308 ــ عبد الله البرقي: قُتل سنة (245 هـ / 859 م)

عبد الله البرقي: قُتل سنة (245 هـ / 859 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (36) بيتاً:

إذا ذَكـرت نفسي مصيبة (كربلا)     وأشلاءَ ســـاداتٍ بها قد تفرَّتِ

أضاقتْ فؤادي واستباحتْ تجلّدي     وعظمَ كربـي ثم عيشي أمرَّتِ

أريقتْ دمـاءُ الـفـاطـمـيـيـنَ بالملا     فلو عقلتْ شمسُ النهارِ لخرَّتِ (1)

الشاعر:

قال السيد محسن الأمين في ترجمته: (أبو محمد عبد الله بن عمار البرقي قتل سنة 245 وذلك أنه وُشي به إلى المتوكل وقُرِئت له قصيدته النونية التي سيأتي شيء منها فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوانه ففعل به ذلك فمات بعد أيام... كما ذكره الخوارزمي في رسالته لأهل نيشابور والثعالبي والحموي، كان شاعراً أديباً ظريفاً مدح بعض الأمراء في زمن الرشيد إلى أيام المتوكل وأكثر في مدح الأئمة الأطهار حتى جمع له ديواناً أكثره فيهم وحرق) (2)

أما قصيدته النونية فلم تذكر لنا المصادر منها سوى خمسة أبيات هي:

فـهـوَ الذي امتحنَ اللهُ القلوبَ به     عـمّـا يجمجمنَ من كفرٍ وإيـمـانِ

وهوَ الذي قد قضى اللهُ العليُّ له     أن لا يـكـونَ لـه فـي فـضلِه ثاني

وإن قـومـاً رجـوا إبـطـالَ حقّكمُ     أمسوا من اللهِ في سخطٍ وعصيانِ

لن يـدفـعـوا حـقّـكمْ إلا بدفـعـهـمُ     مــا أنـزلَ اللهُ مـن آيٍّ وقــــــرآنِ

فـقـلـدوهـا لأهـلِ الـبـيـتِ إنَّـهــمُ     صـنـوُ الـنـبـيِّ وأنتمْ غير صنوانِ (3)

ومما يدل على تضلّعه في اللغة ونبوغه في الشعر ما رواه حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قلت في معنى عرض لي: (وُصف الصدُّ لمن أهوى فصد) ثم أجبلت فمكثت عدة أيام مفكراً في الاجازة فلم يتهياً لي شيء، فدخل عليَّ عبد الله بن عمار فأخبرته فقال مرتجلاً (وبدا يمزح في الهجرِ فجد) (4)

وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (وسماه في المعالم: علي بن محمد، وكناه: أبا عبد الله وليس به كما ذكره الخوارزمي في رسالته لأهل نيشابور، والثعالبي والحموي. كان شاعراً أديباً ظريفاً، مدح بعض الأمراء في زمن الرشيد إلى أيام المتوكل، وأكثر في مدح الأئمة الأطهار حتى جمع له ديوانا أكثره فيهم وحرق...) (5)

أما شعره فكل ما تبقى منه هو الأبيات النونية وأبيات يائية، وهذه القصيدة التي قدمناها:

إذا جاء عـاشـورا تـضاعَف حَسْرَتي     لآلِ رسـول اللهِ وانــهَـلَّ عَـبْـرَتــي

هوَ الـيـومُ فـيـه اغْبَرَّتِ الأرضُ كُلّها     وجـومـاً عـليهم والسماءُ اقْشَعَـرَّتِ

مَـصـائـبُ ساءتْ كُلَّ مَن كان مُسلماً     ولـكن عـيـون الـفـاجـريـنَ أُقِـــرَّتِ

إذا ذَكَـرَتْ نفسي مُـصـيـبةَ (كربـلا)     وأشـــلاءَ سـاداتٍ بـهـا قـد تــفــرَّتِ

أضاقَتْ فـؤادي واستـباحَتْ تَـجَـلُّـدي     وعُـظِّـمَ كَـرْبي ثُمّ عَـيْـشـي أمَــرَّتِ

أُريـقَتْ دماء الفـاطـمـيّـيــن بـالـمــلا     فـلـو عَـقَلـتْ شـمـسُ النهـار لَـخَرَّتِ

ألا بـأبـي تـلـكَ الـدمـاء الـتي جَـرَتْ     بأيدي كـلابٍ في الـجـحـيمِ اسـتقرَّتِ

توابيتُ مـن نـارٍ عـلـيـهم قـد اطْبِقَتْ     لـهـم زَفـرةٌ فـي جـوفِهـا بـعـد زفـرةِ

فـشـتّـانَ مَنْ في النارِ قَـد كان هـكـذا     ومَن هو في الفِردَوسِ فـوق الأسِرَّةِ

بنفسي خـدودٌ فـي الـتُرابِ تَـعَــفّرَتْ     بـنـفـسـي جُـسـومٌ بـالـعـراء تَـعَـرَّتِ

بنفسي رؤوسٌ مُـعْـلَـياتٌ على الــقَنا     إلـى الـشام تُـهـدى بـارِقـاتُ الأسِـرَّةِ

بنفسي شِـفـاهٌ ذابـلاتٌ مِـن الــظــمـا     ولـم تـحـظَ مـن مـاءِ الـفـراتِ بقطرةِ

بنفسي عـيـونٌ غـائـراتٌ شواخــصُ     إلـى الـمـاء مـنـهـا نَـظـرةٌ بعد نظرةِ

بـنـفـسـيَ مــن آلِ الـنــبــيِّ خــرائــدٌ     حـواســرَ لـم تُـقْـذَفْ عـلـيهـا بسُترةِ

تُـفـيـضُ دمـوعـاً بـالدمـاء مَـشـوبــةً     كـقـطــرِ الـغوادي مِـن مـدامـع ثـرَّة

علـى خيرِ قتلى من كـهـولٍ و فـتـيـةٍ     مـصــالـيـتَ أنـجـادٍ إذا الخيلُ كَرَّتِ

ربـيـعُ الـيـتـامى والأراملِ في المـلا     مـدارسُ لـلــقــرآنِ فـي كـلّ سَـحرةِ

وأعـلامُ ديـنِ الـمــصــطـفى وولاتُـهُ     وأصـحـابُ قُـربـانٍ وحـجّ وعـمـرةِ

يـنـاديـنَ يـا جـدّاه أيّـةُ مِــــــحْـــــنَـةٍ     تـراهـا عــلــيــنـا مــن أمـيّـة مَـرّتِ

ضَـغـائـنُ بدرٍ بعـد سـتّـيـن أظْـهِرَتْ     وكـانـت أُجِـنَّـتْ في الحشا وأُسِرَّتِ

شَهِدْتُ بـأن لـم تـرضَ نـفـسٌ بــهـذه     وفـيـهــا مـن الإسـلامِ مــثـقـال ذرّةِ

كأنّي ببِنْتِ المصطفى قـد تـعـلَّـقَـــتْ     يـداهـا بساقٍ العرش والـدمعَ أذْرَتِ

وفي حجرِها ثوبُ الحسينِ مُضَرّجاً     وعـنـهـا جـمـيع الـعـالـمـيـن بحسرةِ

تـقـول أيا عدلُ اقْضِ بيني وبينَ مَن     تَعَدّى عـلـى ابْـني بعد قـهـرٍ وقسْرَةِ

أجـالـوا عـلـيـه بـالـصـوارم و القَنـا     وكـم جـالَ فـيـهـم من سـنـانٍ وشفْرَةِ

عـلـى غـيـرِ جُـرمٍ غير إنكـارِ بيعةٍ     لـمُـنْـسَـلِـخٍ مِـن ديـن أحــمــدَ عُـــرَّةِ

فـيـقْـضي على قـومٍ عـلـيـه تـألّـبـوا     بـسـوءِ عذابِ الـنـارِ مـن غـيرِ فترةِ

ويُـسْـقَـونَ مـن مــاءٍ صديـدٍ إذا دنـا     شـوى الـوجـهَ والأمـعـاءُ منه تَهَرَّتِ

مـودّة ذي القربـى رَعَوها كما ترى     وقـول رسـولِ اللهِ أُوصـي بـعـتـرتي

فـكـم فـجـرةٍ قــد أتـبـعـوهـا بفجـرةٍ     وكـم غـدرةٍ قـد ألـحـقــوهـا بــغــدرةِ

هُمُ أوّل الـعـادين ظلماً على الورى     ومَـن سـار فـيـهـم بـالأذى والمَضَرّةِ

مَـضَـوا وانْقَضَتْ أيّامهم وعهودهم     سـوى لـعـنـةٍ بـاؤوا بـهــا مـسـتـمرّة

لآلِ رســولِ اللهِ وُدّي خــــالـــصـاً     كـمــا لـمـوالـيـهـم ولائــي ونُـصرتي

وهـا أنـا مُـذْ أدركـتُ حّـدّ بـلاغـتي     أُصَـلّـي عـلـيـهـم فـي عَـشِيِّ وبُكْرَت

وقـول الـنـبـيّ الـمـرءُ مع من أحبّه     يُـقَـوّي رجـائـي فـي إقـالــة عَـثْـرَتي

على حُـبّـهم يا ذا الـجـلال تَـوَفّـنـي     وحَـرِّمْ عـلـى الـنيرانِ شَيبي وكَبْرَتي

وذكر له السماوي هذه الأبيات:

عليٌّ إماميَ بـــعدَ الرسولِ     ألا طـابَ مَن كانَ والى عليا

فمَن وحّـــــدَ اللهَ مِن قبلهم     ومَن كانَ صامَ وصلّى صميّا

وزكّى بخاتمِه في الصلاةِ     ولم يك طــــرفة عينٍ عصيّا

لقـد فازَ مَن كـان مولىً له     وقد نالَ خيــــراً وحظاً سنيا

وخــــــابَ الذيـنَ يعادونه     ومَن كانَ في حـــــبِّه ناصبيا (6)

........................................................................................

1 ــ ديوان القرن الثالث ص 41 ــ 47 / مقتل الخوارزمي ج 2 ص 155 ــ 157 / بحار الأنوار ج 45 ص 280 ــ 281 / ذكر منها (14) بيتاً في أدب الطف ج 3 ص 281 ــ 282 / المنتخب ص 67 ــ 68 / ناسخ التواريخ ج 4 ص 221 / مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 328 و ج 4 ص 126

2 ــ أعيان الشيعة ج 8 ص 63

3 ــ نفس المصدر ص 63 ــ 64 / الغدير ج 4 ص 140

4 ــ أعيان الشيعة ج 8 ص 63

5 ــ الطليعة ج 1 ص 131

6 ــ نفس المصدر والصفحة

كما ترجم له:

ابن شهرآشوب / مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 328 و ج 4 ص 126

أغا بزرك الطهراني / الذريعة ج ٩ ص ٧٤٦

ميرزا محمد تقي سبهر / ناسخ التواريخ ج 4 ص 221

السيد محمد علي الحلو / أدب المحنة ص 73 ــ 74

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار