النص الكامل للخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 7 ذي الحجة 1437هـ الموافق 9 ايلول 2016 م

ايها الإخوة والأخوات ... ان الله تعالى كما اختار من عباده صفوة اجتباهم لرسالاته وخصهم حججاً على عباده ، فقد اختار من الايام صفوة جعلها اقرب اليه من غيرها في نزول رحمته وفيوضات لطفه وإجابة دعائه ، وسيحل بساحتكم يوم من هذه الايام شرّفه الله تعالى فجعله يوم دعاء وتوسل حتى بلغ من فضيلة الدعاء فيه انه يكرم الصوم فيه لمن يضعفه عن الدعاء، فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام انه سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال عليه السلام " كان ابي لا يصومه ، ثم قال عليه السلام : لأن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة واتخوف ان يضعفني عن الدعاء " .

ومن الأعمال المستحبة في هذا اليوم هو زيارة الامام الحسين عليه السلام كما ورد في الكثير من النصوص، وفي بعضها عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السلام أنهما قالا : " مَنْ أتَى قبرَ الحسين عليه السلام بِعَرَفَةَ أَقلَبَهُ الله ثَلِجَ الفُؤادِ " .

وفي هذا اليوم تعجّ اصوات الملايين من المسلمين بصنوف اللغات في الموقف بعرفات تعلن توبتها الى الله تعالى والعودة اليه مستمطرين رحمته وسحائب رأفته وقد روي عن الامام الباقر عليه السلام انه قال : " ما يقف على تلك الجبال برٌّ ولا فاجر الا استجاب الله له فأما البرُّ فيستجاب له في اخرته ودنياه واما الفاجر فيستجاب له في دنياه " .

وأننا ـــ كمسلمين ـــ بحاجة اليوم الى الرجوع والانابة الحقيقية والصادقة الى الله تعالى وشرعه القويم ومنهجه المحمدي الاصيل وذلك باتباع شرعته في الرحمة والاخوة واحترام الاخر ونبذ التعصب وتجنب الصراعات غير المبررة لا شرعاً ولا عقلاً ولا أخلاقاً ، وقبول كل منا بالآخر والعمل معه سوية في الخيرات حيث المشتركات كثيرة وما يجمعنا اكثر مما يفرقنا لولا ان الهوى والتعصب صار هو الغالب والسائد حتى بات العالم الاسلامي موطن الصراعات الدموية والاحتراب المقيت .

وعليكم ايها الأحبة المؤمنون بتعاهد دعاء الامام الحسين عليه السلام يوم عرفة ؛ ففيه من المعارف الدينية السامية والتعاليم العقائدية والعرفانية العالية ومكارم الاخلاق الربانية ما ينبغي للداعي ان يتوجه بالتضرع والاستكانة والخشوع والرهبة والرجاء لله تعالى وطلب قضاء الحوائج للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، واجتهدوا في هذا اليوم العظيم في الدعاء لإخوانكم المقاتلين بالنصر والظفر وخلاص الامة من شرور الارهابيين وبالفرج عن المنكوبين والمستضعفين والنازحين وبالهداية للحكام والمسؤولين ممن كان قابلا للهداية وبالخلاص ممن لم يكن قابلا لها .

فقد روي عن بعضهم انها قال رأيت عبدالله بن جندب ـــ وكان من أجلاء اصحاب الائمة عليهم السلام ـــ بالموقف فلم أرَ موقفاً كان احسن من موقفه وما زال مادّاً يده الى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الارض فلما انصرف الناس قلت يا ابا محمد ما رأيت موقفا قط احسن من موقفك قال " والله ما دعوت الا لأخواني وذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام اخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ـــ ولك مئة الف ضعف مثله ـــ فكرهت ان ادع مئة الف ضعف مضمونة لواحدة لا ادري تستجاب أم لا .

عباد الله تعالى ، ما ان يودعكم يوم عرفة حتى يحط بساحتكم يوم عيد الاضحى المبارك وقد جعل الله تعالى اعيادكم من شعائر دينكم وفتح فيها ابواب عودتكم لربكم ليعود عليكم بمزيد من الخير والرحمة والفيوضات والبركات ؛ فاعملوا فيها بما يرضي ربكم، وتقربوا اليه بالطاعات واغسلوا ببركاتها إِحن صدوركم ، والقوا أخوانكم بقلوب طاهرة من الغل نقية من الحسد ، وتذكروا عوائل شهدائكم حيث غاب الاباء عن فلذات اكبادهم فعودوا عليهم بالزيارة واشملوا اولادهم بالحنان والعطف وتذكروا انهم فارقوا الدنيا ولذاتها وتركوا الاهل والاحبة لأجلكم ليحفظوا لكم وطنكم ويصونوا مقدساتكم واعراضكم فلهم الفضل والمِنة، فكونوا ممن يقابل الإحسان بالإحسان ، ولا تغفلوا عن فقرائكم ومساكينكم وصلوا أرحامكم وبرّوا بجيرانكم وإخوانكم ، واعلموا ان الله تعالى ما جعل اعيادكم اياما لأفراحكم ومسراتكم بما يغضبه ويسخطه بل جعلها موسما للتواصل والتكافل والتعاون والصفح والعفو والمحبة والألفة فيما بينكم .

اللهم ارزقنا شوق ثواب الموعود وخوف غم الوعيد حتى لا نأنس الا بذكرك ولا نستوحش الا من معصيتك انك رحيم غفور.

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment