203 ــ جواد جميل: ولد (1373 هـ / 1954 م)

جواد جميل: (ولد 1373 هـ / 1954 م)

قال من قصيدة (ليلة الأسى والدموع) وهي في الإمام الحسين (عليه السلام)

واحمليني لـ (كربلاءَ) خـــيالاً    بجناحٍ من عبـــــــــــرةٍ وخشوعِ

حيث نحرُ الحسينِ ينتظرُ الما    ءَ ويـهفـــــــــــو لرأسهِ المقطوعِ

وجراحاته تئـــــــــنُّ فـيـبـكي    ألفُ كونٍ على الصدى الموجوعِ (1)

ومنها:

يا عيوني أين البكاءُ؟ ففيـضي    هـذه (كــــــــــربلا) وهذا شفيعي

هذه (كربلا) وهذي الخيولُ الـ    ـجُرْدُ تعدو على التريبِ الصريع

هـذه (كربلا) وهـذا رسول الله    يـــــــبـكـي فـي سـاعـة الـتـوديـعِ

وقال من ديوانه: الحسين.. لغة ثانية :

ما زلـتُ أحـمـلُ أكـفـانـاً مُـمـزَّقـةً    وحـفنةً من رمال خبّأت وجَعي

أمشي وخلفيَ تمشي ألفُ عاصفة    كأنّها وُلِدت في (كربلاءَ) معي (2)

الشاعر

اسمه الحقيقي حسن بن عبد الحميد بن حسن السنيد، ولد في سوق الشيوخ بمدينة الناصرية، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1974 ، عمل رئيساً لمؤسسة الهدى لثقافة الناشئين, ورئيساً لتحرير مجلة الهدى للأطفال، وله مجاميع شعرية عدة منها:

صدى الرفض والمشنقة 1986

أشياء حذفتها الرقابة 1988

نشيد الثورة (شعر للأطفال) 1988

يسألونك عن الحجارة 1991

للثوار فقط 1991

شظايا البحر، حكايا المنفى 1992 / تُرجم إلى الإسبانية.

وهو عضو في الرابطة الأدبية العراقية، واتحاد الأدباء العرب، ورابطة الأدب الإسلامي، ومستشار لمجلة الفكر الجديد اللندنية، غادر العراق عام (1981) وتنقل بين سورية، والسعودية، وإيران، ولبنان، ولندن. (3)

وقد ترجم له الأستاذ حسين الشاكري فقال:

(جواد جميل هو الأستاذ حسن ابن الحاج عبد الحميد السنيد الغزي شاعر بارز وأديب كاتب، نشأ على والده الأديب الخطيب وعلى ثلة من أدباء سوق الشيوخ بلدته العريقة في الشعر والأدب مما أغنى موهبته كثيراً.. بعد هجرته من العراق إلى إيران انصرف عنها إلى العمل في الحقل الاعلامي السياسي فنشر الكثير من قصائده ومشاركاته في الصحف والإذاعات وساهم في المؤتمرات والاحتفالات وعمل كذلك رئيساً لتحرير مجلة الهدى للأطفال وقد صدرت له مجموعات شعرية عدة، كما يعتبر وبعض إخوانه من طليعة الحركة الأدبية الإسلامية.

أما هو فقد تفرد بأسلوبه ونفسه الخاصين مستفيداً من التراث والتجديد ومازجاً بينهما مزجاً مميزاً يُنبئ عن موهبة رائدة وشاعرية حاذقة ووعي بأدوات التعبير والاستخدام الشعريين، وتربطه بإخوانه أدباء العربية علائق عديدة). (4)

وقد نشأ جميل نشأة دينية فوالده هو الخطيب والأديب والشاعر عبد الحميد السنيد (1902 ــ 1970) قال عنه الحاج حسين الشاكري: (خطيب وأديب شاعر. ولد في عام 1320 ه‍ / 1902 م في سوق الشيوخ - وهي بلدة خصبة في انتاج الشعراء - ونشأ بها، أقبل على قراءة كتب الأدب واللغة، واطلع على دواوين الشعراء وأساليبهم في النظم والكتابة، فتفتحت آفاق موهبته في مديح أهل البيت ورثائهم.

وكانت ثقافته عامة بشكل فردي وبمجهود شخصي، فلم يتعلم في مدرسة ولم يتلق علومه على يد أحد، بل كافح أميته طفلا، ومارس الشعر يافعا.

مارس الخطابة طيلة سنوات عمره، وكتب الشعر الكثير في الولاء والقضايا الوطنية، وشارك في المؤتمرات الأدبية والأندية، وكان قد صدر له ديوان ألحان الروح عام 1383 ه‍ / 1964 م، وكان يرتبط بعلاقات عديدة مع أدباء داخل العراق وخارجه). (5)

شعره

قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

لعليٍّ توهّجي وانــــــــطــــــفائي    كيفَ أدنو وهوَ المسارُ النائي؟

كيفَ أدنو وهوَ اللهيبُ وقــــــلبي    مثــــلَ جنحي فراشةً خضراءِ

أتهاوى على سناهُ وفـــــــي الرو    حِ اشتـــعالٌ.. تفنى به أشلائي

كلّما مسَّني اللظــــــى شدّني الحـ    ـبّ بعنــفٍ.. فهوّمتُ كبريائي

واذا لفَّ زورقــــــي صخبُ المو    ج فعينـــــــــــاكَ هدأةُ الميناءِ

أنا أغفو وأنتَ توقــــــظ في الرو    حِ بقــــــــــــــايا أمنيَّةٍ ورجاءِ

أنا أبكي وأنتَ تــــــمسحُ دمـــعي    فيغـــــــــنّي على يديكَ بكائي

أنا أمضي مــــــع الضياعِ ورؤيا    كَ ملاكٌ يشدُّ خيـــــطَ انتمائي

أنتَ أيــــــنَ اتّجهتُ كـنتَ أمامي    وإذا ما انــهزمتُ كنتَ ورائي

يــــــتلاشـــى على خطاكَ كياني    وتصــــلّي على صداكَ دمائي

أنتَ أنتَ الخلودُ يفنى بــــــــذكرا    ه وجـــــودي وتنمحي أشيائي

أيُّها البحرُ كيف أجـــــــفو وقلبي    في شواطيـــكَ قطرةٌ من ماءِ؟

لعليٍّ ومــضُ النـــــــجوم وترتيـ    ـلُ الليــــــــالي، ولُجّةُ الظلماءِ

وغناءُ الأمطـــــارِ والأملُ المشـ    ـدودُ بالغيمِ في خشـوعِ السماءِ

وارتعاشُ الرمال مصلوبةُ الوجـ    ـه علـــــى شفرة من الرمضاء

لـــعليٍّ تـهـفـو الـمـجـــرَّاتُ حبا    تُ هــباءً منثورةً فــــي الفضاءِ

لعـــليٍّ ما ينسجُ القــلبُ من حـلـ    ـمٍ ومــا يستشـــــفُّ من أيـحـاءِ

ولــــه تـنـبـضُ الــشرايينُ بالحـ    ـبِّ فتغــدو مــــــجنونةَ الخُيَلاءِ

وله الـــدمعُ والحنينُ وما في الـ    ـروحِ مــن واحةٍ ومن صحراءِ

ولـه الـهـــمُّ يـسـتـجـدُّ رمـــاحـاً    وعـلـيٌّ كــــالـصـخــرةِ الصمَّاءِ

وله الصبـــرُ يستحي أن يـلاويـ    ـه فـــيـغـفو ملفّعاً بالحـــــــــياءِ

وله الـبـيـــعـةُ الـكـبـيـرةُ وحـيٌ    ويـدٌ فــي يــدي أبـي الزهـــراءِ

هـوَ مـولاكـــمُ ولاذتْ وجــــوهٌ    تـتـلـــوَّى بـالــحـقـدِ والـبـغضاءِ

هـوَ مـولاكـــمُ صدىً يملأ البيـ    ـدَ ويـــرتدّ مـن عنانِ الســـــماءِ

هـوَ مـولاكــــمُ وردَّدتِ الـدنـيـ    ـا: رضــيـنا بـالمستميتِ الفدائي

هـوَ مـولاكـــمُ وردَّدَ جــبــريــ    ـلٌ ومولـــى الــمـلائـكِ الأمـنـاءِ

لـعـلـيٍّ لـونُ الــجراحِ، وأصدا    ءُ الـمـنـــــــافي، ولوعةُ الغرباءِ

ولـه صـرخـةُ الـــيتامى وأغلا    لُ الأســـــــارى وشهقةُ الشهداءِ

ولـه مـا يــلـمـلـمُ الليلَ من خو    فٍ ومـــا يختفــــي وراءَ المساءِ

ولـه فـي الـقلوبِ عرشٌ وتاجٌ    مـن ولاءٍ مــــــــــــرصَّعٍ بالوفاءِ

فإذا انهـارتِ العروشُ تسامى    منبرٌ ناحـــــــــــلٌ ونصـفُ رداءِ (7)

وقال في يوم الغدير:

ألفُ جرحِ وأنتَ ما زلــــــــــــتَ حيَّا    تتحـــــــــــــــدّى زمانَكَ الدمويّا

ألفُ جرحٍ وأنتَ تمتــــــــــشقُ الشمـ    ـسَ ويعلو صــــدى صـداكَ دويّا

تعبـــــــــرُ العاصـــفاتِ والزمنَ العا    تي لتبقى الـــــفتى الجسورَ الأبيّا

أيـــــنَ مسرى اللـــظى أكنتَ تداري    منه جمراً؟ أم تحسبُ الجمرَ فيّا؟

ولهيبُ الصحراءِ مــــا مسَّ مِن خطـ    ـوكَ إلّا وعـــــــــــــادَ ورداً نديّا

ليتني أطفئ احتــــراقي بكــــــــــــفيـ    ـك فأصـــــحوا والبحرُ بين يديّا

ليتني أفرشُ الضـــــــــــــــــلوعَ للقيا    ك واطفي الهــــــجيرَ في شـفتيّا

ليتَ قلبي يصغي لــصـــــــــوتِكَ هذا    وهو يجتاحُ صــــدري الحجريّا

فــــــــــــــــيحيلُ الدمــــوعَ رفَّةَ نورٍ    أريحيٍّ يمورُ في مُـــــــــــــقلتيّا

ويعيدُ اليبـــــــــــــــــسَ الـقديمَ ربيعاً    فيقومُ الحلمُ المُــــــــــــــكفَّنُ حيّا

أيُّها العاشــــــــــــقـــونَ يجفلُ حرفي    ولقد كــــــــــــان مـبدعاً عبقريّا

ألفُ عذرٍ لقد تحطّـــــــــــــــم كأسي    غير أنّي ما زدتُ فـي البحرِ شيّا

نـفخَ اللهُ فـي الـبـــــــطـولاتِ والـحـ    ـبِّ وفيضِ النــــــدى فكانتْ عليّا

يا أميرَ الشـــــــــــــــــــآمِ هيّا ألا تلـ    ـمحُ في الأفــــــــقِ مـرقداً قدسيّا

حــوَّمَ الــمــجـدُ فـي مـــنــائـرِهِ الـشـ    ـمِّ وغـنّـى بــقــــــــــاءَه الأبـديّـا

وعلـيـهِ الأمـلاكُ فــــي نشــوةِ الـتـر    تـيـلِ تـنـهالُ سُجَّداً وبُـــــــــــكيّا

وعلـيٌّ هـو الـخـلــــودُ وحـــسـبُ الـ    ـخلدِ فخراً أن يغتــــــــدي علويّا

يا وليدَ الأركانِ مـــا قــــــبَّــلـتْ قـبـ    ـلـكَ أحـجـارَها الـظـمـــاءَ صبيّا

وارتـعـاشُ الـــــحـطـيـمِ ينبـئ أنْ منـ    ـه وراءَ الأستــــــارِ سـرَّاً خفيّا

فإذا أنتَ شـــــاطـئٌ خـضـــــلُ الـور    دِ تـحـضّـنتْ زورقاً ســــــحريّاً

حـامـلاً هـــــمَّـــــــةَ الـنـبـوَّاتِ رايـا    تٍ بــبــــــدرٍ وصــارمــاً أبـديّـا

تـعـبَ الـــــلاهـثـــــونَ خـلـفـكَ أنّـى    لـخفوتِ الـــــــثرى بريقُ الثريّا

وتـمــــرّ الأيـامُ تــحــــمـلُ مـن عـيـ    ـنيكَ صحواً ومــــن سحابِكَ ريّا

وصــــهـيـلُ الـخيـولِ يعبرُ من صفّـ    ـينَ رعداً فيخجـــــــلُ الأشعريّا

والـــسيـوفُ الـتـي بـــوجـهـِكَ سـلّـو    هـا أمــــــــــاطـتْ لـثامكَ القبليا

وتعــــــــــرَّت فبــعضُها خـــزفاً عا    د وبعــــــــــــــضٌ رأيته خشبيّا

والعيونُ التي تملّتكَ حــــــــــــــــقداً    شــــــــــربتْ دمعَها البليدَ الغبيّا

وتمنَّتْ لو أنها عميــــــــــــــــتْ قبـ    ـلكَ أو عادَ ذكـــــــــــرُها منسيّا

أمَّةٌ ما وفتْ بـــــــــــــــبيعتِكَ السمـ    ـحــــــــــاءَ بايـعتها فكنتَ الوفيّا

يا ابنَ شيخِ البطحاءِ من شيبةِ الحمـ    ـدِ يعودُ التــــــاريخُ غضَّا طريّا

وتــــــــــــــعودُ ابتسامةُ البيعةِ الأو    لى لعينيكَ موكبـــــــــــــــاً نبويّا

إننا هاهنا يــــــــــــــــــسمِّرُنا العهـ    ـدُ على ضفَّةِ الغـــــــــــديرِ فهيّا

نـــــــــــــــــــتغنّى على رواءِ عليٍّ    فرواهُ ما زالَ عـــــــــــــذباً نقيَّا (7)

وقال من قصيدة (الحسين.. لغة ثانية)

يبدو الحسينُ يُغطّي سيفَهُ بورودِ النّهرِ

ثمَّ يرشُّ الماءَ فوقَ دم القتلى..

فتظهرُ خلفَ الأفْقِ عاصفةٌ.

ما زلــــــتُ أحملُ أكفاناً.. ممزَّقةً    وحفنةً من رمال خبّأت وجَعي

أمشي وخلفيَ تمشي ألفُ عاصفة    كأنّها وُلِدت في كربلاءَ معي!

صوتٌ يجيءُ:

رأينا غيمةً هبَطت ليلاً تُفَتِّشُ بينَ الرملِ عن دمهِ الظمآنِ

ثمَّ توارتْ وهيَ حائرةٌ..

وَجهي ووجهُـــــــكَ شيءٌ واحدٌ ولنا    ظــــلُّ فَمَن أنتَ، هل أنتَ الذي قُتِلا؟

بالأمسِ أَغــــــلَقَني يأسي، وغادرني    لوني، فهلْ جئتَ ضوءاً تفتحُ الأملا؟

تــــــــــركتُ قلبيَ عندَ النهرِ نورسةً    ظمأى تشـــــظّى لَدَيها الماءُ واشتعلا

خطوي يطاردُ صحرائي، وقد تعبتْ    أشلاؤُهُ وانتهــى الـمسرى وما وصلا

فكيفَ جئتَ ربيعاً، رمــــــــلُ واحتِهِ    تلوّنَ النجمُ مـــــــن رؤياهُ، واكتحلا؟

السيفُ ينزفُ ماءً، قـلتَ، وارتـجفتْ    كفُّ الزمانِ، فهـــــل أنتَ الذي قُتِلا؟

صوتٌ يجيءُ: هيَ الأشياءُ تُولدُ في كفَّيِه

والرّيحُ طفلٌ خلفَ قامتهِ.. يبكي

وللشّمِس خيطٌ من توهّجهِ...

لِجثّتي أمسُـــــــــــــها نهراً وسنبلةً    وسوفَ يحملُ أعراسَ الحصادِ غدُ

وفي ارتجـــافِة موتي غَيمةٌ، وبأشـ    ـلائي مــخاضاتُ صبحٍ لَمَّها جَسدُ

عــــينايَ صمتٌ غريبٌ، خلفهُ لغةٌ    أُخرى.. وأشـــــــرعةٌ تنأى وتبتعدُ

صوتٌ يجيءُ: رأينا الشّمسَ تحملُهُ    في لحظةٍ قد تــــوارى عندها الأَبدُ

الرؤى

الرؤيا الأولى:

أرادَ أن يقولْ

شيئاً عن الفاصلةِ البلهاءِ

بينَ النومِ واليقظةِ

فاستسلمت الأشياءُ للذهولْ!

أرادَ أن يقولْ

شيئاً عن الخصبِ..

فصلَّت وردةٌ.. موبوءةٌ

واستغفرتْ آلهة الذبولْ!

أرادَ أن يُطفي عواءَ الريحِ،

أو يسترَ عُريَ هذهِ الخيولْ

فصاحَ: يا أمطارَ هذا الأُفُقِ المسلولْ..

مُرّي على خيمتنا،

فَخبَّأت خلفَ الضبابِ وجهَها،

وسمَّرت غيومَها الفصولْ!

وبعدَها.. أرادَ أن يقولْ:

لا تولدوا..

لا تولدوا في زمن مقتولْ!

الرؤيا الثانية:

هل كـــــــانَ للأشجارِ أوردةٌ    فيها لموجِ النّــــــــارِ ميناءٌ؟

هـــــــــل كانَ للغيمِ احتراقتُهُ    وله توابيتٌ وأشـــــــــــلاءُ؟

وهل التوى جسدُ النهار على    طعناتِهِ والشمـــــسُ عمياءُ؟

اَلريحُ قـــــــــافلةٌ وصرختُها    جَرَسٌ، وهذا الكونُ صحراءُ

لهدوئهِ لُغةٌ مــــــــــــــــلوّنةٌ    ولموتِهِ صــــــــــورٌ وأسماءُ

ولوجهِهِ رغمَ انطفــــــــاءتِهِ    أشياءُ بارقةٌ.. وأشيـــــــــــاءُ

بعيونِهِ تبكي مــــــــــــلائكةٌ    وبجرحهِ يتوضَّأ المــــــــــاءُ

الرؤيا الثالثة:

«صمتُهُ مئذنَة

والجراحُ قناديلُ من وهجٍ

والسيوفُ انطفاءْ»

هكذا قالت الريحُ

 ثمّ رَمَتْ وجههَا في العراءْ

هكذا تخشعُ الأزمنَة

فوق أقدامِهِ،

وتؤدّي الفصولُ طقوسَ البكاءْ

صمتُهُ مئذنَة

كلَّما فَرشَت ظلَّها،

هوَّمت فيه عصفورةٌ،

وغَفَت سوسنَة!

الرؤيا الرابعة:

يبدأُ الحزنُ فجأةً، تـــــــبدأُ الـدمـ    ـعةُ فصلَ الطفـــــــولةِ الأبَديَّة

ترتدي لحظةُ البـــكاءِ عمى الـليـ    ـلِ، وبُقيا نـــــــجومِهِ الخَزفيَّة

ليسَ في البــــــــحرِ أوردةِ الـملـ    ـحِ، وصمتِ المرافىءِ المنسّية

ليسَ فيهِ سوى غموضٍ رمـاديٍّ    وما خبَّئتْ عيــــــــونُ الضحيَّة

رمَّلت وجههَا الحكايا، وراحَ الـ    ضوءُ ينسى أشباحَـــها الهمجيَّة

فهي حيرى، هل طاعنوهُ برمحٍ    أمــــــــــــويٍّ، أمْ مُديــة وثنيَّة؟

ينــتهي الحزنُ فجأةً، تأخذُ الدمـ    ـعةُ بعدَ الرؤيا، ولونَ الشـــظيَّة

ويكـــــــونُ الحسينُ أوّلَ حرفٍ    جرحَ الصمتَ في دمِ الأبــجديَّة

الرؤيا الخامسة

عائدٌ والفراتُ رحيلْ

حَمَلَتهُ الخطى الخائفَة

عائدٌ خطوتي عاصفَة،

ودمي المستحيلْ،

ربّما ينحني زمنٌ.. ربّما

أو تضيعُ مرايا النهارْ

عائدٌ إنْ محاني الظما،

رَسَمتني البحارْ!

وجهُ طفلي كلامٌ جريحْ

ورؤى كَركَرتْ في رذاذِ الوضوءْ

الصحارى انهيارٌ.. وليلٌ.. وريحْ

وهوَ يبني الهدوءْ!

عائدٌ والزمانُ الكسيحْ،

خلفَ خطوي يموءْ!!

الرؤيا السادسة:

خطوتهُ تطاردُ الغيابْ

ووجهُهُ فراشةٌ،

حطَّت على بوّابةِ العذابْ

وفي عيونِ طفلِهِ تدافعَ الضبابْ

وفي الشفاهِ الراحلاتِ

في قوافلِ الردى

تَيبَّست جنازةُ السحابْ!

يا أنتِ، يا مواسمَ الترابْ

رشّي على جراحِهِ،

رشّي ولو شيئاً من السرابْ!

الرؤيا السابعة:

لنْ أكونَ كما تشتهينْ،

يا سيوفاً من الخزفِ الهاشميِّ،

ويا أوجهاً طلعت،

 من ثقوبِ السنينْ

لن تكونَ نوافذُ جُرحي،

ممرَّاً إلى مُدُنِ الميّتينْ!

إنني أبتني خيمةً لجراحي،

وأعزفُ من آهةِ المتعبينْ،

مواويلَ منقوعةً بالتمرُّدِ،

مشدودةً بالتشرُّدِ،

مشبوبةً...

لا كما تشتهينْ،

أن تكونَ مرقَّعةً من رماد وطينْ!

أَنْ أكونَ كما تشتهينْ،

أنتِ لابدَّ أنْ تحصدي سنبلا

مِن حكايا المواويلِ،

أو أنجماً من شظايا القناديلِ

أو فرحاً من زوايا الأنينْ...

ثمَّ قد لا أكونُ كما تشتهينْ

الرؤيا الثامنة:

كيفَ يجيءُ الماءْ؟

وتحتَ كلِّ قطرة،

محرقةٌ حمراءْ؟

وخلفَ كلِّ قطرة،

جزيرةٌ منقوعةٌ بالملحِ والخواءْ؟

كيفَ يجيء الماءْ؟

وليسَ في زوّادةِ القتلى سوى الدماءْ

وليسَ في عباءةِ الحسينْ،

غير بقايا جسد مجرَّح، وصمتِ كبرياءْ

كيفَ يجيء الماءْ؟

والنهرُ صارَ فجأةً...

مقبرةً لألفِ ألفِ موجة بلهاءْ؟!

الرؤيا التاسعة:

خلفَ عينـيهِ نجمتـــــا    نْ وعلى صـــدرهِ قـمرْ

كيف يبكـي له الدخـــا    نْ أو يغنّي لهُ الحجـرْ؟

وعلى وجهِهِ رمــــتْ    لــــونَها ألــفُ عاصـفَة

يا ترى أين هوّمــتْ؟    فالـعصــــــافيرُ خـائفَة!

عُنْقهُ حاصرَ السيــــو    فْ فتـــهاوتْ، مـهشَّمَة

هيَ في عُريِها تطـــو    فْ وهوَ مليونُ ملحمَة!

حائراً هَمْهمَ المســــا    ءْ لخيول.. مقــــــــنّعة

كيف لا تحملُ الضيا    ءْ غيرُ كفٍّ.. مقطّــعَة؟

قد توكَّـــــأْتَ يا جبلْ    فوقَ رمـــــح.. محطَّمِ

هكذا يُصلــبُ الأملْ    بمساميرَ مــــــــــن دمِ!

ويقول من قصيدة أخرى:

كانهيارٍ سمعتُ صـــــــوتَـكَ، لا البحـ    ـرُ يَردُّ الصّدى، ولا الأشـــجارُ

جَفَلَت منهُ جثّةُ الشّمسِ، وانـــــــــــسـ    ـلَّ بخيطٍ من الظــــــــلامِ النهارُ

ظامئٌ قلتَ وابتـــــــــــــسمتَ لمـوتٍ    صُلِبت فــــــــــــوقَ كفِّهِ الأنهارُ

وحملْتَ الجراحَ، والجسدَ الــــــــمكـ    ـسورَ حزناً، وما طـــــواهُ الغبارُ

وعذاباً، ملامحُ الجـــــــــــــــمرِ تبنيـ    ـهِ، وتنهلُّ مـــــــــــن رؤاهُ النّارُ

واكتشفتَ احتضــــارنا، وانـهزامَ الـ    ـماءِ واستسلَمَتْ لـــــــكَ الأسرارُ

ورأيـــــــــــــــتَ القلاعَ شيئاً خرافيـ    ـاً، فللرّيحِ تنــــــــــحني الأسوارُ

حـــــيثُ عصفُ الطّوفانِ أغنيةٌ حمـ    ـقاءُ كالصّمتِ، والسّيوفُ انكسارُ

فامحُ زيفَ التأريخِ واكتبْ تناسى الـ    ـماءُ وجـــــهي، وخانتِ الأمطارُ

وقال:

ودّعيني ففي غدٍ يشرب الــــــــسيـ    ـفُ وريدي ويحفرُ القلبَ نصلُ

وغداً تذعرين حين تريـــــــــن الـ     ـخيـــلَ في وجهِها جنونٌ وقتلُ

وغداً تحملين أشــــــــــلائيَ الـحمـ    ـراء غِـــــمداً لألفِ سيفٍ يُسلُّ

وغداً تُنهــــــــبُ الخيامُ وخـلفَ الـ    ـنارِ تبكـــي النسا ويهربُ طفلُ

وغــــــــداً لا يَظلُّ من يـوم عاشو    راءَ إلاّ جـــــراحُنا ... والرملُ

هاهنا تصرخُ الرؤوسُ الــخضـيبا    تُ ويبكي علــى صداها النخلُ

وترضُّ الخيولُ صدري فيبكي الـ    ـنهرُ في صمتِـــهِ وتبكي الخيلُ

آهِ يا زينبَ البطـــــــــولةِ خلّي الـ    ـصبرَ رمحاً علــى خيامِكِ يعلو

ودعي الدمعَ جمرةً ولـــــــــــهيباً    من كُوى الغيبِ كــــلُّ آنٍ يَـطلُّ

فطريقُ الخلودِ صعــــــــبٌ وفيه    يفتحُ المرءُ جُرحَهُ أو يـــــــــذلُّ

وقال:

آهِ ، يا ليلةَ الأســـــــى والدموعِ    أطفئي في دمِ الــطفوفِ شموعي

ودعيني أعــيشُ في ظلمةِ الحز    نِ فعمـــريَ شــمسٌ بـغيرِ طلوعِ

وانثري فــي عيوني الجمرَ وقّا    داً وخلّــي اللهيبَ بيـن ضلوعــي

وامسحـي بالسوادِ لونَ وجودي    فلقد كفّنَ الـــــــــــــرمادُ ربــيعي

واحمـــــليني لـ (كربلاءَ) خيالاً    بجناحٍ من عبرةٍ .. وخـــــــشوعِ

حيث نـحـرُ الحسينِ ينتظرُ الما    ءَ، ويهفو لرأسهِ المـــــــــــقطوعِ

وجـــــــــــــــراحاته تئنُّ فيبكي    ألفُ كونٍ على الصدى الموجوعِ

والشفاهُ المـخضّباتُ نجــــــــومٌ    شاحبــــــــاتٌ من الظما والجوعِ

وتمنّى الفراتُ لـــــــــو طهّرتهُ    قطرةٌ من دمــــــاءِ نحرِ الرضيعِ

يا عيوني أين الــبكاءُ؟ ففيضي    هذه (كربلا) وهـــــــــــذا شفيعي

هذه (كربلا) وهذي الخيولُ الـ    ـجُرْدُ تعدو على التريـبِ الصريعِ

هذه (كربلا) وهذا رســولُ اللهِ    يبكي في ســـــــــــــــاعة التوديعِ

...........................................

1 ــ ليلة عاشوراء في الحديث والأدب ص ٢٤٣

2 ــ موقع بينات بتاريخ 17 / 9 / 2018 / موقع شعراء أهل البيت

3 ــ معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين

4 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٥ ص ٣٦٠

5 ــ نفس المصدر ص 152

6 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٥ ص ٣٦٢ ــ 363

7 ــ نفس المصدر ص ٣٦٠ ــ 362

ترجم له وكتب عنه:

محمد حسن معصومي، سيد أكبر غضنفري، علي رومي بور ــ الدراسة والنقد الإيكولوجي لأشعار جواد جميل وطاهرة صفار زاده

ميرزا الخويلدي / عذابات الشاعر العراقي في داخل الوطن والمنفى، حوار مع الشاعر ــ جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 23 / 10 / 2002 العدد 8730

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار