الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 25 رمضان 1437هـ الموافق 1 تموز 2016م

أيها الإخوة الاعزاء والأخوات الكريمات، اودّ ان اعرض على مسامعكم الكريمة الامرين التاليين :

الأمر الأول :

مع تحرير مناطق اخرى من محافظة الانبار من دنس الارهابِ الداعشي ، نُبارك لأحبتنا في القوات المسلحة والشرطة الاتحادية ومَن ساندهم من المتطوعين الابطال وابناء العشائر الغيارى هذا الانتصار المهم شاكرين لهم ـــ قادة ً ومقاتلين ـــ جهودهم الكبيرة وتضحياتهم العظيمة في سبيل تحقيقه، مترحمين على شهدائهم الابرار وداعين لجرحاهم الاعزاء بالشفاء العاجل، آملين ان يُعقُبَ هذا الانتصار انتصارات اخرى في وقت قريب ليتُمَّ تحرير جميع الارض العراقية من رجس الدواعش، مؤكدين مرة ً اخرى على ضرورة رعاية النازحين والمهجَّرين وتوفير الخدمات الانسانية لهم الى ان يتيسر رجوعهم الى مساكنهم معززين مكرمين .

الأمر الثاني :

وفي هذه الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك الذي ينبغي اغتنام جميع اوقاته لإصلاح النفس وتهذيبها نقرأ موعظة من المواعظ البليغة لأمير المؤمنين عليه السلام مع بعض التوضيح لبعض فقراته :

قَالَ عليه السلام لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَنْ يَعِظَهُ :

(( لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ ويُرجِّي اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ يَقُولُ فِي اَلدُّنْيَا بِقَوْلِ اَلزَّاهِدِينَ وَ يَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ اَلرَّاغِبِينَ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَ يَبْتَغِي اَلزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى وَ لاَ يَنْتَهِي وَ يَأْمُرُ اَلنَّاسَ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِمَا لاَ يَأْتِي يُحِبُّ اَلصَّالِحِينَ وَ لاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ وَ يُبْغِضُ اَلْمُذْنِبِينَ وَ هُوَ أَحَدُهُمْ يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَ يُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ مِنْ أَجَلِهِ إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وَ إِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ وَ يَقْنَطُ إِذَا اُبْتُلِيَ إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وَ إِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ وَ لاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ وَ يَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ إِنِ اِسْتَغْنَى بَطِرَ وَ فُتِنَ وَ إِنِ اِفْتَقَرَ قَنِطَ وَ وَهَنَ يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ وَ يُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ اَلْمَعْصِيَةَ وَ سَوَّفَ اَلتَّوْبَةَ وَ إِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ اِنْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ اَلْمِلَّةِ يَصِفُ اَلْعِبْرَةَ وَ لاَ يَعْتَبِرُ وَ يُبَالِغُ فِي اَلْمَوْعِظَةِ وَ لاَ يَتَّعِظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ وَ مِنَ اَلْعَمَلِ مُقِلٌّ يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى وَ يُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى يَرَى اَلْغُنْمَ مَغْرَماً وَ اَلْغُرْمَ مَغْنَماً يَخْشَى اَلْمَوْتَ وَ لاَ يُبَادِرُ اَلْفَوْتَ يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ وَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى اَلنَّاسِ طَاعِنٌ وَ لِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ اَللَّغْوُ اَللَّهْوُ مَعَ اَلْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ اَلذِّكْرِ مَعَ اَلْفُقَرَاءِ يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَ لاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ يُرْشِدُ غَيْرَهُ وَ يُغْوِي نَفْسَهُ فَهُوَ يُطَاعُ وَ يَعْصِي وَ يَسْتَوْفِي وَ لاَ يُوفِي وَ يَخْشَى اَلْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ وَ لاَ يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ .. )) .

قال الرضي رحمة الله عليه : " لو لم يكن في هذا الكتاب الا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة، وحكمة بالغة، وبصيرة لمبصر، وعبرة لناظر مفكر ... " .

فنأمل ان تكونوا ايها الاخوة والاخوات ممن يستمعون بهذه المواعظ فيفهمونها فيعونها ويتعظون بها لكي لا نقع في هذا الرذائل الاربع والثلاثين ...

يقول الامام عليه السلام : (( لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ )) .

هذا الرجاء لابد ان يكون رجاء واماني صادقة وذلك بأن تعمل لا تكن ممن يرجو الاخرة بدون عمل وتتكل على رحمة الله تعالى ويقول الله رحيم وسيرحمني .. لابد ان يكون رجاءك صادقاً في ان تنال الاخرة كما الطالب الذي يريد ان ينجح عليه ان يعمل واي هدف في الدنيا الانسان يريده عليه ان يعمل والاخرة لا يكون رجاءك لها من دون عمل ..

ويقول الامام عليه السلام : (( ويُرجِّي اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ )) .

الإنسان يسوّف ويؤخر التوبة لان لديه امل طويل ويقول انا شاب وفي صحتي وبعد فترة سأتوب الى الله تعالى ولكن هذا غير صحيح فالإنسان لا يعلم متى يدركه الموت ولا يدرك التوبة..

ويقول الامام عليه السلام : (( يَقُولُ فِي اَلدُّنْيَا بِقَوْلِ اَلزَّاهِدِينَ وَ يَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ اَلرَّاغِبِينَ )) .

تجد بعض الناس يزهّد ويحذر من الدنيا ولكنه في عمله وتوجهاته منكب على الدنيا ومتاعها وهذا عمله يخالف قوله..

.

ثم قال الامام عليه السلام : (( إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ )) .

تجد الإنسان لا يشبع من متاع الدنيا ويريد المزيد والمزيد.. وان مُنع من بعض الدنيا لا يقنع بما عنده .. فالإمام (عليه السلام) يوصي بان تكون قانعاً بما عندك فان القناعة كنز لا يفنى..

  (( يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَ يَبْتَغِي اَلزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ )) .

الشكر قانون الهي وكلما يشكر الانسان الله يزيده وتجد البعض يطلب الزيادة ولكنه لا يأتي بالشكر..

ثم يقول عليه السلام : (( يُحِبُّ اَلصَّالِحِينَ وَ لاَ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ وَ يُبْغِضُ اَلْمُذْنِبِينَ وَ هُوَ أَحَدُهُمْ )) .

هو يحب أولياء الله والصالحين من العباد ولكنه لا يعمل بعملهم لان الامام عليه السلام يبين ان الحب الحقيقي والصادق يستلزم ان تتبع هؤلاء الصالحين في اعمالهم..

ثم يقول عليه السلام : (( يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَ يُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ مِنْ أَجَلِهِ )) .

هو لا يحب الموت ويخاف من الذنوب ولكن في نفس الوقت هو مستمر على الذنوب والمعاصي..

(( إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وَ إِنْ صَحَّ أَمِنَ لاَهِياً )) .

ان أصابه المرض وكان قبل ذلك صحيحاً معافى حصل له الندم يقول لماذا عندما كنت صحيحاً معافى لم افعل كذا وكذا .. ولكن عندما يعافيه الله تعالى من المرض يعود منشغلا ً بأمور الدنيا ولهوه ولعبه ونسي انه عندما كان مريضاً ندم ..

ثم يقول عليه السلام : (( يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ وَ يَقْنَطُ إِذَا اُبْتُلِيَ إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وَ إِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً )) .

وقت الضيق والشدة نتوسل الى الله تعالى ونتوجه اليه في حال الاضطرار وحينما يصيبنا الرخاء ننسى الله تعالى .. علينا ان ندعو الله تعالى في جميع الاحوال مضطرين فعلينا ان يكون حالنا في الدعاء حال الرخاء كما نحن في حال الابتلاء..

وقال عليه السلام : (( يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ وَ يُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ )) .

تجد الإنسان أحيانا يقصّر في عمله ولكن اذا جاء بعمل بسيط يلح في السؤال والطلب على نتائج عمله فاذا صدر منه شيء حسن يلح في السؤال ويبالغ في الامر..

وقال عليه السلام : (( يَصِفُ اَلْعِبْرَةَ وَ لاَ يَعْتَبِرُ وَ يُبَالِغُ فِي اَلْمَوْعِظَةِ وَ لاَ يَتَّعِظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ وَ مِنَ اَلْعَمَلِ مُقِلٌّ )) .

يذكر المواعظ والإرشادات للناس ولكن هو لا يعتبر بها ولا يتعظ منها..تجده يكثر في الوعظ والارشادات ولكن في مقام العمل والاعتبار بها قليل..

(( يَرَى اَلْغُنْمَ مَغْرَماً وَ اَلْغُرْمَ مَغْنَماً يَخْشَى اَلْمَوْتَ وَ لاَ يُبَادِرُ اَلْفَوْتَ )) .

الغُنم :   هو ما يحصل عليه الانسان من ثواب ونعيم بالآخرة بإنفاقه في سبيل الله تعالى من خمس وزكاة وحقوق وصدقات.. يعتبر هذه الغنيمة التي سيحصل عليها في الاخرة من انفاق ماله غرمة ذهاب ماله بلا عوض. .ولا يعتبر ان هذا الانفاق غنيمة له في الآخرة..

وبينما الغُرم وهو صرف الأموال في الشهوات والمعاصي واللذائذ هذا يعتبره مغنماً ..

وقال عليه السلام : (( يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَ لاَ يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ )) .

أحيانا الحق للآخرين والحق ليس معي احكم لنفسي بالحق واحكم للآخرين بانهم تجاوزوا.. وحينما يكون التقصير والتجاوز مني لا اعتبر نفسي متجاوز وانما احكم لها في حين ان الانصاف والحق يقتضي ان احكم على نفسي واحكم للآخرين بانهم على حق..

اللهم انزل الأمن والسكينة والطمأنينة علينا، وانصرنا على القوم الظالمين والتكفيرين.. وأعنا على انفسنا بما تعين به الصالحين على انفسهم.. انك سميع الدعاء قريب مجيب..

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment