حركة ادّعاء النبوة والمهدوية.. الظاهرة والتاريخ

مما لا شك فيه ان مقابل كل نبي ورسول يُوحى إليه يوجد آلاف الكذابين والدجالين وأدعياء النبوة.. وهذه المقارنة لوحدها تثبت الشعبية التاريخية لهذه الظاهرة, كون عدد الُرسل الذين بعثهم الله كبيرا في الأصل (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا) (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) .

ولكن؛ رغم كثرة المدعين والدجالين فان قليلا منهم من انعطف بالتاريخ أو حقق امتدادا حضاريا أو جغرافيا مهماً.. وهذه الفئة القليلة  هي المعنية بحديث النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله ): (لا تقوم الساعة حتى ينبعث دجالون كذابون قريبا من الثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

والعجيب أن هذه الظاهرة عرفت في جزيرة العرب حتى قبل ظهور خاتم الأنبياء, ففي كتاب مروج الذهب يسرد قائمة بمدعين ظهروا قبل بعثته (صلى الله عليه وآله) في مكة، مثل خالد بن سنان العبسي, وأمية بن الصلت, وقس بن ساعدة الإيادي, وبحيرا الراهب, وعمرو بن نفيل.. وغيرهم كثير.

وحتى خلال حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله) ثم بعد وفاته مباشرة  ظهر أدعياء نبوة في العديد من القبائل العربية.. فهناك مثلا مسيلمة الكذاب الذي بعث للنبي كتاباً يقترح فيه (مناصفة الأرض) بين قريش واليمامة.. والأسود العنسي الذي جاهر بدعوته في اليمن قبل وفاة النبي الكريم وطليحة بن خويلد الذي ظهر في بني أسد.. وسجاح بنت الحارث التميمي شاعرة بني تغلب الفاتنة.

وفي العهد الأموي والعباسي تفاقم الأمر وتحول لطابع سياسي لدرجة سئم الخلفاء من كثرة اولئك المدعين, فأمروا عمالهم ورجال الشرطة لديهم بقتلهم " بلا محاكمة"  وقليل منهم الذي نجا.

وبدل أن تخف الظاهرة في العصر الحديث تفاقمت وانتشرت بشكل خطير خصوصا تحت دعوى المهدي المنتظر..

ففي نهاية القرن الثالث عشر الهجري ظهر في السودان محمد بن عبد الله الذي كان له تأثير كبير على أتباعه, على الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت.. وفي نفس الوقت تقريبا ظهر في المغرب من يدعي أنه ال "مهدي" المنتظر ويحمل أيضا اسم محمد بن عبد الله وازدهرت دعواه لتسع سنوات.

وعند نهاية القرن الرابع عشر الهجري اقتحمت مجموعة مسلحة بيت الله الحرام وسفكت دماء الحجاج والمصلين فيه تحت دعوى "المهدي المنتظر" وفي عقد الثمانينات ادعى محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري بالسودان أنه نبي مرسل, وأن رسالة محمد ( صلى الله عليه وآله) لم تعد صالحة لهذا الزمان وقد حكمت عليه المحكمة الشرعية بالخرطوم عام ١٩٨٦بأنه مرتد مارق من الدين الاسلامي

ومن الملاحظات الغريبة أن ادعاءات النبوة تكثر هذه الأيام  في بلدان معينة وتكاد تختفي تماما في بلدان أخرى . ففي باكستان مثلا يكاد يظهر مدعي نبوة جديد كل شهر تقريبا.. وفي العراق ظهر أكثر من (٢٣) مدعياً بين حربي الخليج الأولى والثانية فقط.. وفي لبنان ظهرت بين الدروز ٦حالات في المناطق التي تحتلها الكيان الصهيوني فقط.. في مصر والسودان والجزائر تفاجئنا الصحف بين الحين والآخر بالقبض على مدعي نبوة جديد, أو مهدي منتظر, بل حتى في أمريكا نفسها ظهر بين الجالية الإسلامية أربعة أشخاص منذ عام ٢٠٠٠ ادّعوا النبوة وتمتعوا بحماية قانون حفظ الحريات الدينية.

ولأن ادعاء النبوة ظاهرة تاريخية متواصلة - عرفت في كافة المجتمعات والديانات  فلا يمكن ان تتراجع او تتوقف مستقبلا؛ فهي ليست فقط جزءاً من الحراك الديني بل و(حالة إنسانية) يقف خلفها الطمع السياسي والتسيد الاجتماعي وكسب الولاء المطلق ناهيك عن اضطراب العقل، وانفصام الشخصية ، وإيحاء الشيطان زخرف القول غرورا.

وان متصفح التاريخ في العصور الزمنية التي سبقت نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) كانت الادعاءات الباطلة تتركز على ادعاءات الالوهية نفسها والعظمة المطلقة من امثال ادعاء فرعون, والملك ذو نواس الذي احرق اصحاب الاخدود.

اما من بعد نبوة النبي فان الادعاءات الباطلة اصبحت تتركز على ادعاء النبوة و القدوم برسالة من الله  وهنا تبرز اهمية التأكيدات التي وردت كثيرا في القران و السنة على ان النبي (صلى الله عليه وآله) هو اخر الانبياء و المرسلين ولا نبي بعده. حقيقة لولا هذه التأكيدات و التوضيحات لضل كثير من الناس لأنه لا يصعب ادراك زيف ادعاءات اي شخص يدعي الالوهية.. ولكن اثبات زيف مدعي النبوة قد يكون اكثر صعوبة و تضليلا للكثير من الناس... فالحمد لله الذي وضّح ذلك بحيث لا تصبح المسالة هي هل هذا المدعي للنبوة صادق ام كاذب بل ان اي مدع للنبوة بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو كاذب أفّاك, مهما ساق من حجج او مبررات.

إن أغلب هؤلاء المدعين يطلب المادة والوجاهة مثل مسيلمة حين طلب مناصفة الأراضي وكأنه يحسب الدعوة عقارات وبيع وشراء.

ان ادعاء النبوة نوع من التخلف والجنون والأمراض النفسية. وان من يدعي أنه المهدي المنتظر متيقن من بطلان دعواه .

ولا يزال خروجهم واحدا بعد الآخر حتى يظهر آخرهم: الأعور الدجال، كما جاء في حديث سمرة بن جندب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال في خطبته يوم كسفت الشمس: "وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الكذاب" .

فهد عامر الأحمدي

gate.attachment