الجار والشماته بالمصائب التي وردت بعد مسألة التنابز بالالقاب تشير الى رعايتهم للحقوق الاجتماعية واحترام الاخرين في الجوانب كافة، مشيرا ان الحث على رعاية حقوق الجار ورد في القران الكريم واحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وروايات الائمة المعصومين (عليهم السلام) في مواطن عدة " حيث ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل تدرون ما حق الجار؟ ما تدرون مِن حق الجار إلاّ قليلا، ألا لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يأمن جاره بوائقه، واذا استقرضه ان يقرضه، واذا اصابه خير هنّأه، واذا أصابه شرّ عزّاه، ولا يستطيل عليه في البناء يَحجبُ عنه الريح إلا بإذنه، واذا اشتهى فاكهة فَليهدِ له فان لم يَهدِ له فليدخلها سراً ولا يعطي صبيانه منه شيئاً يغايظون صبيانه" كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن آذى جاره حرّم الله عليه ريح الجنة ومأواه جهنم ومَن ضيّع جاره فليس منّا)، وروى عن امير المؤمنين (عليه السلام) : (الله الله في جيرانكم فانهمُّ وصيةُ نبيكم ما زال يوصيني بهم حتى ظّننا أنّه سَيُورّثُهُم)".

وحذر الشيخ الكربلائي من الشماته مستشهدا بقول الامام علي (وَلَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ) مشيرا " ان المصائب النازلة انما هي بقضاء الله تعالى وقدره، فالشماتة عليها شماتة على الله تعالى ومن اصابته مصيبة فهو كالانسان المجروح المحتاج الى من يخفف عنه ويطيب جرحه، وما فيه من الحزن والالم يكفيه ويحتاج الى من يسليه ويخفف عنه حزنه ومصابه وليس من سجايا المؤمن ان يتسلى ويشمت بمصيبة غيره فان الشامت بمصيبة الاخرين في معرض ان تصيبه مثلها فهل يرضى من الاخرين ان يشمتوا بمصيبته، مضيفا ان الشماتة بالمؤمن كسرٌ لقلبه وادخال للحزن عليه وهو خلاف غرض الشارع، و لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اذا رأيتم اهل البلاء فاحمدوا الله ولا تسمعوهم فان ذلك يحزنهم)".

وبخصوص قوله (عليه السلام): (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ) اشار ممثل المرجعية العليا ان المتقي يأبى الدخول في الافكار الباطلة والتصرفات الباطلة والخوض في الاقوال الباطلة ولا يتبّع سوى الحق سواء أكان في مجال العقيدة والافكار والثقافات والعادات والتصرفات والسلوكيات ولا يحيد عن ذلك واينما كان وتجاه كل شخص وازاء كل عمل، كما ورد عنه (عليه السلام): (إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ) اي انه ان صمت لم يَغمَّهُ صمته فلأن صمت المؤمن لا يكون الاّ لاجل المصلحة وبمقتضى الشرع والعقل كما انّ تكلمه كذلك وعليه فلا وجه لغمّه في صمته بل يكون مسروراً (بل ينبغي ان يكون مسروراً به) لانه قد اتى بوظيفته وتكليفه)، فالمتقي بمقتضى عقله وكماله يضع كلا ً من الصمت والكلام في موضعه اللايق به ومقامه المناسب له، فلا يكون راع الى التكلم في مقام مقتضى للصمت حتى يكون إمساكه عن التكلم موجباً لاغتمامه، فأهل التقوى لعلمهم بما في الصمت من الثمرات الدنيوية والاخروية، وبما في الكلام من المفاسد والآفات الكثيرة كالخطاء والكذب والغيبة والنميمة والريا والنف والفحش والجدال وتزكية النفس والخوض في الباطل والفضول والتحريف وايذاء الخلق والانتقاص منهم وهتك العورات الى غير ذلك من الآفات فهم يحملون انفسهم ويعودوها ان لا يزيدوا في كلامهم على قدر الحاجة ويلتزموا الصمت إلاّ في مقام الضرورة وما يستدعي الكلام المفيد والمطلوب".

ونو الكربلائي الى ان هناك مشكلة في ان البعض يطلب من المرجع الديني ان يتكلم دائماً ويطلب من المؤمن ورجل الدين ان يتكلم دائماً، موضحا ان الموقف والحكمة وعدم الوقوع في الفتنة وكثير من المخاطر تقتضي ان يصمت، قد يكون الصمت فيه الحكمة ومقتضى الموازين الشرعية والعقلية وفيه السلامة من الاضرار والآفات الدنيوية والاخروية، مبينا ليس دائماً الكلام فيه مصلحة احياناً الصمت فيه مصلحة وحفظ للامة وحفظ للاخرين من الوقوع في الفتن والمشاكل وغيره، موضحا انه ورد في الصمت اذا وقع في محله ما يدل على حسنه ومدحه في كثير من الاخبار، مستشهدا بما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ان الصمت بابٌ من أبواب الحكمة يكسب المحبة وانه دليل على كل خير)".

حيدر عدنان

تحرير: ولاء الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment