187 ــ حمزة النحوي (1157 ــ 1248 هـ / 1744 ــ 1832 م)

حمزة النحوي (1157 ــ 1248 هـ / 1744 ــ 1832 م)

قال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (120) بيتاً ومنها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

بروحي وحيداً ظلَّ في طفِّ (كربلا)     بكربِ البلا مَضنى الحشا ما له عضدُ

غــــــــريباً نزيحاً بين جيشٍ عرمرمٍ     طــــــــــــــــــــغاةٍ ونورُ اللهِ بينهمُ فردُ

بروحي حــــــسيناً حينَ شاهدَ صحبَه     قد استشهدوا جمعاً وطيرُ النوى يشدو (1)

ومنها:

لقد شهـــــــــــدتْ أفعالَه الطفُّ والعدا     كما شـهـــــدتْ أفـعـالَ والـدِه أحدُ

بكربِ البلا في (كربلا) يشتكي الظما     وليــــــــــس له إلّا دما نحرِهِ وِردُ

فيا لكَ مقتولاً أجـــــــــــــلَّ الورى أباً     ويا لك مظلوماً، له المصطفى جدُّ

الشاعر

من جنايات التاريخ أن كثيراً من الأعلام لم يأخذوا حقهم من الاهتمام رغم بصمتهم المؤثرة والواضحة في عصرهم ولعل الشاعر حمزة النحوي كان نصيبه كبيراً من هذا الإهمال حيث لم يهيأ التاريخ له من يذكر حتى نسبه رغم شاعريته الكبيرة ولقبه الذي يدل على باعه الطويل في النحو واللغة.

ينتسب الشاعر إلى بيت (النحوي) الشهير في الحلة والذي برز منه كثير من أعلام الأدب والشعر واللغة، الذين أثروا الساحة العلمية والأدبية بمؤلفاتهم ودواوينهم، ولكن من الغريب أن تجد أن أحد أعلام هذه الأسرة قال عنه السيد محسن الأمين بأنه: شاعر وأديب وفاضل وأريب ويعيش قرابة (90) سنة ولا تجد له سوى جزء من قصيدة يقول عنها الأمين: له القصيدة الدالية في مدح الأئمة عليهم ‌السلام نحو (١٢٠) بيتاً لم يتيسر لنا الاطلاع على جميعها، أولها ...) (2)

وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي: (لم نقرأ من شعره في المجاميع سوى هذه القصيدة الدالية وهي طويلة وجدتها في مجموعة من مخطوطات أوائل القرن الثالث عشر فيها بعض القصائد والمقاطيع لكبير هذه الأسرة الشيخ أحمد النحوي، ولا أعلم ماذا يكون المترجم منه، وهل هو من أولاده أو أحفاده...) (3)

وقال الأستاذ علي الخاقاني: (الشيخ حمزة النحوي هو أحد أولئك الشعراء الذين شاءت الحوادث وجهل المؤرخين أن يُنسى،  فقد جهلت كتب التراجم ذكره ولولا العقيدة التي بعثت بكثير من المسجلين أن يدوّنوا ما قيل من الشعر في الإمام الحسين وآل البيت عليهم السلام للدوافع القدسية التي فرضت عليهم أن يتبعوا ما قاله الشعراء لفاتنا أن نعرف اسمه أيضاً كما فاتنا أن نعرف من هو وما هي علاقته بآل النحوي فقد وجدت في أكثر من مجموع يرجع عهده إلى أكثر من قرن ونصف ذكر قصيدة له إلى جنب ما ذكر من شعراء الحلة ومن بينهم الشيخ أحمد وأبناؤه محمد رضا وهادي وبمثل هذه القرائن وبما احتفظ به من لقب يجمعه بهم يتولد لدينا أنه من هذه الأسرة التي خدمت الأدب العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ولولا هذه القصيدة لبقي الشيخ حمزة نسياً منسياً( (4)

وجاء في ترجمته في معجم البابطين: (ضنّت المصادر بأخباره، والقليل الباقي من شعره مرتبط بالعقيدة الدينية.... قصيدته الدالية في المديح النبوي، ووصف مآثر آل البيت، تدل على طول نفسه، وقدرته على تنمية السياق من خلال انتقاء الأحداث الجزئية، وعلى قدرته على الوصف، أما أسلوبه فقد انطبع بسمات عصره في الحرص على المحسنات البديعية، بخاصة الجناس والطباق ومراعاة النظير).

ورغم أننا لا نعرف سبب تهميش هذا الشاعر إلا أن تاريخ أسرته يعطي انطباعاً قريباً عنه فهذه الأسرة احتلت مركزاً مرموقاً في الساحة العلمية والأدبية، يقول الشيخ يوسف كركوش:

(أسرة آل النحويّ أسرة حلّيّة، كان لها صدى في عالم الأدب والشعر، ظهرت على مسرح الحياة في القرن الثاني عشر الهجريّ، وقد نبغ منها رجال في العلم والأدب والشعر) (5)

وأول من برز منها هو العالم والأديب الشيخ أحمد بن حسن النحويّ المتوفى سنة (1183 هـ / 1770 م)، كما برز من هذه الأسرة في العلم والأدب أولاده: محمد الرضا، والهادي، والحسن وغيرهم.

شعره

كل ما احتفظ به التاريخ للشاعر من شعر هو هذه القصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) يقول منها:

قـفـوا بـديارٍ فــــاحَ مــــن عَـرْفـهـا نَـدُّ     ديــارِ سُــــعـــــودٍ مـا لأربـابـهـا نِـدُّ

فإن تألـفـوهـــا قـد خــــلتْ مـن ديارِها     سـلوا ربـــــعَها عن ربعِها أيُّها الوفدُ

وخُصّوا سلامَ الــــصبِّ عُرْبَ عريبِها     ســــــــــلامَ ســليـمٍ لا يُـفـارقـه الـودُّ

مُـحـاربُ أعـــــداهـم وسـلـمُ مُـحـبِّـهـم     وبـــاغـــــضُ شــانيهمْ وحرٌّ لهم عبدُ

صـديـــــقُـهـمُ لـكـنْ عـــــدوُّ عـــدوِّهم     مُقرٌّ بهــمْ في غـيرِهـــم طـبعُه الجحدُ

وفــــي قربِهم يرجو التبـاعدَ من لظًـى     ولـكـنــــــه مُضنـــىً وخـانَ به البُعدُ

جــــفاني النوى حتى أضرَّ بيَ الجوى     وقـرَّحَ أجـــــفانــــي بــما فعلَ السُّهدُ

فمِن وجدِهم فانٍ وجـــودي وقــــد غدا     ودادي لــهـم بــــاقٍ لـه خـلـديَ خـلدُ

فطوبى لـحزوى والـعـقيـــــــقِ ورامةٍ     ونــجـدٍ لعـمـــــري لـلـعـليلِ بها نجدُ

إذا فاحَ طـيـبٌ مـن أطـــــائــــبِ طيبةٍ     تـأرَّجَ منه الـــــمندلُ الرطبُ والرندُ

فللهِ مـا أزهى شـــــمــــوسـاً بُـدورِهـا     نهـارُ هُـداهــــا لــــلـمضلِّ بها رُشْدُ

مُـجـلـبـبـةٌ بالعــــزِّ والفخرِ والـــحجى     يلــوحُ عـلــــى أرجـــائِها للعلا مجدُ

رعى اللهُ هــــاتيـــكَ الديارَ وما حوتْ     جـبـالَ فــــخارٍ فاحَ فــي سفحِها الندُّ

حوتْ خيرَ من لبّى وطافَ ومـن سعى     وصـــامَ وصلّى إنْ أضـرَّ به الجهدُ

كـريـمٌ عـــــــــلى اللهِ الـكـريــمِ محـمدٌ     فــــــأخــلاقُـه بِـشـرٌ وراحـاتُـه رِفـدُ

فـيُـعـطـي بلا مَنٍّ يميــــــــــــــناً يمينُه     تفيضُ ندىً كالسُّحبِ إذ هزَّها الرعدُ

فـــــخُصّ مقاماً في الندى جـــلّ رفعةً     كما خُصَّ قِدماً في الندى العلمُ الفردُ

صـبــــــورٌ على البلوى عجــولٌ لبِرّهِ     صـــــفوحٌ عن الجاني وليسَ له حقدُ

لـه معجــــزاتٌ تملأ الأرضَ والــسَّما     فـأُورثَـــــــها الكرّارَ من بعدُ يا سعدُ

هـمــا عـلّـةٌ لـــــلـكـائـنـاتِ وبــــدؤهـا     وغايـتُها لا شـــــكَّ في ذا ولا جـحدُ

لـقـد خُـلــقـا مـن نـــــــورِ ربٍّ مُهيمنٍ     فــإثـنـانِ لفظًاً بل ومــــــعناهما فردُ

بـسـرِّهـمــا سـارتْ بـنـــــــوحٍ سـفـينةٌ     وأُخــمدَ من نارِ الخليــــــلِ له الوقدُ

ولانَ لـــــــــــداودَ الـحــديــدُ بــكــفّــهِ     بـســــــرِّهـمـا لـمّـا لـه قُـدِّرَ الـسـردُ

وآبَ إلـى أيــــــــــوبَ صـحّـةُ جـسمهِ     بـفـضـلِــــهما لمّا دعا وانتفى الجهدُ

أصولٌ لطوبى حيـــــن طابتْ فروعُها     فـطوبى لـــمن كـانوا له يومَ لا يبدو

هُم شـفـعـائي والـذيـنَ أدَّخــــــــــرتُهمْ     لـيــومٍ بـه لا يــــنـفـعُ الـمـالُ والولدُ

هُـم العـــــــــالمونَ العاملونَ بهم هدوا     بــواطـنُـهـم عــلـــمٌ ظواهرُهم رشدٌ

هُم الصائمونَ الصابرونَ على الطوى     فـمأكلـــــــهم شـربٌ ومشربُهم حمدُ

هُم الراكعـــونَ الساجدونَ ذووا الندى     أكـــــــــــفُّــهــمُ بِـــرٌّ أنــامــلُـهـم نَـدّ

هُـم الـذاكـــــــــرونَ اللهَ آنــاءَ لـيـلِـهـم     نـهـارُهـمُ صــــــومٌ ولـيـلـهُـم سـهـدُ

هُم المصطفونَ الطـــاهرونَ من الخنا     فـأخـلاقُهم عفٌّ وأطـــــــــباعُهم ودُّ

منارُ هدىً أبياتُهم كـعــــــــبـةُ الـورى     ركوعٌ سجودٌ دون اعتابِــــــها الوفدُ

إلى أن عفت من بعدِهم عــــــرصاتُها     وأمستْ خلاءً لا سعادٌ ولا هـــــــندُ

سطتْ حادثاتُ الدهرِ في كلِّ نــــــكبةٍ     عــــــــلى أهلِها خيرِ العبادِ إذ عُدوا

أآلِ مـنـىً نـال الـمُـنـى بـولائِـــــــــكـم     عُـبــــــيـدُكـمُ لا بـلْ لـعـبـدِكـمُ عـبدُ

لنحوِكمُ الـنـحـــــــــويُّ (حمزة) قاصدٌ      فـحـاشا لديـــــكم أن يخيبَ له قصدُ

..........................................................

1 ــ ذكر منها الخاقاني (101) بيت وأشار إلى عددها شعراء الحلة ج 2 ص 318 ــ 323

2 ــ أعيان الشيعة ج 6 ص 252

3 ــ البابليات ج 2 ص 176

4 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 318

5 ــ تاريخ الحلة ص ج 2 ص 172

6 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 319 ــ 323

كما ترجم له:

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 6 ص 336

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 3 ص 1285

جعفر محبوبة / ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 451

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 2 ص 151

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار