153 ــ حسن القيِّم: (1276ــ 1318هـ / 1859ــ 1900 م)

حسن القيِّم: (1276ــ 1318هـ / 1859ــ 1900 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (55) بيتاً:

كأنّي بها في (كربلا) وهي كعبةٌ    سجودٌ عليها البيضُ والسمرُ ركّعُ

فيا لوجوهِ في ثرى الطفِّ غُيِّبتْ    ومـن نـورِهـا ما في الأهلّةِ يسطعُ

ولمَّا تـعـرّتْ بـالـعـراءِ جسومُها    كـسـاهـا ثـيـابـاً مـجدُها ليسَ يُنزعُ (1)

ومنها:

سأبكيكَ دهري ما حُييتُ وإن أمُت    فــلـي مُـقـلةٌ عـبرى وقلبٌ مفجّعُ

بنفسيَ أوصـال الـمـكارمِ واصلتْ    سيوف العدى حتى انحنتْ تتقطعُ

مصارعُـها فـي (كربلا) غير أنّها    لها كلُّ آنٍ نصبُ عينيَ مـصرعُ

وقال من حسينية أخرى تبلغ (45) بيتاً:

تَاللَهِ عندَ ضــــــــئيلِ تيمٍ فيؤه     أَودى به التَــوزيعُ وَالتَقسيمُ

يـومٌ تطرّق فـتــــــنةً لولاهُ لمْ    تنتـــجْ رزايا (كربلاءَ) عقيمُ

هـمْ قـدّمـوه لإمـرةٍ بــضلالِها    أَمــــــسـى لَـه يـتمهّدُ التقديمُ

هجموا على حرمٍ أُميَّةٌ بعدهمْ    بالطفِّ ساغ لها عليهِ هجومُ (2)

الشاعر

الشيخ حسن بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي الحلي المعروف بـ (القيِّم) (3) شاعر مجيد وأديب فذ ونابغة في البلاغة والبيان، ولد في بغداد في أسرة أدبية بامتياز، فأبوه محمد القيِّم كان شاعراً كبيراً وخطيباً بليغاً ذاع صيته في بغداد والحلة، وهو يومئذ أستاذ الخطابة فيهما (4) وكان قد هاجر من الحلة وسكن بغداد. وتعود هذه الأسرة بنسبها إلى بني أسد.

وقد جاء لقب الأسرة (القيِّم) من (القوامة) وهي الإشراف على بعض المقامات المقدسة، حيث كان أجداده قواماً عليه (5)

قال الشيخ محمد علي اليعقوبي في ترجمة الملا محمد القيم ــ والد الشاعر ــ: (وكان جدّه سادناً و(قيما) على مقام الإمام المهدي (ع) الواقع في سوق الهرج في الحلة المسمى بـ(الغيبة) وهو المقام الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته وابن خلدون في مقدمته، وكان السادن المذكور يتولى أيضا أوقاف الجامع الكبير الذي يجاور مقام الغيبة جنوبا وذلك قبل أربعة قرون تقريبا كما تحكيه الصكوك والوثائق الرسمية التي بأيدي هذه الأسرة من الحكومتين الصفوية والعثمانية، ومن ثم عرفوا بآل القيم) (6)

قال عنه السيد محسن الأمين: (كان أديباً شاعراً مجيداً من أسرة كانوا قوَّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقب بالقيِّم) (7)

وقال الخاقاني:(شاعر في الرعيل الأول من شعراء عصره) (8)

وقال عنه الطريحي: (هو أحد خيار شعراء الحلة المجيدين، وأعاظم نوابغها الممتازين، كان ــ رحمه الله ــ قوي الحافظة جيد النظم بديع المعاني والوصف، متين التراكيب تخرج على يد الشاعر حمادي نوح وأثبت له من شعره) (9)

هاجر القيم إلى الحلة ونشأ في أجوائها التي تعج بالأدب والأدباء فقد كانت الحلة في ذلك الوقت عبارة عن جامعة أدبية تزخر بأفذاذ الشعراء والأدباء الكبار أمثال السيد حيدر الحلي والشاعر حمادي نوح وغيرهم الذين استفاد منهم ونمت قريحته وصقلت مواهبه على أيديهم إضافة إلى أبيه معلمه الأول.

وكان للمجالس الأدبية الصغيرة التي كانت تعقد في دكانه الصغير الذي يزاول فيه مهنة الحياكة الحريرية أثراً كبيراً في اكتمال الروح الشعرية لديه حيث كان يجتمع فيه ــ رغم صغر حجمه ــ كبار شعراء الحلة وتدور بينهم المساجلات والمناقشات وقد لازم الشاعر حمادي نوح واستفاد منه كثيراً

يقول الخاقاني: (وكان لذكائه وتوقد ذهنه قد قرب من نفس أستاذه ابن نوح فقد عني بتدريسه ولقنه كثيرا من أخبار العرب وأدبهم واطلعه على مجموعة من شعر معاصريه برواية ملئت ظبطا وكشفا..) (10)

ويصف الدكتور محمد مهدي البصير هذه المجالس بالقول:

(أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم إلى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض). (11)

وقال السيد الأمين في ترجمته: (كان أديباً شاعراً مجيداً من أسرة كانوا قوَّاماً في بعض المشاهد، فلذلك لقّب بالقيم، وكان يحذو حذو مهيار في شعره، ويعارض قصائده، ويتحرف بتطريز الأحزمة والمناطق كغيره من أهل بيته، ويجلس إليه في دكانه أدباء وقته. وكان أبوه أيضاً شاعراً خفيف الروح أخذ المترجم عن السيد حيدر الحلي والشيخ حمادي بن نوح وغيرهما رأيته بالنجف أيام إقامتنا بها لطلب العلم) (12)

وقد وصفت مساحة مكان (ندوة الأدب) تلك ــ أي الدكان الصغير ــ بأن القيم كان إذا أراد أن يدخله ينحني لضيقها رغم أن القيم كان قصيراً ونحيفاً، ولم يتخذ الشعر آلة كسب وحرفة استجداء بل كان يمتهن نسج المناطق الحريرية وهي حزم تنسج من القطن والابريسم يستعملها الرجال وتشد في أوساطها وهي شائعة الاستعمال في تلك الأطراف حتى اليوم، وكان حانوته الذي يتعاطى فيه هذه الحرفة مختلف أدباء الحلة وشعرائها فيقصدونه للإستفادة من عبقريته والاستمتاع بأحاديثه ونوادره على صغر سنه وهم يعدونه بتلك السن من الطبقة العليا من قادة الأدب (13)

وكانت ممارسته لهذا العمل السبب في أن البعض وصفه بأنه (أمي) لا يقرأ ولا يكتب فهم يحسبون أن الشاعر يجب أن يجلس على برج عاجي وقد رد الشيخ محمد علي اليعقوبي على هذا الاعتقاد بالقول:

(وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد الكريم). (14)

وقد توفي القيم رحمه‌ الله ولم يتجاوز الخامسة والأربعين ودفن في النجف الأشرف.

لقد كانت حياة القيم درساً في التواضع والإصرار على طلب العلم ولعل أجمل ما وصف به هو قول السيد جواد شبر حيث يقول:

(أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة ...) (15)

شعره

قام اليعقوبي بجمع وتحقيق ديوان الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة (١٣٨٥ ه‍ـ / 1965 م) ويقع الديوان في مائة وأربع صفحات، (16) قال عنه الخاقاني: (شعره معظمه من النوع الممتاز وأدبه فيه سمو وإبداع) (17)

غير أن هذا الديوان لا يمثل كل تراث الشاعر فقد ذكر السيد الأمين: (أن شعره كان مجموعاً لكنه احترق سنة 1335 في واقعة الأتراك بالحلة ولم يبق منه غير ما كان محفوظاً أو مثبتاً في المجاميع) (18)

وقال البابطين عن ديوانه: (يقع الديوان في مائة وأربع صحائف، تصدرته مقدمة عرف فيها المحقق بالشاعر وأسرته (الديوان في أربعة أقسام: الحسينيات - المدائح والتهاني - الرثاء والتأبين - الوجدانيات) تدل أقسام الديوان على محاوره «الموضوعية»، وهي أغراض الشعر المعروفة والمألوفة في بيئة المترجم له وعصره، ولن يختلف أسلوبه عن المألوف من القول في مثل هذه الأغراض، وقد لجأ إلى التشطير، كما امتدح الخليفة العثماني، وهنا قد يبدو شيء من محاولة الاختلاف، وليس كذلك ما كتبه في تقريظ الكتب) (19)

ويقول اليعقوبي عن شعره: (شعره أنيق المبنى رقيق المعنى رشيق الأسلوب بديع الوصف حسن الرصف مكثر فيه من الاستعارة والتشبيه مما يدلنا على عنايته بتهذيب شعره...) (20)

ومما يدل على شاعريته الكبيرة ما ذكره اليعقوبي: (أنه كانت شعراء الحلة تراجعه فتستفيد بنباهته..) (21)

قال القيم يرثي الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (49) بيتاً:

يــــــومَ عاشورَ الذي قد أرانا    كـلَّ يـومٍ مـصـابُـه عــــاشـورا

يــــومَ حفّت بابنِ النبيِّ رجالٌ    يملؤون الدروعَ بــــأساً وخيرا

عـــمَّروها في اللهِ أبياتَ قدسٍ    جـاورتْ فـــــيه بيتَه المعمورا

ما تعرّتْ بالطفِّ حتى كساها    الله فــي الـخـلدِ سندساً وحريرا

لم تعـــــثّر أقدامُها يوم أمسى    قــــدمُ الـمـوتِ بالنفوسِ عثورا

بقلوبٍ كـــــــأنّما البأسَ يدعو    لقراعِ الخطوبِ كوني صخورا

رفعتْ جردُ خيلِهم سـقفَ نقعٍ    ألفَ الطيرُ في ذراهُ الوكــــورا

حالياتٍ يرشحنَ بالدمِ مــرجـا    نـاً ويـعـرقنَ لؤلؤاً مـــــــنثورا

عشقوا الغادةَ التي أنشقــــتهمْ    مـن شذاها النقعَ المثارَ عـــبيرا

فتلقوا سـهـامَـهـا بـــــصـدورٍ    تـركـوهـنَّ لـلـسـهـامِ جــــــفيرا

لازموا الوقفة التي قــطّرتهم    تحتَ ظلِّ القنا عفيراً عــــــفيرا

فخبوا أنجماً وغابوا بــــدوراً    وهـووا أجبلاً وغاضوا بـحـورا (22)

وقال في رثائه (عليه السلام) من قصيدته التي قدمناها وتبلغ (45) بيتاً:

وَمولعٌ باللومِ مـا عرفَ الجوى    سـفــــــهاً يعنّفُ واجـداً وَيَلومُ

فأجبــــته والنــارُ بينَ جوانحي    دعني فرزئي بالحـسينِ عظيمُ

أنعاهُ مفطــورَ الفؤادِ من الظما    وَبنحرِهِ شجــــرُ الـقنا محطومُ

جمَّ المناقبِ منه يُضربُ للعلى    عِـرقٌ بأَعياصِ الفخـــارِ كَريمُ

فَلَقَد تَعاطى وَالدمــــــاءُ مدامةٌ    وَلَـقَــد تـنـادمَ والـحـسـامُ نـديـمُ

في حيث أَوديةُ النجيـــعِ يمدُّها    بـطـلٌ بخيلِ الدارعينَ يــــعومُ

ومن حسينيته التي تبلغ (55) بيتاً:

وظمآنةٌ كـــــــــادتْ تروِّي غليلَها    بــأدمعِها لو كان يروي وينقعُ

فذا جــــــفنُها قد سالَ دمعاً وقلبُها    بكفِّ الـرزايا باتَ وهو موزّعُ

هوتْ فوقَ أجسادٍ رأتْ في هويِّها    حشـــاشتَها من قلبِها فهي وقّعُ

...........................................................................

1 ــ أدب الطف ج 8 ص 154 ــ 256 / ذكر منها في: الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 257 ــ 259 (44) بيتاً / شعراء الحلة ج 2 ص 17 ــ 19 (36) بيتاً

2 ــ موقع بوابة الشعراء بتاريخ 12 / 9 / 2013 / ذكر منها أدب الطف ج 8 ص 152 ــ 153 (40) بيتاً / وذكر منها (39) بيتاً في الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 255 ــ 257 / شعراء الحلة ج 2 ص 22 ــ 24

3 ــ البابليات ج 2 ص 105 في ترجمة والده الشاعر الملا محمد القيم / الحسين في الشعر الحلي ج 1 252

4 ــ أدب الطف ج 8 ص 150

5 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 3

6 ــ البابليات ج 2 ص 105

7 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 266

8 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 3

9 ــ نفس المصدر والصفحة عن الحليات للطريحي

10 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 3

11 ــ نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ص 302

12 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 266

13 ــ البابليات ج 3 ص 49 ــ 50

14 ــ أدب الطف ج 8 ص 149 ــ 150

15 ــ نفس المصدر ص 151

16 ــ البابليات ج 3 ص 50

17 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 6

18 ــ أعيان الشيعة ج 5 ص 266

19 ــ المعجم

20 ــ البابليات ج 3 ص 50

21 ــ نفس المصدر ص 61

22 ــ البابليات ج 3 ص 59 ــ 61 / شعراء الحلة ج 2 ص 13 ــ 16 / أدب الطف ج 8 ص 147 ــ 149

كما ترجم له وكتب عنه:

الشيخ محمد علي اليعقوبي / مقدمة ديوان حسن القيم ص 1 ــ 8

إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 1 ص 332

الشيخ أغا بزرك الطهراني / الذريعة ج 1 ص 432

الشيخ السماوي / الطليعة ج 1 ص 240 ــ 242.

الشيخ علي كاشف الغطاء / الحصون المنيعة ج 2 ص 32

الشيخ جعفر النقدي / الروض النضير ص 296

gate.attachment

كاتب : محمد طاهر الصفار