283 ــ فليح حسون الجشعمي: توفي (1296 هـ / 1878 م)

فليح حسون الجشعمي: (توفي 1296 هـ / 1878 م)

قال من قصيدة:

مَن كوَّرَ القمرَ المنيـ     ـرَ وألزمَ الشمسَ الأفولا

خطبٌ ألمَّ بـ (كربلا)      فـأحـالَ بـكـرتَـها أصيلا

ثم استفاضَ فطبَّقَ الـ     ـدنـيـا شجـىً ميلاً فميلا (1)

 وقال من أخرى:

أيّ يومٍ معظّمٍ لا يضاهي      حلَّ في (كربلا) فجلَّ بلاها

أيّ يـومٍ به هلالُ المعالي      خرَّ من أفقِها وغابتْ ذُكاها

أيّ يـومٍ بـه الـكآبةُ عمَّتْ      جملة الناسِ لا سيما آلَ طه (2)

 وقال:

تباً لساكنِ (كربلا) يا ليتها انـ     ـقلبتْ أو اصطلمَ الردى سكانَها

قـتـلـتْ أجَّـلَ الناسِ أنداها يداً      أوفـى الـبـريَّـةِ عـزَّةً إنـسـانَـهــا

مـقـدامَ كـلِّ كـريـهـةٍ مرهوبةٍ      ودلـيـلَ كـلِّ تـنـوفـةٍ وأمــانَـهــا (3)

الشاعر:

الشيخ فليح بن حسّون بن رحيم بن ثويني بن عبد العزيز بن حبيب بن صقر بن حمود بن كنعان بن ناصر بن مهنا الجشعمي. (4) وآل جشعم من الأسر الكربلائية العريقة انقسمت بعد وفاة حبيب بن صقر عام (1214 هـ / 1799 م) فسكن قسم منها كربلاء برئاسة عبد العزيز بن حبيب، ويمَّم القسم الثاني منها الناصرية برئاسة شبيب بن حبيب وسكن فيها. (5)

ولد الشيخ فليح الجشعمي في كربلاء وكان من أبرز شعراء عصره، درس العلوم الدينية والعربية على يد علماء كربلاء وكانت له غرفة صغيرة في صحن أبي الفضل العباس (عليه السلام) يعلم فيها الأولاد القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم والعلوم الدينية، كما كان يزاول في هذه الغرفة مهنته الأخرى وهي خط المصاحف الشريفة.

وكان الجشعمي وابنه محمد من رواد ديوان آل الرشتي وكانا من أعضاء مجلسه الحافل بكبار أدباء كربلاء وكانت تربطهما بالسيدين كاظم وابنه أحمد الرشتي علاقة وثيقة، ولكن هذه العلاقة اصطبغت بطابع الحزن بعد مقتل السيد أحمد الرشتي والشيخ محمد نجل الشاعر فليح الجشعمي عام (1295 هـ / 1888 م) فأثرت هذه الحادثة فيه كثيراً ورثاهما بمراث مفجعة ولم يطل عمره بعدهما غير سنة واحدة وقد مات ودفن في كربلاء. (6)

وبلغت مراثيه أن خُص قسم من ديوانه في رثاء الرشتي وولده كما خُص قسم من ديوانه في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام).

يقول السيد سلمان هادي آل طعمة: (كان الشاعر يتعاطى فني الكتابة والشعر وكان مجيدا وبارعا في كليهما في حين أن الجمع بين الفنين والبراعة فيهما قلما يتفق لأحد، امتاز شاعرنا بثقافة واسعة تتسم بمستوى جمالي وفكري عال، تنوعت فيه القصائد من الشعر التأملي إلى الوجدانيات إلى شعر الرثاء والمدح والهجاء، ومن الخصائص التي التزم بها الشاعر سهولة العبارة وجزالتها، والاطناب في الألفاظ والجمل والاستطراد، إلا أن قصائده كلها تعبر عن معاناة الشاعر وتفاعله مع البيئة، ومهما يكن من أمر فإن شعره يحتل الصدارة، لما فيه من لوعة صادقة وحرارة عاطفة وخلجات حادة وأحاسيس مرهفة .....) (7)

وقال السيد محمد حسن مصطفى الكليدار: (لعب الشاعر فليح دوراً كبيراً في ارتياده أندية الأدب ومجالسه مُتّخذاً من شاعريته سبيلاً مُيّز به على أقرانه من الشعراء المعاصرين...) (8)

وقال الشيخ موسى الكرباسي: (يحفل شعر الشيخ فليح بنهج واضح تتسم به قوة العبارة وزخارة المعاني ولطافة السبك وإن جنح في أسلوبه لأغراضه المتنوعة إلى مجاراة الأقدمين وتقليدهم نسجا وفكرة على أن صدقه واضح في لونه الشعري وعاطفته المحتدمة في الرثاء واضحة أيضا فقد لا أعدو الحقيقة إذا قلت أن الرثاء يمثل جودة شعره لما تخلل سطوره من عواطف جياشة ومن مشاعر ملتهبة صادقة) (9)

وقال عنه عبد العزيز البابطين في معجمه: (وقصائده تنمّ على ثقافته الدينية، واهتماماته بالبديع والصنعة، له مقطوعات نظمها على ترتيب حروف الهجاء مع توحيد القافية....)

شعره

للجشعمي ديوان مخطوط لدى أفراد أسرته ويوجد منه نسخة مصورة عند السيد سلمان آل طعمة (10)

يقول من قصيدة في مدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يبدأ كل بيت منها بحرف (الشين):

شـيَّـدَ الـديـنَ عـلــيُّ الـمـرتـضى      ورمـى الــشـركَ بــغــمٍّ ولــمَــدْ

شـاهـدَ الـحـقِّ بـمــرأى قــلــــبِـهِ      فـلـذا فـــاقَ عـلـى كـــلِّ أحـــــدْ

شُدَّ أزرُ الـمصطــفى الهـادي بـه      فـهـوَ لـلــهــــادي مِـن اللهِ مَــدَدْ

شـرحَ الــجــبـارُ فـــيــه صــدرَه      هـكـذا نـصَّ ألــمْ نـــشـرحْ وَرَدْ

شـاعَ فـي الخـلقِ جــمـيــعــاً أنّـه      كـان لـلـديـنِ الـحـنــيـفـيِّ عَـمَـدْ

شــعــشــــعَ الـكونُ سـنـا غـرَّتِـهِ      فـضـيـاءُ الـشـمـسِ مـنـه مُستمدْ

شـرَّفَ الـــكــعــبـةَ فـي مـيـلادِهِ      ذاكَ واللهُ لــفــضــلٌ لا يُــحَـــــدْ

شـابَـهَ الـمـخـتـارَ في حالاتِـهِ الـ     ـلاتيْ لا تُحصى بحرصٍ أو بِعَدْ

شـــقَّ خـلّاقُ الـورى من اسـمِـه      اسـمَـه الـسـامـي ونـاهـيـكَ سَعَدْ

شــارعَ الــحــقِّ ارتـضـاءً عـلماً      لـلـورى أكـرمْ بـهِ مـن مُـعـتـمـدْ

شتَّتَ الـشركَ بـمـاضـي عـزمِـه     حـيـثُ مـا كـانَ لـه كـفـؤاً أحـــدْ

شـاهـرٌ سـيـفـــاً بــهِ قـامَ الـهـدى      وبـرى مـرحـبَ فـيـهِ وابــنَ وَدْ

شـغـلَ الـشـركَ بـهِ عـن مـكرِهمْ      بـالنبيِّ المصطفى الهادي وَصَدْ

شـرتِ الـخـيــلُ مـتـى أبـصـرنَه      في الـوغى فرَّتْ كحُمرٍ من أسَدْ

شـأنـكَ الـحـقُّ أميرُ الـنـحـلِ والـ     صدقُ والـرفقُ على طولِ الأمَدْ

شمسُ أفقِ الدينِ يا مولى الورى      أنتَ فـي حـرزٍ وكـهـفٍ وسَـنَــدْ

شـاعـرُ الـقـومِ إذا مــا جـاءهــمْ      مـادحاً يـبـغـي نــوالاً لا يُــــــرَدْ

شـفَّ جـسـمـي أمـلـي في خلجةٍ      ارتجـيـهـا مـنـكَ يـا أوفـى الـعُدَدْ

شـافـعـي أنـتَ وذخـري يــوم لا      والدٌ يـنـفــعُ فــيـــهِ لا ولـــــــــدْ

شـرفـي فـي مـدحِـكمْ حيثُ بـكمْ      نـفحةٌ صارتْ كمسكٍ أو كَـ (نَدْ)

شـنَّـفَ الأسـمـاعَ طـرَّاً فـي فـمٍ       حــين والاكـمْ ضـيـاءٌ وشَــهَــــدْ

شـمـلـتـكـمْ صـلــواتُ اللهِ مـــــا      قــامَ للهِ مُــصَـــلٍّ وقَــــعَــــــــــدْ (11)

..............................................................

1 ــ شعراء كربلاء ج 4 ص 32

2 ــ نفس المصدر ص 33

3 ــ نفس المصدر ص 35

4 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء / موسى الكرباسي ص 179

5 ــ نفس المصدر والصفحة

6 ــ شعراء كربلاء ج 4 ص 24

7 ــ نفس المصدر ص 25

8 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 181 عن مدينة الحسين ج 2 ص 8

9 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 181

10 ــ شعراء كربلاء ج 4 ص 25

11 ــ نفس المصدر ص 27 ــ 28

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار