377 ــ محمد بن يوسف البلادي: توفي (1131 هـ / 1717 م)

محمد بن يوسف البلادي: (توفي 1131 هـ / 1718 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

سـرى وفـدُ شـوقـي والأنـامُ رقودُ      يسحُّ دموعاً ما لهنَّ جمودُ

فعرّسَ مذعورَ الجَنانِ بـ (كربلا)      فـنـازلـه كربٌ هناكَ جهيدُ

وقـد شـفّـه وفـدٌ مـقـيـمٌ بـأرضِـها      ملابسُهم بينَ الملائكِ سودُ (1)

ومنها:

حنيني على تلكَ الجسومِ بـ (كربلا)      لقىً بالعرا ما ضمهنَّ لحودُ

حـنـيـنـي عـلى تلكَ السبايا ولوعتي      ووجدي جديدٌ ما عليهِ مزيدُ

حنيني عليها يـومَ أمـسـتْ أسـيــرةً      وأكـتـافُـهـا بـالأصبحيةِ سودُ

الشاعر

الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي البلادي، عالم وشاعر وأديب، ولد في قرية البلاد في البحرين وأصله من قرية النعيم في البحرين أيضاً، درس البلادي العلوم الدينية في قريته عند الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي وبقي يتتلمذ عليه حتى وفاة الماحوزي سنة (1105 هـ / 1693 م)، فلازم بعده درس الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي حتى وفاة الماحوزي الثاني سنة (1121 هـ / 1709 م).

هاجر البلادي إلى القطيف مع كثير من أهالي البحرين بسبب استيلاء الخوارج على البحرين سنة (1129 هـ / 1716 هـ) الذين قتلوا الكثير من البحرانيين ولكنه لم يلبث في القطيف كثيرا بسبب ضائقته المادية فعزم العودة إلى مسقط رأسه ولكن الأقدار شاءت ألا يرى بلاده مرة أخرى ففي الطريق وقعت معركة بين الخوارج وعسكر العجم فأصيب البلادي بجروح بليغة فنقل إلى القطيف ولم يمكث سوى أيام حتى فارق الحياة فدفن في مقبرة الحباكة

ويظهر من خلال ترجمته أنه هاجر إلى إيران وسكنها مدة حيث ذكرت المصادر أن من أساتذته أيضاً العلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي والسيد المحدث نعمة الله بن عبد الله الجزائري.

درس عند البلادي العديد من طلاب العلم منهم: عبد الله بن صالح السماهيجي، ناصر بن محمد الجارودي

وللبلادي من الكتب كتاب: مقتل أمير المؤمنين ومقتل الحسين (عليهما السلام) وديوان في مراثي أهل البيت (عليهم السلام) (2)

قالوا فيه

قال الشيخ علي بن حسن البلادي البحراني: (العالم الزاهد العابد التقي .... كان مشغولاً بالدرس لا يكل منه، كثير العبادة ملازماً للدعاء لا يمل منه ولا يفارق (مصباح المتهجد) أبداً) (3)

وقال الشيخ يوسف البحراني: (وكان هذا الشيخ فقيهاً عابداً صالحاً ملازماً لمصباح الشيخ والعمل بما فيه وله ديوان حسن في مراثي أهل البيت (عليهم السلام) وله مقتل الحسين (ع) وشعره نفيس بليغ ....) (4)

وقال عنه تلميذه الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي في إجازته الكبرى: (فقيه فاضل وعالم عامل إمام للجماعة معتبر صالح ساع في حوائج إخوانه شديد الإنكار على الفاسقين وقد خدم كثيرا في العلوم وقرأ أكثر الفنون وله ديوان شعر في مراثي أهل البيت. وله مقتل الحسين عليه السّلام، وشعره نفيس، و هو مشغول بالدرس لا يملّ منه، كثير العبادة، ملازم للدعاء لا يفارق مصباح المتهجد أبدا، أدام اللّه سلامته و أقام كرامته.....) (5)

وقال عنه الشيخ جعفر سبحاني: (الفقيه الإمامي، الزاهد، الشاعر... قرأ أكثر الفنون حتى برع، وتصدى لإمامة الجماعة، وللتدريس والإفادة، وكان ساعياً في حوائج المؤمنين، شديد الإنكار للمنكر..) (6)

شعره

أورد الشيخ لطف الله الجد حفصي بعض مراثيه في مجموعته التي كتبها لنفسه بخط يده في سنة (١٢٠١ هـ)

قال من قصيدته في رثاء الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه الشهداء (عليهم السلام) وقد قدمناها:

سـرى وفـدُ شـوقـي والأنــامُ رقـــودُ     يسحُّ دموعـاً مـا لـهـنَّ جــمـودُ

فعرَّسَ مذعورَ الــجَــنانِ بـ (كربلا)     فـنـازلـه كــربٌ هناكَ جـــهـيـدُ

وقد شـفَّـه وفـدٌ مـقـيــمٌ بـأرضِـــــهـا     ملابسُهم بــيـن الـمـلائــكِ سودُ

مـلائـكـةٌ تـقـديــسـهـــمْ وثـــنــاؤهـمْ     وتـسـبـيـحـهمْ نـدبٌ عليهِ مـديـدُ

وتمجيدُهمْ ندبُ الــحــسينِ ورهـطِه     غـداةَ أصِـيبـوا بالظما وأبــيدوا

مقيمونَ حولَ القبرِ يــبـــكونَ رزءه     وليسَ لهمْ نـحوَ السماءِ صعـودُ

فـيـا غـفـلـةً عــن نـــكـبـةٍ عمَّ غمُّها     وحـادثـةٌ مـــنـهـا الـجـبالُ تمـيدُ

أيـرشـفُـه الـمـخـتــــارُ سـناً ومبسماً     ويـقـرعُــه بـالـخـيـزرانِ يزيــدُ

أيتركُ مـلـقـىً بـالعرى سـيدُ الورى      ويكسوهُ من مورِ الرياحِ صعيدُ

حنيني على تلكَ الجسومِ بـ (كربلا)     لـقـىً بـالـعـرا مـا ضمَّهنَّ لحودُ

حـنـيـنـي على تلكَ السبايا ولوعتي     ووجـدي جـديـدٌ مـا عـلـيهِ مزيدُ

حـنـيـنـي عـلـيها يومَ أمستْ أسيرةً     وأكـتـافُـهـا بـالأصــبــحـيةِ سودُ

وهَيَّجَ أحزانــي وحــرَّمـني الكرى     مـقـالـةُ أخـتِ الـسبط وهوَ يجودُ

ألا بــأبــي مــن لا بــعـيدٌ فيرتجى     فـيـمسـي كـمنْ قد غابَ ثمَّ يعودُ

ألا بـأبـي مـن لا جـريـحٌ فـيـؤتسى     فــتــذهــب آلامٌ بــــهِ وتــبــيـــدُ

فــيــا آلَ يــاسـيــنٍ ويا راية الهدى     مـصـابـكـمُ طــولَ الزمانِ جديدُ

ولـم يـبـلَ إلّا أن يُـنـادى من السما     بــمـهـديِّــكــمْ إذ تـقـتـفـيـهِ جنودُ

فـتـصـبـحُ أعــلامُ الــنـبـيِّ خـوافقاً     وسـابـقـةً والــمـشـرفــيُّ يـعــودُ

هـنـالـكَ تـسـلـو أنفسٌ طالَ حزنُها     ويـهـنـي الـعُـبَيدَ اليوسفيَّ هجودُ

فـدونـكـمُ مـنـه الــذي يـسـتـطـيـعُه     قـصـائـدَ مـا خـابـتْ لهنَّ قصودُ

وقال من أخرى في رثائه (عليه السلام) أيضاً تبلغ (24) بيتاً:

قِـفْ بـالـديـارِ الــتــي كــانــت مــعاهدُها     على الهدى والندى قامتْ قواعدُها

ولـم تـزلْ بـالــتــقــى والــعــدلِ بــاسـمـةً     تـبـدو إذا ابـتـسمتْ بُشراً نواجدُها

وانظرْ مهابطَ وحـــــي اللّهِ كــيــفَ غدتْ     تبكي بكاءَ الـذي قـد غابَ واحدُها

وانظرْ إلى حجـــراتِ الوحي كيفَ خلتْ     وغـابَ صـادرُها عـنـهـا وواردُها

والحـظ مــــعــادنَ وحـــي اللّهِ مــقــفــرةً     من بعدما أزعجتْ عنها أماجــدُها

واجــزعْ لــهــا بـعد ذاكَ الـبـشـرِ عابسةً     إذ غـابَ عــابـدُها عـنـهـا وعايدُها

واخـشـعْ لها بعد ذاكَ الــعــزِّ خـــاشــعةً     يـطـيـرُ ظـالـمُـهـا بـشـراً وحاسدُها

واسكبْ على الطللِ البالي الذي عصفتْ     بـربـعِـه زعــزعٌ والـكـفـرُ قــائـدُها

واسكبْ دموعكَ لــلــســاداتِ من مضرٍ     وفـتـيـةٍ قــط لا تُــحـصـى محامدُها

وخيرةً في العلى عنها الــوجــودُ نــشــا     شـالـتْ رؤوسـهـمُ ظـلماً مصاعدُها

ودوحــةٌ نـــالَ مــنــهــا مـن تــفــيَّـــأها     فـعـلاً شـنـيـعـاً يذيبُ القلبَ واحدُها

يــا لــلــرجـــالِ ويـــا للّهِ مــن شــطــطٍ     أتـاحـه عـصـبـةٌ ضـلّـتْ مــقاصدُها

لا أمــطــرَ اللّهُ سحبَ المزنِ إنْ هطلتْ     وآلَ أحـمـدَ قـد سُــــدَّتْ مـــــواردُها

لا أمطرَ اللّهُ ســحــبَ الـمــزنِ إذ قُـتلتْ     صـبـراً ومــا بـلَّ منها الـغلَّ باردُها

لا أضحكَ اللّهُ سنَّ الدهرِ إن ضـحـكـتْ     وآلَ أحــمــدَ قــد أعــفــتْ مـعاهدُها

تــخــالــهــمْ كـالأضاحي في مجازِرِها     قـد عـمَّ كـلَّ الــورى نــوراً مراقدُها

مــعـفّـريـنَ وجــوهاً طــالـمـا سـجـدتْ     لـربِّـهـا ولَــكَــمْ نــارتْ مــســاجدُها

يا حــجَّــةَ اللّهِ يـا بـنَ الـعـسـكريِّ ترى     مـا نـحـنُ فــيـهِ مــراراتٌ نــكـابدُها

خلّصْ مـوالـيـكَ يـا بنَ المصطفى فلقدْ     ضـاقَ الــخـنـاقُ وخـانـتها مقاصدُها

إلى مـتـى يـا غـياثَ الـمـسـلـمـيـنَ ويا     غـوثَ الأنــامِ فـأنـتَ الـيـومَ واحـدُها

سَـلْ ربَّـكَ الأذنَ في إنــجـازِ مــوعـدِهِ     فـأنـتَ يـا بـنَ أبـاةِ الـضـيـمِ واجـدُها

لا زالَ تـسـلـيـمُ مــن عــمَّــتْ مواهبُه     يـغـشـاكَ مـا خـرَّ لـلرحمنِ سـاجـدُها

يا سـادةَ الــكــونِ يـا مـن حـبُّهمْ عملي     ولـيـسَ لـي غـيـرُه حـسـنى أشاهدُها

أنـا الـعـبـيـد الـفـقـيـرُ الـيـوسـفـيُّ لـكمْ     حـربٌ لأعـدائِـكـمْ حـربٌ مـعـانــدُها (7)

............................................................

1 ــ أدب الطف ج 5 ص 207 ــ 208 عن مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي / ديوان القرن الثاني عشر ج 1 ص 242 ــ 243

2 ــ موسوعة طبقات الفقهاء ــ الشيخ جعفر السبحاني ج 12 ص 336 / أنوار البدرين ص 180 ــ ١٨١ / تكملة أمل الآمل ج 5 ص 191

3 ــ أنوار البدرين في تراجم علماء البحرين ص 180

4 ــ لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث ص 105

5 ــ إجازات الرواية والوراثة - إجازة السماهيجي ص 5

6 ــ موسوعة طبقات الفقهاء ج 12 ص 336 

7 ــ أدب الطف ج 5 ص 204 ــ 205 / ديوان القرن الثاني عشر ج 1 ص 244 ــ 246

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار