310 ــ عبد الله العلايلي: (1332 ــ 1416 هـ / 1914 ــ 1996 م)

عبد الله العلايلي: (1332 ــ 1416 هـ / 1914 ــ 1996 م)

قال من قصيدة (ذكرى الحسين) وتبلغ (35) بيتاً:

فيا (كربلا) كهفَ الإبـاءِ مُـجـسَّـمـا      ويا (كربلا) كـهـفَ الـبطولةِ والعلا

ويا (كربلا) قـد حـزتِ نـفـسـاً نبيلةً      وصُيِّرتِ بعد اليومِ رمزاً إلى السما

ويا (كربلا) قد صِرتِ قبلةَ كلِّ ذي      نـفـسٍ تـصـاغـرَ دونَ مـبـدئها الدنا

ويا (كربلا) قـد حـزتِ مجداً مؤثلاً     وحـزتِ فخاراً ينقضي دونه المدى

فـخـارٌ لـعـمـري سـطّـرته ضـحـيةٌ     فـكـانَ لـمـعنى المجدِ أعظمَ مُجتلى

فـلـلـمـسـلـمِ الأسـمـى شـعارٌ مقدَّسٌ     هـمـا قـبـلـتـانِ لـلـصـلاةِ ولـلإبــــا (1)

الشاعر

الشيخ عبد الله بن عثمان العلايلي، عالم وأديب وشاعر ولغوي موسوعي من الأعلام المجددين في اللغة والأدب، ولد في بيروت ــ لبنان في محلة الثكنات من أسرة بيروتية عريقة

ودرس في طفولته عند الكتاتيب، ومدرسة الحرج الابتدائية، وفي العاشرة من عمره سافر مع شقيقه إلى مصر ودرس في الأزهر، وهناك أكمل حفظ الألفية وهو في الحادية عشر من عمره، وحفظ القرآن الكريم وهو في الثانية عشر، ثم درس الفقه والأصول والتفسير والحديث واللغة والأدب على يد كبار علماء الأزهر وتخرج في هذه العلوم وهو في الثامنة عشر من عمره.

كما درس العلوم المنهجية كالأحياء والكيمياء والفيزياء والرياضيات واتقن الإنكليزية والفرنسية وتخرج من كلية الحقوق في القاهرة ونبغ في القانون، وعندما عاد إلى بيروت كان إماماً ومدرساً وخطيباً فيها.

وقد شغل العلايلي العديد من المناصب العلمية والأدبية منها:

عضو المجلس الشرعي الأعلى.

أستاذ في معهد المعلمين.

عضو في لجنة المصطلحات في مجلس الخدمة المدنية.

نائب رئيس الأكاديمية اللبنانية.

أستاذ محاضر في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.

أستاذ مشرف على الرسائل في قسم اللغة العربية بالجامعة اللبنانية.

أستاذ اللغة في الكلية الحربية.

عضو في لجنة صياغة القاموس العسكري.

عضو في المجمع العربي السوري.

مستشار وزير التربية لشؤون التراث.

وقد حصل العلايلي على العديد من الجوائز والأوسمة الرفيعة منها:

جائزة مجمع اتحاد المجامع العربية في العام 1954

وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر في العام 1994

وسام الأرز الوطني من رتبة فارس (1954)

جائزة رئيس الجمهورية اللواء فؤاد شهاب (1962)

جائزة الشاعر سعيد عقل (1962)

وشاح الأرز من رتبة ضابط (1963)

جائزة مهرجان المربد للآداب ببغداد (1988)

جائزة الأرزة الذهبية (1992)

جائزة جبران خليل جبران بأستراليا (1993)

درع مؤسسة الحريري بصيدا (1993)

درع النادي الثقافي العربي (1994)

درع منتدى الفكر التقدمي (1995)

درع جمعية أرباب القلم (1996)

درع حلقة الحوار الثقافي (1996)

وقد أطلق اسمه على إحدى المدارس الثانوية وأحد الشوارع في بيروت. (2)

مؤلفاته في الإمام الحسين (عليه السلام):

آمن العلايلي بشخصية الإمام الحسين الفذة وعدّها المثل الأعلى للثورة ضد الباطل ورمزاً للحرية والكرامة فألف عنه ثلاثة كتب ــ ثلاثية الحسين عليه السلام ــ هي:

1 ــ سمو المعنى في سمو الذات / أو أشعة من حياة الحسين ــ 1968

2 ــ تاريخ الحسين: نقد وتحليل ــ 1940

3 ــ أيام الحسين، مشاهد وقصص ــ 1948

يقول العلايلي: )الناس في الحياة أشباح مبهمة تختلط ثم تتكسر في ظلام الأبدية بغير ضجيج، ولكن الكائن العظيم وحده هو الذي يقدم التاريخ العظيم...

والتاريخ قطعة من الزمن ليس لها حدود وراء الكائن الذي يفرغ عليها صنوف التهاويل...

وشتان بين الكائن الذي شيئاً من معني الجيل، والآخر الذي يجيء الجيل شيئاً من معناه...

وأي تاريخ هو أجدر من تاريخك «أبا عبد الله» بأن يحمل شارة العظم والخلود...

نواة انفصلت من صميم المعجزة، لتجيء معجزة أخرى في صميمها... وليست الشجرة الزاهية، بما فيها من مجالي الفن، الا نواة خرجت بقوتها، او قوة استكنت في سر النواة... والنبوة معجزة تعد الانسانية لشيء جديد، والإنسان الأسمى هو المعجزة في الشيء الجديد نفسه...

فالنبي (ص) أعد البشر للإنسانية المهذبة فتمت بذلك معجزته، وأنت «أبا عبد الله» اعددت نفسك لتحل في مكان الاعجاز من الإنسانية الجديدة، فتمت بذلك معجزتك...

آلهة الأساطير تحتاج إلى نبي يمحوها، حتى يردها إلى خيال طائش في حدود الخرافة...

والإنسان المستأله يحتاج إلى مصلح يمحوه، حتى يرده إلى طبيعته في حدود الحقيقة...

فالجد النبي محا آلهة الأساطير، والسبط المصلح محا الآلهة من الناس.. وكذلك حال الحسين (ع) بكفاحه دون أن يستعبد الإنسان الإنسان...

الحياة حركة دائمة، والموت سكون دائم، ولكنه بالنسبة إلى العظيم يعطي معنى آخر. فإن موت العظيم ليس سكوناً هامداً، بل هو خروج الحركة عن مركزها لتنتشر في أحياء كثيرين...

ففي روح كل مصلح بدوات من روحك، وفي ضمير كل مجاهد قبس من ضيائك...) (3)

ويقول أيضاً: (وحياةُ الحسين عِظةٌ من التاريخ، ولكن تجمعُ التاريخ كلَّه، فليس معناها في حدود ما وقعت من الزمان والمكان، بل حدودُها حيث لا تتَّسع لها حُدود) (4)

ويقول أيضاً: (فرجلٌ كيفما سَمَوتَ به من أي جهاته انتهى بكَ إلى عظيم، فهو ملتقى عظمات ومجمعُ أفذاذ. فإنَّ من ينبثقُ من عظمة النبوة (محمد)، وعظمة الرجولة (علي)، وعظمة الفضيلة (فاطمة)، يكون أمثولةَ عظمة الإنسان، وآيةَ الآيات البيِّنات. فلم تكن ذكراه ذكرى رجل بل ذكرى الإنسانية الخالدة، ولم تكن أخباره أخبار بطل بل خبرُ البطولة الفذَّة) (5)

(فكما أنَّ النبي الجد حارب الوثنية في الفكر ودحضها، فالحسين السبط حارب الوثنية في المجتمع) (6)

(وأبو عبد الله الحسين (ع) سيد الوارثين، ما في ذلك ريب، فكان في كل عمل من عمل الدنيا والآخرة مَثالةً بارعةً، حتى أجمع الحُفّاظ والرواة والإخباريون على أنه أعاد سنة المصطفى في كل مظاهره وأشكاله) (7)

لقد (سقط الامام صريعاً بعد كفاح رهيب، وبعد أن أرسل كلمة الحق في العراء، هذه الكلمة التي طوّفت بالهياكل وعادت بنشيد الشهداء….) (8)

يقول الشيخ نعيم قاسم عن كتاب أشعة من حياة الإمام الحسين للعلايلي: (فلا أخفيكم بأني شعرت وأنا أقرأ الكلمات البديعة البليغة التي اختارها العلامة، أنَّ الشيخ حائرٌ بكلماته البليغة كيف يدخل إلى تحليل شخصية الإمام الحسين (ع)، وبما أنَّه مضطرٌ أن ينطق باللغة العربية للتعبير فقد نطق بما اعتبره أقل بكثير من سمو المعنى، لأن الألفاظ لا تستوعب عظمة الإمام الحسين (ع)، من هنا نجد أن الشيخ الدكتور العلايلي كان في نسجه للفكرة المتكاملة عن شخصية الإمام الحسين (ع) يريد أن يثبت عدداً من المبادئ التي تبيِّن رؤيته للإمام الحسين ع) (9)

ثم يقول قاسم بالنسبة للشيخ العلايلي: (حسينٌ رمز الإسلام الحق ويزيد رمز الانحراف, وإتِّباعُ الحسين ليس وراثة مذهبية ولا تبعية مذهبية بل هو إتِّباعٌ للأصالة والحق, يذكرنا الشيخ العلايلي بكيفية رسم الخطوات الصحيحة من أجل أن يكون سلوكنا الإسلامي سلوكًا موحدًا، فلم يكن الحسين (ع) في التاريخ لفئة دون أخرى، ولم يكن يزيد في التاريخ لفئة دون أخرى، كنا أمام موقفين وبالطبع علينا أن نختار أحد الموقفين وعندها نكون مع الموقف بصرف النظر عن المذهب، فالموقف من الحسين (ع) موقف من الإسلام) (10)

ويقول الدكتور إبراهيم العاتي عميد الدراسات العليا – الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، لندن: (لقد ظهر هذا الكتاب أولاً بعنوان (سمو المعنى في سمو الذات أو أشعة من حياة الإمام الحسين)، ثم اكمله بجزئين آخرين عن (تاريخ الحسين) و(ايام الحسين)، وتعد في مجموعها من أدق وابلغ ما كتب عن الحسين السبط (ع) ونهضته الخالدة) (11)

أما مؤلفات العلايلي الأخرى فهي:

مقدمة لدرس لغة العرب ــ 1938

المعجم الكبير بأربعة وعشرين جزءاً كل جزء يحتوي على ستة أقسام ــ 1954

مقدمة التفسير

المعجم الوسيط ــ 1963

رحلة إلى الخلد / ملحمة شعرية تبلغ (1500) بيتاً تُرجمت إلى الفرنسية ــ 1946

مثلهن الأعلى أو خديجة بنت خويلد ــ 1947

المعري .. ذلك المجهول ــ 1944

أدباء وحشاشون

فلسطين الدامية

أغاني الأغاني.

التقريب بين السنة والشيعة

سلسلة إنّي أتّهم في سبعة أجزاء ــ 1940

دستور العرب القومي ــ 1941

الكون والفساد الاجتماعيان ــ 1942

الساحر ــ 1946

الفرق بين الأسلوب والتركيب ــ 1947

شهيد القسطل (عبد القادر الحسيني) ــ 1952

علم النّفس من وجهة نظري

العرب في المفترق الخطر ــ 1955

لبنان، عنزة ولا مرقد ــ 1975

مقدمات لا محيد عن درسها جيّدا لفهم التّاريخ العربيّ.

الترهبة أو ميسولوجية العرب في ظلال اللغة ــ 1955

الوجه الكرتوني ــ 1963

من أجل لبنان: قصائد دامية الحرف بيضاء الأمل

أين الخطأ ؟ ــ 1978

تهذيب المقدمة اللغوية ــ 1985

مشاهد وقصص من أيام النبوة

المعجم العسكري

سير وتراجم ومذكرات

وقد تناول العلايلي في مؤلفاته الإسلام بنظرة تجديدية فهو يرى أن: (الإسلام في جوهره، حل من الحلول الكبرى و«فكروية أيديولوجية» متكاملة، له مميزاته المستقلة التي هي وحدها سر قيمته ومجلى شخصيته. نعم، هو منهج كلي لا يؤخذ تفاريق ولا يدرسُ أجزاء معزولة.. إنه يضع في خط الحل الواحد الممتد الحياة وما يختلف فيها، والتحرّك الإنساني وما يستشرف إليه) (12)

كما تناول العلايلي الشخصيات التاريخية برؤية مغايرة تكسر الجمود والتقليد عبر التمحيص والتدقيق ومن هذه الشخصيات شخصية المعري في كتابه: (المعري ذلك المجهول)

يقول الدكتور خنجر حمية – رئيس قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية، الفرع الخامس: (إن المنهج الذي اعتمده العلايلي في درسه نظرية المعرفة عند المعري جاء باستنتاجات ملفتة، على المختصّين بالمعري أن يدقّقوا بجدّتها، ويسلّطوا الضوء على ما توصّل اليه في هذا الشأن. ما يهمّنا هنا، هو لفت الانتباه الى رصانة العلايلي الفكرية، ومدى توخّيه الدقّة والحذر في خطواته البحثية. كما نشير الى أن اختياره للمعري ملفت وله أكثر من معنى، بحسب ما نعتقد) (13)

وإضافة إلى هذه المؤلفات فللعلايلي رصيد ثر من المقالات الدينية والسياسية والاجتماعية والأدبية بلغت أكثر من ثمانمائة وخمسون مقالاً موزعة في الصحف والمجلات اللبنانية والعربية منها: الأديب، العرفان، الآداب

يقول الأستاذ محمد ناصر الدين: (جمع العلايلي في شخصه توليفةً فريدةً من الميّزات الثقافية والفكرية أمكنها التوفيق بين القدسي والدنيوي بتعبير مؤرّخ الأديان والفيلسوف مرسيا إلياد. اجتمعت في الشيخ المتنوّر الجبة وعباءة رجل الدين. تحاوران الآخر بمعرفة مجبولة بالاحترام والموضوعية، واجتهاد في الدين يمازجه نظر في الدنيا وتخليص للزمن من شوائبه الخرافية نحو شكله الإنساني الأكثر عقلانية ورحابة. رزانة المفكّر الحرّ مرتبطة بقلب المؤمن الكبير في محبة وعطش معرفي يقترب من التصوف، وخصوصية بيروتية مترفعة عن المذهبيات الضيقة والأدبيات الخلاصية ومندمجة في العروبة ومكوّنها الأعمق والأعذب وهو اللغة. فقد محضها جهداً قلّ نظيره في عقلنة لسانها، وترشيد المعرفة بها نطقاً وكتابة وحياةً، هو العاشق لها حتى انقطاع النفَس، الحريص على مصالحتها مع الحداثة والزمن: « يهمّني بادئ بدء أن أقول مع «شوقي»: وما العربية إلا وطن) (14)

وقال الأستاذ وفيق غزيري: (اهتم الأكاديمي افنانسي كراتشوفسكي بكتاب العلايلي مقدمة لدرس لغة العرب، خاصة وأن منهجية الكتاب تتلاقى مع حرص المستعربين الروس على دراسة اللغة العربية في منحاها التطوّري التاريخي، وقد نصح كراتشوفسكي طلابه بالإعتماد على مؤلـف العلايلي القيّم. ويرى الكسندر سيمرنوف أن من يتابع النتاج العلمي للمستعربين السوفيات كثيراً ما يرى الإشارات والإستشهادات لمؤلفات العلايلي المتعددة، وبصورة خاصة تلك التي تتناول القضايا الإجتماعية من وجهة نظر دينية مستنيرة مثل كتابه الشهير الكيان والفساد الإجتماعيان وأين الخطأ) (15)

ويقول الأستاذ كريم مروَّة: (قليلون هم أمثال الشيخ عبد الله العلايلي في عالمنا العربي المعاصر. قليلون هم الذين جمعوا مثله بين العقلانية والديمقراطية في الفكر وفي السيرة الشخصية وفي الاجتهادات في ميادين متعددة من المعرفة، في الفقه الديني وفي علم اللغة وفي علم التاريخ وفي الأدب وفي الموقف السياسي الجريء من القضايا العامة في لبنان وفي العالم العربي. ويستطيع المتتبع لسيرة العلايلي أن يرى بوضوح أنه كان، منذ شبابه الأول، مختلفاً عن سواه من أقرانه في شؤون الدين والدنيا، مهموماً بتحقيق التغيير الديمقراطى في العالم العربي في الفكر وفي السياسة وفي السلوك، وفي الفهم الحقيقي للدين ولقيمه الروحية وفي الاعتراض على كل أنواع الخرافات والبدع التي أدخلت تعسفاً على الدين وجعلته عائقاً أمام التقدم.

واستمر في تميزه ذاك حتى آخر العمر. وكان كل من تفرده وتميزه يحملان طابع الثورة وسماتها. فالثورة بالنسبة إليه لا تحقق أهدافها بمجرد الاعلان، لا سيما الشعبوي منه، من رفض الواقع القائم أو نظام حكم استبدادي، أو منظومة الأفكار القديمة. بل هو كان يرى الثورة عملاً متواصلاً يتصف بالجهد المبدع والشجاع، بحثاً عن البدائل الضرورية للواقع القائم وللنظام الاستبدادي ولمنظومة الأفكار السائدة. الثورة، بالنسبة إليه، كانت، في كل حياته وفي عمله الفكري والسياسي، فعل تغيير متواصل في اتجاه التقدم. هكذا كان موقفه في المدرسة عندما كان طالباً. وهكذا كان موقفه عندما التحق بالأزهر ليصبح رجل دين. فالأزهر لم يكن، بالنسبة إليه، مجرد مدرسة دينية. والدين لم يكن، بالنسبة إليه، مجرد عقيدة. فلكل شيء، من منظار العلايلي، وظيفة تصب في صالح الحياة الإنسانية تحقيقاً لحرية الإنسان وسعادته. فهو كان يرى إلى حركة التاريخ على أنها تواصل وتجاوز، وأن النضال وحده هو الذي يحررها من العبثية في مسارها. ومن هذا المنطلق قرر أن يتخذ من اللغة الموقف الثوري نفسه الذي اتخذه من القضايا الأخرى، عندما اكتشف بوعى مبكر أن اللغة ليست مجرد علاقة تخاطب بين الناس. بل إن لها وظيفة أكبر من ذلك وأشمل، تتمثل في دورها كأداة تقدم) (16)

ويقول المستشرق الروسي ألكسندر سميرنوف: (يأتي اسم الشَّيخ العلاّمَة عبد للهّ العلايلي في طليعة العلماء العرب المعاصرين الذين يستند إلى أبحاثهم ومؤلّفاتهم الباحثون السوفيات في حقل الاستعراب... إن المستعربين السوفيات إذ يتابعون بشغف كل عمل جديد من أعمال العلايلي، يتمنّون له عمراً مديداً ومزيداً من الإبداع والعطاء العلميّ في خدمة تقدّم الشعوب العربيّةَ والتعارف المتبادل بين الشعب السوفياتي والأصدقاء العرب') (17)

ويقول الكاتب رمزي بعلبكي: (من بين مآثر وإنجازات العلاّمة العلايلي، على تعدّدها وكثرتها، نجد مآثرته اللّغُوية، أمتنها أساسًا وأفعلها أثرًا في حياتنا الحاضرة، وفي أيّامنا الآتية. إنّ اللّغُة العربيّةَ لا بدّ لها من استلهام النهج الذي اختطّه العلايلي لها. والمعجم العربي لا محالة صائر على ما رسمه له. والعلاقة بين النظريّة اللّغُوية والتطبيق اللّغُوي عند شيخنا هي بالضرورة العلاقة بين ''المقدّمة'' و''المرجع''. ومن الجليّ أن النظريةَّ، كل نظريّةَ، تلحظ مباحث واتجاهات في مادّتها قد لا يسهل بسطها في التطبيق، وهذا من طبائع الأشياء ممّا لا ينازع. من ذلك بحث المعاني الأصليّة للأصوات العربيّةَ. وعلى ما بين النظريّة والتّطبيق من عوائق لا يستقيم تجاهلها، فإنّ انبناء المعجم على أساس العلايلي بريشة مصطفى فرّوخنظريّ، كما النتيجة والعلّة، معلمًا بارزاً في التاريخ المعجميّ العربيّ، لأنّه ''بهذا الإنباء يقول الدكتور رمزي بعلبكي، ينكشف التقصير الذي لحق المعجمات العربيّةَ، على تفاوت، وهو تقصير أعجب ما فيه أنه أخذ ينمو ويتزايد مع الزمن، بدلاً من أن يُتدارك ويُتلافى. وليس يمنعنا تعظيمنا للعمل المعجميّ العربيّ، ولا يقيننا أنّ به مفخرة من مفاخر العرب، التي قلّ أن يحقّ لأمّةٍ غيرها أن تدّعيها حتّى باعتراف المستشرقين''. إنّ الدراسة الصوتيّة للعربية، هي اللّبنة الأولى التي يقوم عليها فهم اللّغة. وهنا تكمن الغربة بين الباحث وبين التاريخ الصوتيّ، لأن الكشف عن الأصول القديمة للأصوات، في نشأتها ومحاكاتها ودلالاتها، أفقر ما يكون إلى الدليل الحسيّ، وهو بذلك أبعد الأمور اللّغُوية عن التفسير وأكثر طلبًا للافتراض، على كونه أكثر ما يشوّق الباحث، ولو تمّ هذا الكشف لأغنى معرفتنا عن تاريخ الإنسان واللّغُة بما لا يقدّمه أيّ كشفٍ آخر من طبيعته. وراء ما أنتجه العلايلي في هذا الشأن، فقد أثبت للجميع أنه اللّغُوي المميّز، الذي سطع نجمه في سماء العرب، إذ أحدث كتابه ''تهذيب المقدّمة اللّغُوية''، بعناية الدكتور حسن علي، هزّةً في البحث اللّغُوي، وكان قد دعا فيه إلى الاجتهاد في الكشف عن تاريخ النشوء اللّغُوي وتطوّر اللّهجة، ونظر في ذلك، ما أثار في مجالس العلم الجدل العلميّ) (18)

وقال الأستاذ وجيه فانوس: (يعتبر الشيخ عبدالله العلايلي، الذي ولد في بيروت حوالي سنة 1914، وتوفي في المدينة عينها سنة 1996، من أفذاذ علماء العربية المعاصرين، ومفكراً إنسانياً دخل من باب الدرس الفقهي الإسلامي إلى عالم الفكر الحضاري المعاصر وقضاياه.

شكّلت آراء العلايلي وكتاباته، في قضايا الحياة وأمورها، تميّزًا مذهلاً له في مجالات الفكر الاجتماعي والرؤية الحضارية بشكل عام. ولو قدّر له من يتابع أعماله هذه ويعيد دراستها وتحليلها وعرضها، لكان لهذه الأعمال أن تشكّل، بمنهجها وتوجهاتها وخلاصاتها، نبراسَ معاصرةٍ للوجودين العربي والإسلامي، لا ينضب ولا يكلّ من هداية السالكين دروب العيش ومعاناة كثير من أزماته الخانقة وتحديّاته المرعبة. لكن منهج العلايلي لم يلقَ دعمًا سياسيًا حقيقيًا من أهل «السلطة» في زمنه، الذين كان بيدهم القرار، ولا لقي ما يمكن أن يشد أزره حقًا من تأييد ناس المعارضة، في ذلك الزمن، الذين كان بمقدورهم قيادة التغيير، ولم يكن العلايلي يحظى، شخصيًا، بدعم شعبي جماهيري واسع بين الناس، فغلبت عليه صفة اللغوي بينهم حتى الثمالة، فبات وكأنه، على خلاف حقيقته، مفكّر يحصر وجوده بنخبة معيّنة من ناس زمانه من دون غيرها!

وكانت النتيجة أن فكر العلايلي أصبح، إلى حد كبير، أسير كتبه ومؤلفاته ومحاضراته وما دوّنه بعض خلصائه من أحاديثه معهم، وخاصة في المرحلة الأخيرة من حياته، كما كانت النتيجة أن بعض القوم ما برح يتناسى، أو يعمد إلى تناسي، بحارًا عميقة اللجج، كثيرة الخيرات، من فكر العلايلي واقتراحاته وتصوّراته وكتاباته عن حلول تواجهها حضارة عيشهم المعاصر. ولعل من أبرز الأدلة على هذا أن بعض مؤلفاته ظلت رهينة «الحبس» حتى زمن قريب، أو يستصعب نشرها أو حتى الوصول إليها، ومنها كتابه «أين الخطأ؟») (19)

وقال الكاتب زاهر عبد الباقي (يذهب العلايلي مذهباً مختلفاً في تعريف اللغة، بعكس ما يشاع اليوم أن اللغة ليست إلا وسيلة للتواصل، إذ يعلن بشكل قاطع أن اللغة هي مادة الفكر وخامته وهي ليست فقط وسيلة التعبير عنه "كثيراً ما يكون خيال الفكرة هزيلًا ليس على شيء من الإبداع العبقري وليس على شيء من الافتنان النافذ. ولكن لا تكاد تتناوله الألفاظ حتى تبعثه بعثًا آخر، وتخلقه خلقًا أوفى. فيه قوة ونفوذ ودقة وفحولة. وعليه فجانب من براعة الخيال يرجع إلى اللغة التي أفرغت عليه ما أفرغت وزودته بكل ما نسميه بسمو الفكرة.

من هنا كان حرصه على اللغة حرص الحي على الحياة، وقد تجاوز بالعمل والاجتهاد الشعور بالمرارة الظاهرة في كتابته على ما حل بلغتنا القومية. إذ اتخذ لنفسه شعارًا قام بتطبيقه طيلة سنوات عمره ألا وهو: "ليس محافظة التقليد مع الخطأ، وليس خروجًا التصحيح الذي يحقق المعرفة. فلا تمنعني غرابة رأي -أظن أنه صحيح- من إبدائه، لأن الشهرة لم تعد أبدًا عنوان الحقيقة، وأيضًا لا يحول بيني وبين رأي أنه قليل الأنصار، لأن الحق لم يعد ينال بالتصويت الغبي. فالانتخاب من عمل الطبيعة. هي لا تغالط نفسها. كما لا تعمد إلى التزوير) (20)

شعره

قال من قصيدته ذكرى الحسين:

عرى الدينَ من أحلاسِ شـــــــــرٍّ وفتنةٍ      دواهي طغتْ وازورَّ مِن وقعِها الهدى

فهاجَ إمامُ الحقِّ مِــــــــــــــن كلِّ وجهةٍ      وهــــــــــاجَ إمامُ الدينِ مِن كلِّ مُنتحى

فما قرَّ في وجهِ الظلومِ ومــــــــا التوى      على مِرَّةِ الـــــــــــظلّامِ أو شدَّةِ الهوى

أرادوا به ذُلّاً فــــــــــــــــــــكانَ جوابُه      زئيراً كليثِ الغـــــــــــابِ حُفِّزَ للشرى

سرى جـــــــــاهداً يستندبُ الروعَ بغيةً      كأنَّ الردى في الذلِّ والعيشَ في الردى

تــــــهاوى على موتِ الكريمِ كما هوى      على منيةٍ مَن كان يخـــــــلو إلى المنى

فمرَّ بوادي المـــــــــوتِ والموتُ طلبةٌ      فيا عجباً هل ثمَّ في المـــــــــوتِ مُقتنى

أرادوا به ضيماً وذلَّ ضراعـــــــــــــةٍ      ولكن غَذيُّ المجدِ يستعذبُ الـــــــــظما

وقالوا له نُعلي ســــــــــــــــرادقَ نعمةٍ      عليكَ إذا ما أنتَ أسلــــــــــــــمتنا اليدا

تهادى كــــــــما لو كانَ في مثلِ طربةٍ      وقــــــــــــالَ مقالَ الأعظميِّ إذا انتخى

أقدِّمُ جمعي دونَ مبدأ شــــــــــــرعتي      وأحمي حمـــــى ديني وأحبو إلى الهدى

أقدِّمُ ولـــــــــــــــــــدي والأسنةُ شُرَّعٌ      واستعذبُ المــــــوتَ الزؤامَ لهمْ رضى

أقدِّمُ مِن ولدي شبــــــــــــــــــيهُ نبيِّكمْ      وشبهُ نبيِّ الهـــــــــــدي يَفدي له الهدى

أقدِّمُه للــــــــــــــــــموتِ وهوَ كوردةٍ      تفتّحُ والدينُ الحنــــــــــــــــــيفُ له البقا

أقدِّمُ صنوي للوغى وفتــــــــــــى أبي      وهل مثله حرٌّ إذا اجتمـــــــــــعَ الورى

ومَن مثلُ عباسٍ أبي الـــــفضلِ باسلاً     ومَن مثله نبلاً ومَـــــــــــــــن مثلُه تقى

أقدِّمُ مِن قربـــــــــــــــايَ قربانَ فديةٍ      حفاظاً لدينِ اللهِ أن يُرمى بــــــــــــالدُّنى

أقدِّم منهمْ كلِّ أحمسَ ماجـــــــــــــــدٍ     أخا شرفٍ يحــــــــــــمي الحقيقةَ بالظبا

أقدِّمُ رأسي شـــــــــــــــــاخباً بدمائِهِ      على أن أمدَّ الكفَّ للـــــــــــــــذلِّ والخنا

لقد رضِيتْ نفسي لأسجرهــــــــا فدا      وقد رضيتْ نــــــــــفسي لأنحرَها حمى

ويطربني هذا الأنيــــــــــــــــنُ كأنَّه      يقيسُ شعوري مِن لـــــحونٍ على الصّبا

ولو أنَّ أهلي قُطّعـــــــــوا إرباً على      لحاظيَ كلا لا أحولُ عـــــــــــن الخطى

كذاكَ رجالاتـــــــــي الكرامُ تعاقدوا      على فدي ديــــــــــــنِ اللهِ إن كان يُفتدى

مقالٌ لعمــــري صيَّرَ الدهرَ خاشعاً      ورجّعه في كلِّ جـــــــــــــــيلٍ أخو مضا

كــــــــــــأنّي بها ذاكَ الأثير مُجوَّباً      يطوِّي النواحي والرجا بعـــــــــده الرجا

 

 

 

فيا (كربلا) كهفَ الإبـاءِ مُـجـسَّـمـا     ويا (كربلا) كـهـفَ الـبطولةِ والــــــــعلا

ويا (كربلا) قـد حـزتِ نـفـسـاً نبيلةً     وصُيِّرتِ بعد الـــــــيومِ رمزاً إلى السما

ويا (كربلا) قد صِرتِ قبلةَ كلِّ ذي     نـفـسٍ تـصـاغـرَ دونَ مـــــــــبـدئها الدنا

ويا (كربلا) قـد حـزتِ مجداً مؤثلاً     وحـــــــــزتِ فخاراً ينقضي دونه المدى

فـخـارٌ لـعـمـري سـطّـرته ضـحـيةٌ     فـكـانَ لـــــــــمـعنى المجدِ أعظمَ مُجتلى

فـــــــــللمسلمِ الأسمى شعارٌ مُقدَّسٌ      هُما قبلتانِ للــــــــــــــــــــــصلاةِ وللإبا

فأكرمْ بـــــــبيتٍ كان للناسِ شرعةً      ومُنبثقاً مِن خـــــــــــــــــطَّةِ النبلِ والفدا

فداءٌ لعمري ظــــــــــلَّ تمثالَ نهبةٍ      يُقدِّسُه الروَّادُ مِن كلِّ مُنــــــــــــــــــتحى

يطوفونَ في أرجائِه بـــــــــــقداسةٍ     كأنَّ لها وحياً إلى النـــــــــــــفسِ والنُّهى

كذلكَ سرُّ الكبرياءِ إذا ســـــــــمتْ      وذلكَ سرُّ الــــــــــــــــعبقريِّ إذا انتضى

.............................................................

1 ــ دائرة المعارف الحسينية / المدخل إلى الشعر الحسيني للكرباسي ج 2 ص 399 ــ 401 عن كتاب الإمام الحسين للعلايلي ص 107

2 ــ عبد الله العلايلي: ربع قرن على رحيل الشيخ الأحمر ــ محمد ناصر الدين ــ جريدة الأخبار بتاريخ السبت 13 / 11 / 2021 / موقع معرفة / موقع يا بيروت / موقع ويكيبيبديا

3 ــ مقدمة كتاب تاريخ الحسين للعلايلي ــ دار الجديد 1994 ص 7 ــ 8

4 ــ كتاب: سمو المعنى في سمو الذات، أو أشعة من حياة الحسين للعلايلي ــ مؤسسة دار الجديد ــ بيروت ص 19

5 ــ نفس المصدر ص 121

6 ــ تاريخ الحسين للعلايلي ص 225

7 ــ أشعة من حياة الحسين ص 26

8 ــ الإمام الحسين بيروت ــ 1972 ص 347 ــ 348

9 ــ الشيخ العلايلي داعية وحدة تجاوز المذهبية إلى الأفق الإسلامي الرحب / الكلمة التي ألقاها الشيخ نعيم قاسم في ذكرى مئوية العلامة الشيخ الدكتور عبد الله العلايلي، عن كتابه أشعة من حياة الإمام الحسين في ندوة الإمام الحسين (ع) في فكر العلامة الشيخ عبد الله العلايلي في 10 / 12 / 2014

10 ــ نفس المصدر

11 ــ العلامة الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه عن الامام الحسين (ع) ــ موقع مؤسسة الأبرار الإسلامية بتاريخ 13 / 10 / 2016

12 ــ أين الخطأ ــ الطبعة الثانية 1992 دار الجديد، بيروت ص 14

13 ــ نشوء العربية وتطور مصطلحها في مذهب العلايلي اللغوي ــ موقع ملتقى الأديان والثقافات نشوء العربية وتطور مصطلحها في مذهب العلايلي اللغوي، محاضرة ألقيت في الندوة التكريمية للعلامة الشيخ عبد الله العلايلي بدعوة من ملتقى الأديان والثقافات بتاريخ 28 / 2 / 2017 

14 ــ عبد الله العلايلي: ربع قرن على رحيل «الشيخ الأحمر» / جريدة الأخبار بتاريخ 13 / 2 / 2021

15 ــ العلامة عبدالله العلايلي فكر شمولي وروح منفتحة على الثقافات / صحيفة الجيش العدد 220 - تشرين الأول 2003  

16 ــ عبد الله العلايلي/ ملاحق المدى بتاريخ 11 / 11 / 2014

17 ــ حصاد من أقوال الباحثين في مؤلّفَات الشَّيخ عبد للهّ العلايلي / مقال لوفيق عزيزي ــ المركز التنموي للبحوث والإنماء

18 ــ نفس المصدر

19 ــ جولة في العطاء الفكري للشيخ عبدالله العلايلي مجلة العربي العدد 638

20 ــ عبدالله العلايلي.. من فقه اللغة إلى فقه الدين / موقع ألترا صوت بتاريخ 6 / 1 / 2017

كما كتب وترجم للعلايلي كثير من الأعلام وأجريت معه وعنه كثير من الحلقات التلفزيونية والوثائقية، وأقيمت له الندوات التكريمية وممن ترجم له:

أحمد السويد ــ الشيخ عبد الله العلايلي مفكراً ولغوياً وفقيهاً / دراسات وشهادات / صدر عن اتحاد الكتاب اللبنانيين، دار ابن زيدون ــ بيروت 1984

الدكتور فايز ترحيني ــ الشّيخ عبد الله العلايلي والتجديد في الفكر المعاصر ــ منشورات عويدات بيروت 1985

جوزيف الخوري طوق ــ الشيخ الأحمر العلامة عبد الله العلايلي / في أربعة أجزاء. دار نوبليس ــ 2000

الدكتور حكمت كشلي فواز ــ الشيخ عبد الله العلايلي ومعجماته اللغوية ــ دار الكتب العلمية ــ بيروت ، لبنان 1996

جنان بلوط ــ الأبعاد الفكريّة والأدبيّة في نِتاج عبد الله العلايلي ــ دار ومكتبة المعارف 2011

أحمد هارون ــ المسألة اللبنانية عند الشيخ عبد الله العلايلي ــ دار البراق ــ مكتبة الشرق 2010

حامد عبد الله ــ عبد الله العلايلي.. "المعجم" الذي تُرك مهجوراً لعقود ــ جريدة العربي الجديد بتاريخ 24 / 8 / 2018

مصباح دبليز، إلياس الحلبي ــ التجديد الديني لدى الشيخ عبد الله العلايلي والمطران غريغوار حداد : دراسة تحليلية مقارنة

شاكر النابلسي / المال والهلال ص 309

داليا عبد الجواد حسن / أثر الشيخ العلايلي في البحث المعجمي وكيفية الاستفادة منه ــ رسالة ماجستير

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار