277 ــ عبد الحسين الأزري: (1298 ــ 1374 هـ / 1880 ــ 1954 م)

عبد الحسين الأزري: (1298 ــ 1374 هـ / 1880 ــ 1954 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (35) بيتاً:

يـدعـونَ بـاسـمِ مـحـمـدٍ وبـ (كـربلا)      دمُه غدا بـسـيـوفِـهــم مـطلولا

تمضي الدهورُ ولا ترى إلّاكَ في الد     نيا شـهـيـدَ الـمـكـرماتِ جليلا

وكـفـاكَ تـعـظـيـمـاً لـشـأوِكَ مـوقــفٌ      أمسى عليكَ مدى الحياةِ دليلا (2)

الشاعر

عبد الحسين بن يوسف بن محمد بن محمود الحضيري التميمي الأزري، شاعر وكاتب وصحفي وسياسي من أعلام الفكر والأدب في العراق، ولد في بغداد، (2) وقيل في لقبه (الأزري) أنه ينتمي إلى أسرة الأزري البغدادية المعروفة التي منها الشاعران الأزريان الكبيران محمد كاظم ومحمد رضا، وقد جاء هذا اللقب نسبة إلى عمل جد هذه الأسرة وهو بيع (الأزر) ــ جمع إزار ــ من الصوف والقطن.

يقول الأستاذ علي الشرقي عن هذه الأسرة: (أما الشاعر ــ أي عبد الحسين الأزري ــ فإذا عرفت أنه الماثل من آل الأزري أمكنك أن تعرف أن هذا الجوهر من أي معدن. إن أسرته الكريمة شجرة مباركة نهضت في العراق وارفة الظلال منذ قرنين، نهضت وملء غصونها وَرَق وَوُرق، وإن جد هذه الأسرة الجليلة هو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبد الصمد بن علي التميمي البغدادي المتوفى سنة (1162 هـ / 1748 م) وهو الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزر المنسوجة من القطن أو الصوف وقد نبغ من هذه الأسرة في العلم والأدب عدد ليس بالنزر وأول لامع منهم: هو الشيخ كاظم، فالشيخ محمد رضا، فالشيخ يوسف الأول، فالشيخ مسعود فالشيخ مهدي فشاعرنا عبد الحسين.

وفي القرن الثالث عشر للهجرة تطلع من هذه الأسرة في التجارية العراقية والحجازية رجال عديدون منهم: الحاج حسين والد العلامة الشيخ مهدي، فالحاج يوسف الثاني والد شاعرنا ــ أي عبد الحسين ــ، فالشاعر نفسه، وأخوه الحاج محمد.

ثلاثة أجيال وآل الأزري يطلعون في أفق الأدب العراقي ثلاثة نوابغ من الشعراء أولهم الشيخ كاظم وآخرهم الحاج عبد الحسين وواسطة العقد هو الشيخ محمد الرضا ...) (3)

وهناك رأي آخر يقول أن لقب الأزري الذي أطلق عليه نسبة لأخواله، يقول الأستاذ جعفر الخليلي: (والحاج عبد الحسين بن الحاج يوسف بن الحاج محمد بن الحاج محمود الحضيري التميمي، والحضيري نسبة لهذه الأسرة من قبيلة بني تميم التي تعتبر من أقدم قبائل العرب في الجزيرة العربية، أما الأزرية التي طغت على ألسنة الحضيرية التميمية فمنشؤها أن أحد الجدود الحضيريين قد تزوج ابنة لأخي الشاعر الكبير الشيخ كاظم الأزري فانتقلت الزوجة ومعها نسبتها (الأزرية) إلى بيت الحضيري وصار هذا البيت يعرف ببيت الأزري، وإلّا فليس لهذا البيت من علاقة بالشاعر الكبير الشيخ كاظم الأزري وقد وقع غير واحد من المؤرخين في الاشتباه حين نسبوا الشيخ كاظم الأزري إلى هذه الأسرة أو نسبوها له ...) (4)

وقد تبنّى السيد جواد شبر هذا الرأي حيث قال في ترجمة الشاعر عبد الحسين الأزري حيث قال: (لقب الشاعر بالأزري من جهة أخواله الذين منهم الملا كاظم الأزري المتوفى ١٢١٢هـ) (5)

ويقول شبر أيضاً: (يتخيل البعض أنه من أسرة الحاج كاظم الازري الشاعر الشهير والذي تقدمت ترجمته ـ وليس بين الأسرتين علاقة إلا علاقة الأدب دون النسب، حدثني الصديق الأستاذ جعفر الخليلي أنه سمع من الحاج عبد الحسين الأزري نفسه أنه ينفي هذه النسبة عن طريق الآباء والأمهات وليس في ذلك غرابة فلقب الأزري نسبة إلى بيع الأزر وقد يشترك الآلاف من الناس بهذه المهنة دون أن تكون بينهم قرابة أو يكون هنالك نسب) (6)

ومع الاعتماد على كلا الرأيين فأن عبد الحسين الأزري لم تقل شاعريته عن الشاعرين الكبيرين كاظم ومحمد رضا إن لم يكن قد فاقهما في بعض الأغراض، كما أن لتميم سجل حافل بالمآثر ومليء بالأسماء الكبيرة يقول الخليلي: (وليس من الغريب أن يخرج من تميم شاعر كالحاج عبد الحسين الأزري وما دامت تميم قد أخرجت لنا من أئمة الشعر وكعبته في دنيا العرب وتاريخها شاعراً كالفرزدق ....) (7)

في دنيا الأدب والسياسة

درس الأزري في بداية حياته كما يدرس أقرانه عند الكتاتيب فلمّا تعلم القراءة والكتابة بدأ ينهل من الكتب ودواوين شعراء العرب الكبار، ويروي ظمأه من العلم في المجالس الكثيرة في بغداد والكاظمية كمجلس آل كبة وآل ياسين إضافة إلى المنابر الحسينية التي كان لها شأن كبير في الثقافة الأدبية (8) كما درس على الشيخ شكر قاضي الجعفرية شيئاً كثيراً من علوم الأدب والدين (9)

وكان الجو السائد آنذاك يعيش حالة الاضطراب السياسي والفكري، وكان من الطبيعي أن تنشأ حركة أدبية في ظل هذه الأجواء فدوّى صوت الأزري عالياً وقوياً في الأوساط الأدبية والاجتماعية والسياسية، فكان نشطاً في دعم القضايا الإسلامية والدفاع عن الشريعة الحقّة والمطالبة بحقوق الشعب والتحريض ضد المستعمرين فانضم إلى حزب الائتلاف بعد صدور الدستور العثماني سنة (1908) (10)

أصدر الأزري صحيفة الروضة ــ الأدبية السياسية ــ عام (1327 هـ / 1909) لكنها عطلت من قبل الحكومة، فأصدر صحيفة مصباح الشرق ــ السياسية ــ عام (1910)، لكنها عُطلت أيضاً بعد سنة من صدورها فأصدر صحيفة المصباح ــ السياسية ــ عام (1911)، وكان يدير إدارة مجلة (العلم) التي أصدرها العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني في 1328 / 1910 عندما أصدرها أول الأمر في بغداد، ثم اصدر جريدة المصباح في سنة 1329 وكانت سياسية، وقد ظهر العدد الاول منها في سابع آذار سنة 1911 ثم أصدر جريدة (المصباح الأغر) وبرز عددها الأول في 14 تشرين الثاني 1911 واستمرت تصدر بانتظام حتى قامت الحرب العالمية الأولى فعطلتها الحكومة ونفت صاحبها إلى الأناضول، وفي سنة 1343 أصدر مجلة (الإصلاح) شهرية صدر عددها الأول في غرة محرم الموافق ثاني آب 1924 وكان نادي الاصلاح في بغداد يتولى إدارتها والإنفاق عليها، وقد توقفت بعد صدور العدد الثاني على الرغم من إقبال الناس عليها) (11)

يقول جعفر الخليلي: (ومن كثرة استعماله كلمة المصباح وتعلقه بالإضاءة نعلم أن هناك دافعا من العقل الباطني يدفعه إلى إمعان النظر في الظلام الذي يكتنف الشعب العراقي بحيث أصبح في أشد الحاجة إلى النور ولو ببصيص يكشف له بعض معالم الطريق فكانت هذه المصابيح التي دافع فيها عن حقوق المظلومين وشجب فتك الأقوياء من الناس والحكام بالضعفاء..) (12)

ونتيجة لنشاطه السياسي فقد نفاه العثمانيون إلى الأناضول في الحرب العالمية الأولى عام (1915)، وقضى سنتين في المنفى تعلم خلالهما التركية والفرنسية، وكان يجيد الفارسية أيضاً. كما تم نفيه إلى جزيرة هنجام من قبل الإنكليز لدوره الفاعل ثورة العشرين (13) وله قصيدة في رثاء زعيم الثورة الميرزا محمد تقي الشيرازي يتبين من خلالها مدى تفاعله مع الثورة وحماسه في مقارعة الاحتلال الإنكليزي، وتفجّعه وتألّمه لفقدان قائدها يقول الأزري في قصيدته التي ألقيت في الحفلة التأبينية التي أقيمت في الكاظمية يوم 4 / ذي الحجة / 1338 هـ:

مـنـعـاكَ عـزَّ عـلـى العراقِ الدامي      وأمـضَّـه يـا خــادمَ الإســـــلامِ

صدعَ القلوبَ حديثُ نعيكَ مُذ خلتْ      دارٌ حـمـيـتَ ذمـارَهـا من حامِ

كـادتْ تـفـنِّـدُه الـمــســامـعُ خـشـيـةً      مـن عـبـئـهِ بـفـــــــوادحِ الآلامِ

حتى إذا حقَّ المصابُ اسـتـسـلـمـتْ      لـيـدِ الحوادثِ أيَّـمـا اسـتـسـلامِ

أقـدسْ بــيــومٍ قـمـتَ فـيـه مـدافـعـاً      عن حقّه الـمـغصوبِ خيرَ قيامِ

قد كانَ أشـرفَ مـوقـفٍ لـكَ عـندما      لم يبقَ إلّا منطقُ الـصـمـصــامِ

إذ جـئتَ من فتوى الجهادِ بصـدمـةٍ      ذهبتْ بغطرسةِ العـمـيدِ السامي

أدّيـتَ واجـبَــكَ المـــقــدِّسَ مـثـلـمـا     أدّى الـحجيجُ فريـضـةَ الإحرامِ

ثـارَ الــفــراتُ بــأهــلهِ وتـحـفَّــزوا     طوعـــاً لأمرِكَ وهـوَ أمرُ إمـامِ

عرفوا مـقـامَكَ بـيـنـهـم فـاسـتـقـبلوا     فتــــــواكَ بالإجلالِ والإعـظـامِ

وبـذاكَ قـد أصـبـحـتَ مرجـعَ أمـرِهِ      ومـدارَ ثـورتِـهِ عـلـى الـظـــلّامِ

زعـزعـتَ أركانَ الـقـيـادةِ فـانـحنى      رأسُ الـحـسـامِ لـصـولةِ الأقلامِ

ومُذ انـتـفضتَ وأنـتَ عـظـمٌ واهـنٌ      مـثّـلـت روحَ الـعــزمِ والإقــدامِ

فـكـأنَّ قـلـبَـكَ كــان فــي إقــدامِــــهِ      زُبُـرَ الـحـديـدِ بـقــالـبِ الأجسامِ

يـا جـامـعَ الـضـدَّيـنِ فــي أفــعـالـهِ      عجزَ الضعيفِ وقدرةَ الضرغامِ

أغمضتَ عينَكَ والمخاطرُ لـم تـزلْ      والـعـيـنُ عبرى والقلوبُ دوامي

والـشـعـبُ فـي وجلٍ يهدِّدُه الـقــضا      بزحامِ جـيـشٍ لـلـخـطـوبِ لـهـامِ

وقفتْ به الـبـلوى كـمـوقـفِ طـارقٍ      مـا بـيـنَ نـارِ وغـىً وبـحـرٍ طامِ

ولـسـوءِ طـالـعِـهِ تـسـرَّعتَ الـردى     بـنـواكَ وهـو بـحـاجــةٍ لــدعـــامِ

فـتـركـتَ بـعـدَكَ لـلـطـلائـحِ مـرتعاً      بـكَ كـانَ مـحـسـوبـاً مـن الآجـامِ

فـي ذمَّـةِ الــتـاريـخِ مـا أصـلـحـتـه      والـقـومُ بـيـن قـطـيـعـةٍ وخـصـامِ

عادوا وكـان الـفـضـلُ منكَ علـيهمُ      يـتـصـافـحـونَ عـلـى رضاً ووئامِ

كـمْ فـي الـحياةِ اليومَ بعدَكَ خـائــنٌ      قـد ظـلَّ فـي مـنـجـىً مـن الإعدامِ

ومـنــافــقٌ كـالـقـارِ عـزَّ صـلاحُـه      مـا لـمْ يـدسْـه الـقـومُ بـالأقـــــــدامِ

وخـلـيِّ بـالٍ لـم يــلـمَّ بـه ضــنـــىً      والـهـمُّ أصـلُ الـداءِ فـي الأجـسـامِ

قـد عـاشَ خـلـفَ حـجـابِـهِ فـكأنّــه      عـلـقُ الـجـنـيـنِ بـعـالــمِ الأرحــامِ

ولربَّـمـا أردى الــمـجـوَّفَ خـوفَــه      إن لـمْ يـمـتْ مـن ضـربـةٍ بـحسامِ

أتـعبتَ بعدَكَ مـن أرادَ زعـامـةَ الـ     ديـنِ الـحـنـيـفِ ومـنصبِ الأحكامِ

خـضـعـتْ لـكَ الدنيا وأنتَ بمعزلٍ      ولأمـرِكَ انـقـادتْ بـغــيــرِ زمـــامِ

فصددتَ عنها عـالـمـاً بـشـؤونِـهـا      عـلـمَ الـطـبـيـبِ كـوامــنَ الأسـقـامِ

قـد كـان عـزُّ الـديـنِ فـيـكَ كـعـزِّهِ      فـي آلِ بـيـتِ الـمـصـطـفى الأعلامِ

فـلـئـنْ حُـجِـبـتَ فـذكـرُ مـا أسديته      بـاقٍ مـدى الأجــيـــالِ والأعــــوامِ (14)

وقد حذا حذوه ولداه في نشاطه السياسي، فالأزري هو والد عبد الكريم الأزري الذي شغل منصب وزير الخارجية، ووزير الإعمار، وكان آخر وزير للمالية في العهد الملكي، وعبد الأمير الأزري وزير الموصلات والأشغال وسفير العراق في طهران في العهد الملكي.

السفور والحجاب

من أهم القضايا التي عالجها الأزري ووقف فيها موقفاً مشرفاً هي قضية الدعوة إلى السفور والتي بدأت بمصر على يد قاسم أمين وانتشرت في بعض البلدان العربية ومنها العراق، ووجدت لها من يؤيدها وكان من أشد مؤيديها في العراق الزهاوي والرصافي اللذين دعا في شعرهما إلى السفور ونبذ الحجاب بدعوى التحرّر، (15) فوقف الأزري مدافعاً عن دينه وقيمه وأخلاقه وأبت عليه غيرته أن تكون هكذا دعوة في بلد الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وأمام هذا التيار المنحرف كان لا بد من وقفة أمام هذه الدعوة الفاسدة، ولا بد من صوت يرد على هذه الأضاليل فكان هذا الصوت هو صوت شاعرنا عبد الحسين الأزري الذي ألقم دعاتها حجراً فقال من قصيدة عنونها بـ (الحجاب):

أمـنـازلُ الــخـفـراتِ بــالـــــزوراءِ     لا زعزعتكِ عواصفُ الأهواءِ

لا تـأبـهـي لـغـوايــةٍ مـن مــــاكـــرٍ     جـعـلَ الـحجالَ معاقلَ الأسراءِ

قـرِّي فـإنَّـكِ لـلـفــتـــاةِ أريــكـــــــةٌ      ضـربـتْ سرادقُها على النجباءِ

أيـنَ الأسـارةُ مـن حـجـابِ خـريـدةٍ      أيـنَ الـمـعـاقـلُ من كناسِ ظباءِ

أكـريـمـةُ الـزوراءِ لا يذهبْ بكِ الـ     ـنـهــجُ الـمـخـالفُ بيئةَ الزوراءِ

أو يـخـدعـنَّـكِ شـاعـرٌ بـخــيــالِــــهِ     إنَّ الـخـيـالَ مـطـيَّـةُ الــشـعراءِ

حصروا علاجَكِ بالسفورِ وما دَرَوا     أنَّ الـذي حـصـروه عـينُ الداءِ

أولـمْ يـرَوا أن الـفـتـــاةَ بـطـبــعِـهـا      كـالـمــاءِ لـم يُـحـفـظ بـغيرِ إناءِ

إنَّ الـفـتــاةَ جـمـالُـهــا بـحـيــائِــهــا      حـسـنُ المحيَّا ما اكـتسى بحياءِ

من يـكـفـلُ الـفـتـيـاتِ بعد ظهورِها      مـمـا يـجـيشُ بـخـاطـرِ السفهاءِ

ومَن الـذي يـنـهـى الـفـتـى بــشبابِهِ      عـن خدعِ كـلِّ خـريـدةٍ حـسنـاءِ

لـيـسَ الـحـجـابُ بـمـانـعٍ تـهـذيـبَـها      فـالـعـلمُ لم يــرفعْ عـلى الأزياءِ

أولـم يـسـغْ تـعـلـيـمـهـنَّ بـــدونِ أن      يـملأنَ بالأعـطافِ عينَ الرائي

ويـجـلـنَ مـا بـيـنَ الـرجـالِ سوافراً      بـترجـرجِ الأردافِ والأثــــداءِ

فـكـأنَّـمـا إصــلاحُــهــا مُـتـعــــــذّرٌ      إلا إذا برزتْ بــدونَ غــطـــاءِ

وكـأنَّـمـا الـتـهـذيـبُ لـيـسَ بــمُمكنٍ      مـا لـم يُشـيَّـدْ مـســـرحٌ بـنـساءِ

إنَّ الـمـسـارحَ لا تـديــرُ شـــؤونَـها      مـن كـلّفـتْ بـرعـايـــةِ الأبـنـاءِ

مـثّـلْ بـهـا دورَ الـفـضــيـلـةِ إنَّـهــا      تُـغـنـيـكَ عن تمثـيـلِ دورِ غـناءِ

وانـظـرْ إلـى شـأنِ الـمـحيطِ وأهـلِه      كـي لا تـفـوتكَ حكـمةُ الحـكماءِ

نصَّ الكتابُ على الحجابِ ولم يدعْ      لـلـمـسـلـمـينَ تــبـرُّجُ الــعـذراءِ

ما يـصـنـعُ الـعـلـماءُ فـي تـأويلِ ما      لمْ تُخـفِ غـايـتُـه عـلى الجهلاءِ

مـاذا يـريـبُـكَ مـن إزارٍ مـــــانــــعٍ      وزرَ القـلـوبِ وضـلَّـــــةَ الآراءِ

مـاذا يـريـبُـكَ مـن حـجـــابٍ سـاترٍ      جـيـدَ الـفتـاةِ وطـلـعـةَ الــذلـفــاءِ

هل في مجالسةِ الفتاةِ سوى الـهوى      لـو أصـدقتـكَ ضـمـائـرُ الجلساءِ

شـيِّـدْ مـدارسـهـنَّ وارفـعْ مـسـتوى      أخـلاقـهـنَّ لصـالــحِ الأبــنـــــاءِ

وافحصْ عن الأخلاقِ قبلَ سفورِها      مـا أشـبـهَ الأخــلاق بـالـعــنـقـاءِ

هـلّا اخـتـبـرتَ الأقـويــاءَ خلاقـهـمْ      لـو كـنـتَ تـأمنُ عـفَّـةَ الـضعفاءِ

أسـفـيـنـةُ الـوطـنِ الـعـزيزِ تبصَّري     بـالـقـعـرِ لا يغرركِ سطحُ الماءِ

وحـديـقـةُ الـثـمـرِ الـجـني تـرصَّدي     عـبـثَ الـلـصوصُ بـلـيـلـةٍ ليلاءِ (16)

الأزري في سجل التاريخ

قال عنه الأستاذ علي الشرقي: (في أوائل الحكم الوطني اُقيمت في بغداد سوق للشعر على غرار سوق عكاظ توافد إليها الاُدباء والشعراء من أنحاء العراق، وضربت خيمة للمحكّمين، وتبارى يوم ذاك الاُزري والرصافي والزهاوي، ففاز الحاج عبد الحسين، وحكم له بالتفوّق على صاحبيه

أما مزايا شعره فهو إقليمي في فنه، إنساني في نزعته، قومي في أهدافه، وبما أنه ترعرع في أحضان الثورات والانتفاضات كان يكثر في شعره النقد اللاذع، وتصطبغ قصائده أحيانا باللون القاتم وقد جعله اتقانه للغة الفرنسية يحب من الشعر الخيال الجميل، ويبدع في الأسلوب القصصي وإنه ــ حفظه الله ــ وإن كان ذا طرفة وظرف لكن الثورة التي نشأ عليها كانت تعتلج بين جوانحه، فهو نفحة ربما انقلبت لفحة، وعاطفة ربما تتحول إلى عاصفة) (17)

وقال عنه الأستاذ الكبير جعفر الخليلي: (من شعراء العراق اللامعين، حر التفكير والعقيدة، ومن أوائل دعاة التحرير، وقد أصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد، كانت من أوائل الجرائد إن لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم، وقد نفاه الأتراك وحُبس في الأناضول ولم يكن يعرف له هذه الشاعرية الفياضة إلا القليل حتى ظهر لأول مرة بسوق عكاظ ببغداد، وكان من المجلين في تلك الحلبة، ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة). (18)

وقال عنه السيد محسن الأمين: (ترعرع في زمن كثرت فيه الثورات والانتفاضات على النظم السياسية والأساليب الاجتماعية، وعلى العادات والتقاليد البالية، من أجل ذلك نشأ وهو ثورة أدبية اجتماعية سياسية. والمطلع على ديوانه يطلع على سجل حافل بالتيارات الفكرية، والانقلابات الاجتماعية والسياسية للجيل الذي عاش فيه. وقد تعاطى نظم الشعر في مطلع شبابه، ولم يتفرع له بل تعاطى التجارة، واشتغل في السياسة، وجال جولة في الصحافة، وكان منتسباً إلى حزب الائتلاف الذي تأسس في الآستانة بعد اعلان الدستور العثماني. وفي سنة 1911 أصدر جريدة المصباح ثم عطلتها شؤون الحرب العامة الأولى، وبما أنه كان شديد الايمان بالقضية العربية، وكثير الاشتغال بها، والعمل لها، انضم إلى حزب اللا مركزية الذي كان مركزه في بيروت الأمر الذي جعل الاتحاديين يرتابون منه فنفوه إلى قيسرين من بلاد الأناضول، مع من نفي من أحرار العرب) (19)

وقال عنه الشيخ أغا بزرك الطهراني: (كان يتقن اللغة التركية والفارسية مضافاً إلى الفرنسية، وقرض الشعر وهو دون الخامسة عشرة فأجاد وأبدع على صغر سنه وتعاطى التجارة واشتغل بالسياسة وجال في عالم الصحافة).(20)

وقال عنه عبد العزيز البابطين: (نظم في الموضوعات المألوفة التي تناولها شعراء عصره: الإصلاح الاجتماعي والسياسي، والقضايا القومية، كما رثى، ووصف، وهنّأ، غير أن بعض قصائده فيها دعابة واضحة واستثمار لفن المفارقة، وفي بعض آخر نفس قصصي واضح، وربما أشبع الوصف حتى يُظن أن هذا من أثر قراءته في الشعر الفرنسي).(21)

وقال عنه الحاج حسين الشاكري: (شاعر فاضل، من أسرة وجاهة وتجارة وأدب، نال قسطاً من التعليم على مشايخ الأدب في مدارس بغداد ومحافلها فأثر ذلك فيه وأغنى شعره الذي طرق فيه مختلف الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية، والأزري إلى جانب ذلك محدث بارع لبق ظريف، لغوي مؤرخ، يعد من شعراء الطليعة في الأدب العراقي).(22)

وقال عنه الزركلي: (شاعر صحفي عراقي، من أهل بغداد. أنشأ جريدة (المصباح) سنة 1911 - 1914 ونفي إلى الأناضول في الحرب العامة الأولى. ثم كان من رجال الثورة العراقية (1920) ونفاه الإنكليز الى هنجام. انتخب منه روفائيل بطي في الأدب العصري نحو 40 صفحة، قالت وكالة الأنباء العربية في خبر وفاته ببغداد: كان من الرواد الذين أعانوا على تحقيق الحكم الوطني في العراق). (23)

وقال عنه المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي: (اشتغل بالصحافة والسياسة بحكم عصره ومواهبه، أديب شاعر كان يتقن اللغات العربية والفارسية والتركية). (24)

مؤلفاته

ترك الأزري عدة مؤلفات ــ شعرية ونثرية ــ في الأدب والتاريخ والسياسية منها:

1 ــ تاريخ العراق قديماً وحديثاً / بجزأين

2 ــ قصر التاج / رواية

3 ــ بوران

4 ــ بطل الحلة / رواية

4 ــ مجموعة الأرزي / وهي مقالات في السياسة والاجتماع

5 ــ ديوان شعر. (25)

شعره

ديوان الأزري ضم مختلف أغراض الشعر حيث كتب نظم في الإصلاح الاجتماعي والسياسي، والفكري كما كتب في أهل البيت (عليهم السلام) واحتوى على 216 قطعة وقصيدة في (4200) بيتاً. ولم يمدح أحدا غير النبي صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة من الأئمة (26)

يقول الأستاذ علي الشرقي عن شعره: (وليس للأستاذ الأزري ديوان واحد ولكن هذا المجموع كان الحبيب إليه من شعره. لم يبهرني ذلك الديوان بديباجته المشرقة ولا لأنه مجموعة صور رسمتها ريشة خلاق بل لأني وجدته وعاءً أنيقاً في قراراته روح الشاعر الشاعر، وفي جنباته قلبه المشع وعاطفته الملتهبة...) (27)

وقال السيد جواد شبر عن ديوانه: (وله ديوان شعر يصوّر فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويراً غاية في البراعة... والمطلع على ديوانه يطلع على سجل حافل بالتيارات الفكرية) (28)

ومن أهم أغراض الديوان التي عالجها الأزري هي قضية أهل البيت (عليهم السلام) مسلطاً الضوء على القضايا التاريخية التي رافقت حياتهم (عليهم السلام) بأسلوب رصين وموضوعي مشخِّصاً الداء الذي أصاب الجسد الإسلامي بإبعادهم عن مكانهم الطبيعي في الخلافة، ونترك القارئ ليستشف بنفسه هذا التشخيص من شاعر كبير.

قال من قصيدة في مدح النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) تبغ (17) بيتاً ألقيت في مولده الشريف يوم 12 / ربيع الأول 1345 هـ:

يـومٌ بـزغـتَ بـأفـقـهِ مـولــودا      بعثَ الورى في المشرقينِ جديدا

وتنفّسَ الصعداءَ فـيـكَ كـأنّـمـا      أعطى وجـودُكَ لـلـحـيـاةِ وجودا

فلذلكَ اتّخـذتـه مُـذ سـعـدتْ بهِ      عـيـداً عـلـى مرِّ الزمانِ سـعـيـدا

وجـدتْ بكَ البشريةُ اطمئنانَها      وصـلاحَـها وأمـانَـهـا الـمـفـقـودا

كـانـتْ تـهدِّدُها الضلالةُ بالفنا      فرفعتَ عنـها الـخـوفَ والـتهديدا

وتلمَّستْ فيكَ العقـولُ طريقَها      فـمـشـتْ وكـان بـوجـهِها مسدودا

قد كان للدنيا ببعـثِكَ حاجة الـ     ـظـامـي وكنتَ إلى صداهُ ورودا (29)

وقال في مدحه (صلى الله عليه وآله) أيضاً من قصيدة تبلغ (53) بيتاً:

كـنـزُ الـنـبـوَّةِ فوقَ كلِّ غضارةٍ      في جنبِها يبدو النضارُ حديدا

لكَ شادَ ربُّكَ من حظيرةِ قـدسِهِ      عرشاً وخلّـد تـاجَـكَ المعقودا

وزهدتَ في دنياكَ حتى كان ما      شاهدتَ من نِعمٍ الحياةِ زهيدا

لم تظفرْ الدنيا بـمـثـلِـكَ رحـمـةً      للـعـالـمـيـنَ ونـعـمـةً وسعودا

ومن العظائم قد بلغتَ الغايةَ الـ     ـقصوى فلمْ تتركْ لهنَّ مزيدا

لـو لـم تـقـلْ لـلـنـاسِ إنَّكَ مثلهمْ      لتجاوزوا في ذاتِكَ الـتـحـديدا

خـتـمَ الإلـهُ بـكَ الـنـبـوَّةَ مـثـلما      خـتـمَ الـتـآخي فيكَ والتسديدا (30)

وقال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (104) أبيات:

أنـتَ فـي الـواقـعِ الوصي وإن لمْ      يُـرعَ لـلـعـهـدِ ذمَّـة ووفـاءُ

عَـلِـمَ اللهُ أنَّـكَ الـحــكــــمُ الــعـــد      لُ فـلا شـــدّةٌ ولا إغـضـاءُ

تخـصـفُ الـنعلَ في يديكَ وكانتْ      لـكَ تُـجـبـى بأمرِكَ الأفياءُ

قـمـتَ في خـصـفِـهِ وأنـتَ أمـيـرٌ      كانَ بالفضلِ دونَكَ الأمراءُ

غـيـرَ أنَّ الــدنــيــا لـديـكَ إذا لـم      تـبسط العدلَ والنعالَ سواءُ

وإذا الظلمُ سادَ في الأرضِ يوماً      فـعـلـى هـذهِ الـحـيـاةِ العفاءُ

وثـلاثـاً طـلّـقـتَ دنـيـاكَ حــتــى      يـتـأسَّـى بـعـيـشِـكَ الـفـقراءُ (31)

ومنها في حديث الغدير:

إيـهِ يـا مـوقـفَ الــغــديـرِ بــخـمٍّ      عـجباً كيفَ ضاعَ ذاكَ النداءُ

كـانَ ذكـرى يـومٍ تـرجَّــاهُ عـيـداً      كلُّ مستضعَفٍ فخابَ الرجاءُ

يـومَ نـادتْ شـريـعـةُ اللهِ فـــيــــهِ      لـيـسَ إلّا لـلـعـادلـيـنَ الـولاءُ

وإذا مـعـشرٌ من الناسِ ساوى الـ     ـعـدلُ مـا بـيـنـهـمْ فهمْ سُعَداءُ

ليتَ شعري هلْ عقدةُ العدلِ تبقى      أبـداً لـنْ تـحـلّــهــا الآنــــــاءُ

شأنـهـا شأنَ ما مضى من قرونٍ      أرهـقَ الـظـلـمُ أهـلها والشقاءُ

لـقـريـشٍ عـنـدَ الـنـبــيِّ تــــراتٌ      فـلـذا اقـتـصَّ مـنـكـمُ الغرماءُ

مـن سـواكـمْ يـنـوبُ عـنـه وأنـتمْ      بـعـده أهـلُ بـيتِـهِ الـــورثـــاءُ

أنـتَ وابـنــاكَ آلــه وهـمــا ســبـ     ـطـاهُ كـانـا وبـنـتُـه الـزهـراءُ

أولـمْ تـرجـعـوا الأمــانـاتِ عــنه      لـذويـهـنَّ أيُّـهــا الأمــنــــــاءُ

ومنها في (معاوية) وفيها يستعرض بعضاً من موبقاته:

أيـنَ لـو أنـصـفـتكَ دنـيـاكَ يـوماً     منكَ في الشرِّ حيَّةٌ رقـطـاءُ

حـوَّلٌ حــاربَ الـخـلافـــةَ بـغـيـاً     ما أريقتْ لولاهُ تلكَ الدمـاءُ

رامها أن تكونَ ملكاً عـضـوضاً     يـتـولّاهُ بـعـدَه الأبــــنــــــاءُ

خفَّفَ الجرمَ بالرشا مــثـلـما خـفَـ    ـف مِن حـدَّةِ الـشرابِ الماءُ

والـرشـا سـخَّـرتْ إلـيهِ رؤوسـاً     قد حناها من هونِها الإغراءُ

جـعـلَ الـفـيءَ مـا لـه لـيــسَ إلّا     ولـه أن يـبـيـحَـه مـن يــشاءُ

أولمْ يـعـط فيءَ مـصرَ لـعـمـرو     رشوةً ما استطالَ فيها البقاءُ

عـادَ ذاكَ الــخـراجُ يـنـعــمُ فـيـه     كـلُّ خـبٍّ ويُـحـرمُ الصلحاءُ

ودعـا الــنـاسَ لـلــبـراءةِ مــمَّـنْ     سـيـدُ الـرسلِ مِن عداهُ براءُ

لـيـسَ حُلماً مـا كـانَ منه ولـكـن     قـد تـأنّـى حـتـى يـتـمَّ الـبـناءُ

ثـمَّ لـمَّـا لــه الأمـورُ اسـتــتـبَّـتْ     وأطـاعـتْ لـحـكـمِهِ الأرجاءُ

كشفَ الـسترَ عن فظيعِ انــتـقـامٍ     وإذا الـحـلـمُ خـدعـةٌ وريــاءُ

واقتضى الغدرُ أن يؤاخي دعـياً     والـجـنـاياتُ رأسُها الأدعياءُ

ما خـزتـه سـمـيـةٌ أو ثــــنـــــاهُ     عـن مـؤاخـاةِ نـغلِها استحياءُ

جـحـدَ الـحـكـمَ بـالـفجارِ جهـاراً     واستـوى العفُّ عنده والبغاءُ

ورمـى أهـلَ كـوفـةِ الـجـندِ فـيه     رمـيـةً كـان مـن مداها الفناءُ

كيف ترجى غير الجرائمِ مَّـمـنْ     ولـدتـه بـحـضـنِـهـا الـفحشاءُ

ومنها في بني أمية:

قـاتـلَ اللهُ مــن أمـيـةَ حـزباً     نـفـثَ الـســـمَّ فـيـهـمُ الآبـاءُ

حكموا الملـكَ بالحديدِ وبالنا     رِ وتـلـكَ الـسـياسةُ الخرقاءُ

مـزَّقـوا وحـدةَ البلادِ وولّـتْ     بـجـهـودِ الـنـبـوَّةِ الـعـنـقـاءُ

وأذاعـوا أنَّ الـبـلادَ حـقــولٌ     لـبـنـيـهـمْ وأهـلُـهـا غـربـاءُ

وأعادوا للحـكمِ قيصرَ لـكـن     قد أنيبتْ عن اسـمِـه أسـماءُ

جهدوا في خفاءِ ذكرِكَ حتى     عـادَ ويـلاً عـلـيـهمُ الإخفاءُ

قطعَ الظلمُ عـرقَهم وتحاشى     منه حتى الأصاغرُ الأدنياءُ

وقال من أخرى فيه (عليه السلام) أيضاً من قصيدته (الهمزية العلوية) وتبلغ (70) بيتاً:

أنـتَ والـحـقُّ فـي الـعـلـوِّ سـواءُ      لـيـسَ إلّاك رمــزُه الــوضَّـاءُ

وإلـى الـحـقِّ أنـتَ أعـلـى مـثـالٍ      بـارزٍ فـــيــهِ روعــــةٌ ورواءُ

تـتـغـنّـى الـحـياةُ باسمِكَ في الدنـ     ـيا وتـشـدو كـأنَّـهـا الــورقـاءُ

وتـمـرُّ الأجـيـالُ تـلـثـمُ مــثـــــوا     كَ وتـمضي كـأنَّـهـا الـنــزلاءُ

لـم تـزدْكَ الـعـصـورُ إلّا اعـتـلاءً      يـا حسـامـاً لـه الزمانُ جـلاءُ

مثلما تختفي الـبـطـاحُ عـلى البعـ     ـدِ وتـبقـى الــشـواهقُ الشـمَّاءُ

أكـبـرتْـكَ الـعـقـولُ فالبعضُ منها      ضلَّ لو لم يدركه منكَ اهتداءُ

ومضى البعضُ في عـمـاهُ بـعيداً      والعمى في القلـوبِ داءٌ عـياءُ

لـم تـلـدْ مـثـلـكَ الـلـيـالـي عظيماً      قـد تـــنـــافـتْ بـشأنِـــهِ الآراءُ

زمـرةٌ صـورَّتـكَ ربَّـاً وأخـــرى      أوقـعـتـهـا بـحـربِكَ الـبـغضاءُ

ما استطاعوا أن يفهموكَ كأنَّ الـ     ـقـومَ أرضٌ وأنتَ فـيهمْ سـماءُ (32)

وقال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (35) بيتاً:

مـا كـانَ لـلأحـرارِ إلّا قـــــــدوةً      بـطـلٌ تـوسَّدَ في الطفوفِ قـتيلا

بـعـثـتـهُ أسـفــارُ الـحـقـائـقِ آيــةً      لا تـقـبـلُ الـتـفـسـيـرَ والـتأويلا

مـا زالَ يـقـرؤها الزمانُ معظّماً      مـن شـأنِـهـا ويـعـيـدُها تـرتـيلا

دوَّى صداها في المسامعِ زاجراً      من علَّ ضيماً واستكانَ خمولا

أفـديـكَ مُـعـتصماً بسيفِكَ لم تجدْ      إلّاه فـي حـفـظِ الـذمـارِ كـفـيـلا

خشيتْ أميةُ أن تزعزعَ عرشَها      والـعـرشُ لـولاكَ استقامَ طويلا

بثوا دعايتَهمْ لحربِكَ وافترى الـ     ـمـسـتأجرونَ بما ادَّعوا تضليلا

من أينَ تأمنُ منكَ أرؤسُ معشرٍ      حـسـبـتـكَ سـيـفـاً فوقَها مسلولا

طـبـعـتكَ أهـدافُ النبيِّ وذرَّبتْ      يـدُهـا شـبـاتَكَ وانتضتكَ صقيلا

فإذا خـطـبـتَ رأوكَ عنه معبِّراً      وإذا انـتـمـيـتَ رأوكَ منه سليلا

أو قـمتَ عن بيتِ الـنبوَّةِ مُعرِباً      وجـدوا بـه لـكَ مـنـشـأً ومـقـيـلا

قطعوا الطريقَ لذا عليكَ وألّبوا      مِـن كـلِّ فـجٍّ عـصـبـةً وقـبـيــلا

وهـنـاكَ آلَ الأمـــرُ إمَّـا سِـلّـــةً      أو ذلّـــةً فـــأبــيــتَ إلا الأولــى

ومـشـيـتَ مـشيةَ مطمئنٍ حينما      أزمـعـتَ عن هذي الحياةِ رحيلا

تـسـتـقبلُ البيضَ الصفاحَ كأنَّها      وفـدٌ يُـؤمِّـلُ مــن نــداكَ مَـنــيـلا

فـكـأنَّ مـوقـفَـكَ الأبـيَّ رســـالةٌ      وبـهـا كـأنّـكَ قـد بُـعـثـتَ رسولا

نَهَجَ الأباةُ على هداكَ ولـم تزلْ      لـهـمُ مـثـالاً فـي الــحـيـاةِ نـبـيـلا

وتـعـشّـقَ الأحـرارُ سُـنَّتَكَ التي      لـمْ تُـبـقِ عـذراً بـعـدها مـقـبــولا

قـتـلـوكَ لـلـدنـيـا ولـكـنْ لـم تدمْ      لـبـنـي أمـيّـةَ بـعـد قـتـلـكَ جـيـلا

ولـربَّ نـصـرٍ عـادَ شرَّ هزيمةٍ      تـركـتْ بـيـوتَ الـظالمينَ طلولا (33)

ومن أخرى في الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً تبلغ (56) بيتاً ألقيت في يوم العاشر من محرم عام 1345 هـ في الكاظمية يقول:

إن لمْ تَسِغْ طـعمَ الأسـى      أو تــــــحتملْ للضيمِ صفدا

فانهجْ إذن نهجَ الـحُسـيـ     ـنِ وكنْ على الأخطارِ جَلدا

سَلْ عـنـه أطرافَ الـقنـا      تَـمـلِ الـحـديثَ عليكَ سَردا

تجدِ الـزمـانَ مُـرجِّــعــاً      بـإبـائـهِ كــالـطـيـرِ غــــردا

مـتـعـطّـراً مـنـهُ الــبـيـا     نُ كــأنّــه الــزهـرُ الـمـنـدّى

للهِ مــوتــورٌ تــــــــوسـ     ـط واتــــريــهِ وكـان فــردا

فـي مـوقـفٍ بالطفِّ لـمْ      يـعـرفْ لــه الــحـدثـانُ نِــدا

مُـستبسلٌ أخـذتْ عـلــيـ     ـهِ حـفـيـظـةُ الأمـجادِ عـهدا

مُـتـصـلّـبٌ بـالـذودِ عز     مـاً مـثلَ صمِّ الصخرِ صلدا

بـطـلٌ تـحامتهُ الـكـــمـا     ة كـمـا تـحامى الحمرُ وِردا

فـكـأنَّـهـــمْ بـفـرارِهـــمْ     غـنـمٌ عـلـيـهـا الـذئـبُ شــدّا

وكـأنّما انـعـقـدَ الــقــتـا     مُ سـحـائـبـاً فـي الـجوِّ ربـدا

مـن عـزمِـهِ وحــسـامِهِ     مـمـلـوءةٌ بـرقــاً ورعــــــدا

أمطرنَ في الوادي دماً      قـد فـاضَ بـالأشـــلاءِ مَـــدّا

أبـتِ الـدنــيَّـــةُ نـفـسُـه      والـقـومُ لا يـحـصـونَ عـــدّا

عـزَّ الـنـصـيـرُ فلم يجدْ      غـيـرَ الـحـسـامِ إليهِ عَضـدا

ومضى ولم يـركنْ إلى     زمـنٍ يـمـكّــن مـنـه وغـــدا (34)

وقال من قصيدة في مولده الشريف يوم 3 شعبان تبلغ (43) بيتاً:

دعـتـكَ الـنـبـوَّةُ ذخـــراً لـــهـــا      فـكـنـتَ لـهـا بــغـيـةِ الـذاخـرِ

وعـوَّذكَ الـوحـيُ حرصاً علَيك      كحرصِ الشجـاعِ على الباترِ

تـبـاركَ بـيـتٌ تـفـرَّعـتَ مـنـــه      وأورقتَ من غـرسِـهِ الـثـامرِ

طـلـعـتَ عـلـيـهِ طـلوعَ الهلالِ      على الأفـقِ فـي الــفـلكِ الدائرِ

ومـا أنـتَ إلا كـفـضـلِ الـربيعِ      على الروضِ والشجرِ الزاهرِ

حـيـاتُـكَ نـادرةٌ فــي الـزمـــانِ      وأنَّـى يُــقــاسُ عـلـى الـنــادرِ

لـقـدْ عُـقـمَ الـدهـرُ عـن مـثـلِـها      وهلْ يُرتـجى النسلُ من عاقرِ

ترعرعتَ في حِجرِ خيرِ الأنامِ      كغصنِ الـكـبا العاطرِ الناضرِ

وكـانَ يـحـوطـكَ فـي سـاعـديهِ      ويرعاكَ فـي طـرفِـهِ الـسـاهرِ

يـضـمُّـكَ شـوقـاً إلـى صـــدرِهِ      وفـوكَ عـلـى فـمِـهِ الـطــاهــرِ

ويُـوصـي بـحـبِّـكَ أصـحــابَــه      لـيـدفـعَ عـنـكَ أذى الـمــاكـــرِ

تـعـالـيـتَ يـا بـطـلَ الـمـسلمينَ      ويا عـلــــمَ الـمـشـرقِ الـثـائـرِ

ويـا عـظـةً ردَّدتــهــا الـحـيـاةُ      عـلـى مـسـمـعِ الـبـشـرِ الـحائرِ

ويـا شـعـلـةً لـلـهـدى لـم تــزلْ      تـضـيءُ مـن الـزمـنِ الـغـابـرِ

حـرامٌ إذا مـا ذكـرتُ الإبــــاءِ      مـرورُ سِـواكَ على خـاطـري

أبـيـتَ وأنـتَ إمـــامُ الأبــــــاةِ      مـبـايـعـةَ الـفـاسـقِ الــفــاجـــرِ

لـبـئـسَ الـكـرامـــةِ مـن كـابـرٍ      إذا مـا تـضـرَّعَ لــلـــصــاغـرِ

وما زلتَ حـربـاً إلى أن قُتلتَ      عِـوانـاً عـلـى الـظـالمِ الـجـائـرِ

أبـا الـشـهـداءِ ويـا ابـنَ الشهيدِ      بـعـاديـةِ الـمـارقِ الــغــــــادرِ

ويـا سـبـطَ أحـمـدَ مـن فـاطــمٍ      وحـيـدرةَ الأنـــزعِ الــحــاسـرِ

سـلامٌ على جدثٍ في الطفوفِ      تـضـمَّـخَ مـن دمِـــكَ الـمــائـرِ

وأجداثِ قـتـلـى بـها من ذويكَ      تـحـفُّـكَ فـي ذلــكَ الــحـــائــرِ

قـبـورٌ تـفـيـضُ بـــزوَّارِهـــــا      كـسـيـلٍ تـتـابـــعَ مــن مـاطـرِ

أتـوا واثـقـيـنَ بـــــأنَّ الإلـــــهَ      مـجـيـبٌ بـهـا دعــوةَ الــزائـرِ (35)

كما ضم الديوان قصائد أخرى في أهل البيت عليهم السلام منها في النبي (صلى الله عليه وآله) ألقيت في بغداد والكاظمية سنة 1929 / 1348 هـ وتبلغ (45) بيتاً مطلعها:

كلما اجتازَ بعدكَ الدهرُ ميلا     زدته فيكَ دهشةً وذهولا (36)

ومن نبوية أخرى ألقيت في الأعظمية في مولده الشريف سنة 1355 هـ وتبلغ (59) بيتاً مطلعها:

لم تنجبِ الأيامُ إلّا     يوماً بمولدِكَ استهلّا (37)

وقال من نبوية أخرى ألقيت في مولده الشريف ببغداد سنة 1351 هـ / 1932 م تبلغ (59) بيتاً مطلعها

عُلاكَ يقصرُ عن إدراكِه الكلمُ      فلا اللسانُ له حولٌ ولا القلمُ (38)

.......................................................

1 ــ ديوان الحاج عبد الحسين الأزري، حققه وضبط كلماته وترجم لأعلامه وعمل فهارسه: مكي السيد جاسم، وشاكر هادي شكر ــ قدم له المرحوم علي الشرقي، ترجم للشاعر جعفر الخليلي مؤسسة النعمان ــ بيروت 1979 ص 339 ــ 340 / أدب الطف ج 10 ص 78 ــ 79

2 ــ مقدمة الديوان ترجمة الشاعر بقلم جعفر الخليلي ص 11

3 ــ مقدمة الديوان ص 6

4 ــ نفس المصدر ص 11

5 ــ أدب الطف ج 10 ص 79 / الهامش

6 ــ نفس المصدر ص 82

7 ــ مقدمة الديوان ص 13

8 ــ نفس المصدر ص 11

9 ــ الأدب العصري في العراق العربي لروفائيل بطي: القسم الأول (المنظوم) ترجمته ج 2 ص 51 ــ 71

10 ــ مقدمة الديوان ص 7 بقلم علي الشرقي

11 ــ أدب الطف ج 10 ص 81

12 ــ مقدمة الديوان ص 14

13 ــ الأعلام ج 3 ص 278

14 ــ الديوان ص 291 ــ 292

15 ــ مقدمة الديوان ص 20

16 ــ الديوان ص 30 ــ 31

17 ـــ مقدمة ديوان عبد الحسين الأزري ص 7 ــ 8

18 ــ أدب الطف ج 10 ص 82 عن موسوعة العتبات المقدسة

19 ــ أعيان الشيعة ج ٧ ص ٤٤٠ 

20 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 3 ص 264

21 ــ معجم البابطين

22 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب ج 5 ص 119

23 ــ الأعلام ج 3 ص 278

24 ــ المدخل الى الشعر الحسيني ج 1 ص 285

25 ــ الأدب العصري في العراق العربي: القسم الأول (المنظوم)

26 ــ مقدمة الديوان ص 22

27 ــ مقدمة الديوان ص 5

28 ــ أدب الطف ج 10 ص 82

29 ــ ديوانه ص 317

30 ــ نفس المصدر ص 324 ــ 326 

31 ــ نفس المصدر ص 318 ــ 322

32 ــ نفس المصدر ص 323 ــ 325

33 ــ نفس المصدر ص 339 ــ 340

34 ــ نفس المصدر ص 327 ــ 330

35 ــ نفس المصدر ص 330 ــ 332

36 ــ نفس المصدر ص 333 ــ 335

37 ــ نفس المصدر ص 336 ــ 338

38 ــ نفس المصدر ص 342 ــ 344

كما ترجم له أيضاً:

الدليل العراقي ص 902

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 2 ص 225

أغا بزرك الطهراني / الذريعة ج 2 ص 264

حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 1 ص 122

إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 2 ص 628

الأستاذ نظير خير الدين ــ عبد الحسين الأزري، حياته وشعره.

داود سلمان تويلي منخي ــ أسرة آل الازري ودورهم السياسي والفكري في العراق حتى عام 1958 ــ رسالة ماجستير / جامعة بابل ــ 2021

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار