الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 19/جمادى الآخرة/1441هـ الموافق 14 /2 /2020م :

ايها الاخوة والاخوات موضوعنا في الخطبة الثانية عن (منظومة القيم والاخلاق وضرورتها المجتمعية).

القيم والاخلاق ضرورة حياتية في جميع مجالات الحياة للفرد والمجتمع بل لكل المجتمعات البشرية مع قطع النظر عن كونها تنتمي لدين سماوي او لا تنتمي لدين سماوي.

ما هي أهمية والضرورة الحياتية لمنظومة القيم والاخلاق في المجتمع؟

تعتبر القيم والاخلاق الانسانية ركيزة اساسية لسلامة العلاقات الاجتماعية وقوة هذا المجتمع والذي انشأ منهُ التعاون والتكافل والتعاضد الاجتماعي الذي يحقق منه الفرد والمجتمع حاجاته الاساسية، هي ركيزة اساسية لسلامة التعاملات الاقتصادية من الظلم والاستغلال، هي ركيزة اساسية للاستقرار النفسي للفرد والمجتمع، ركيزة اساسية لتقدم ورقي وازدهار المجتمع بصورة عامة، واهمالها او تدهور هذه القيم الاخلاقية لدى أي مجتمع سيفقد هذا المجتمع وعزته وكرامته وتطوره ورقيهُ..

لذلك نلاحظ بعض الادباء ماذا قال في هذا البيت :

(وانما الامم الاخلاق ما بقيت       فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا).

ولعله ايها الاخوة والاخوات تلاحظون ونرى جميعاً ان بعض الامم والشعوب التي وصلت الى مرتبة ملحوظة وظاهرة للجميع من التطور والرقي والازدهار مع ان البعض منها لا يدين بدين سماوي.. ما السبب في ذلك؟ ما هو السرّ في ذلك؟

لأننا لو دققنا في هذه المجتمعات لوجدنا ان هذه المجتمعات تهتم وتعتني بمنظومة القيم والاخلاق كثقافة تنشرها لدى افراد المجتمع ولدى مؤسسات الدولة وتهتم بهذه الثقافة ان تحوّلها الى ممارسات يومية.

نلاحظ مجموعة من القيم والاخلاق والمبادئ الانسانية الاساسية ظاهرة وواضحة في تلك المجتمعات منها نشر العدالة الاجتماعية ومنها احترام حقوق الاخرين ومنها احترام النظام ومنها بعض المبادئ المهمة كالصدق والامانة وحفظ العهود والمواثيق فيما بينهم، ان جعلوا العمل مبدأً مقدساً لديهم يهتمون به ويجعلون الاتقان في العمل من المبادئ المهمة لديهم..

نلاحظ الكثير من المجتمعات والشعوب تطورت وازدهرت السر في ذلك هو ما ذكرناه اهتمامها وعنايتها بمنظومة القيم والاخلاق الاساسية التي لابدّ منها لكل مجتمع.

الآن نأتي الى مجتمعنا العراقي نحن لا نُنكر ولا نشك ان هناك الكثير من الاخلاق والقيم الانسانية سائدة في مجتمعنا وظاهرة كالكرم والتضحية والصبر والثبات والحمية والغيرة على الدين والوطن ولكن في نفس الوقت مما يؤسف له ان هناك بعض النواقص الاخلاقية والخصال الذميمة والممارسات غير الصحيحة التي انتشرت في المجتمع وتحتاج منّا جميعاً من دون استثناء ان نسعى في تقليلها ونسعى جميعاً في معالجتها مهما امكن ذلك، كما ان هناك قيم واخلاق حميدة سائدة ومنتشرة هناك نلاحظ بعض النواقص الاخلاقية وبعض الممارسات غير الصحيحة التي ينبغي ان يكون لنا موقف اتجاهها..

انا الآن اذكر بعض هذه النواقص الاخلاقية من اجل تأشيرها والتوعية بها لأن البعض ربما يغفل عنها حتى نعمل جميعاً على تقليلها ومعالجتها مهما امكن..

اولا ً : مشاعر الانانية وماذا نعني بها :

هو ان الانسان يعمل ويهتم على تحقيق مصالحه الشخصية الفردية والضيقة ولا يعتني بمصالح الاخرين بل الاوضح من ذلك ان الانسان يقدّم مصالحه الفردية والشخصية على حساب المصالح العامة وهذا مما يؤسف له انه نجده متمثلا ً لدى الكثير ممن تحمّلوا مواقع المسؤولية وبيدهم السلطة والامكانات والتي كنّا نأمل ان توظّف للمصالح العامة بدلا ً من توظيفها للمصالح الشخصية والفردية.. وحتى نحنُ اخواني كمواطنين نحاول ان نلاحظ هذه الصفة غير الصحيحة لدينا وربما البعض كثير من الاحيان يقدّم مصالحهُ الضيقة والتي تؤدي الى الإخلال بالمصالح العامة، هنا المشكلة، الانسان قد يبحث على مصالحه الفردية لا مشكلة اذا لم تُخل وتضر وتؤثّر على المصالح العامة ولكن ان يقدّم مصالحه الخاصة والفردية والشخصية ويؤدي ذلك الى الإضرار والإخلال والتقصير بالمصالح العامة هذه المشكلة هنا وقّلنا انهُ مما يؤسف لهُ قد تمثّل ذلك لدى كثير ممن تحملوا مواقع السلطة والمسؤولية وبيدهم السلطة والامكانات التي كان ينبغي ان توظّف للمصالح العامة..

ايضاً من الصفات غير الصحيحة عدم التورّع عن الكذب والنفاق واتهام الاخرين من غير دليل وانتهاك حرمة الاخرين وتسقيطهم اجتماعياً وسياسياً ونحو ذلك من الصفات الذميمة التي انتشرت في الفترة الاخيرة..

ايضاً من الصفات غير الصحيحة العصبية القومية المذهبية العشائرية التي دفعت البعض الى اتخاذ المواقف البعيدة عن الحق والانصاف وهذه في الواقع العصبية بانواعها التي ذكرناها تزرع الاحقاد والضغائن والكراهية بين ابناء الوطن الواحد وتدفع عنهم صفة التعاون والتكافل فيما بينهم..

من الامور الاخرى الاعتداءات والتجاوزات على الاخرين وان كانوا في مواقع محترمة في خدمة الوطن والمواطنين كبعض التجاوزات والاعتداءات التي تحصل على بعض الاساتذة في الجامعات والاعتداءات والتجاوزات التي تحصل على بعض المعلمين والمدرسين او بعض شرطة المرور او على بعض اخرين مما يخدمون خدمة عامة.. هذه من الصفات الذميمة التي نرى كثير من ظواهرها في بعض وسائل التواصل الاجتماعي..

ايضاً من الصفات غير الصحيحة استخدام العنف ولا نعني العنف بالقتال فقط وانما حتى بالاسلوب استخدام العنف لحلّ المشاكل والنزاعات وبالإمكان اخواني في كثير من المشاكل والنزاعات الاسرية وغير الاسرية ان تُحل بالحوار والتفاهم وان طال هذا الحوار والتفاهم أو لا لم ينفع الحوار والتفاهم يمكن اللجوء الى الوسائل القانونية التي تحمي المجتمع من الإخلال بالنظام العام..

ايضاً من الظواهر التي انتشرت ظاهرة الرشوة والاختلاس والتجاوز على المال العام وحالات التزوير والاحتيال غسيل الاموال استغلال الاخرين مالياً واقتصادياً بغير وجه حق كما نرى في الكثير من التعاملات الاقتصادية المنتشرة في المجتمع..

ايضاً من الامور التي انتشرت في الفترة الاخيرة هي نشوء حالات اجتماعية ادّت الى التفكك الاسري والانحلال الاخلاقي وشيوع ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات وكثرة حالات الانتحار وميل البعض للتمظهر بمظاهر غريبة بعيدة عن روح الهوية العراقية، لابد ان نتأمل في هذا الأمر وحتى في هذا المظهر والتمظهر لابد ان نحافظ على ان يكون من جوهر وعنصر الهوية العراقية لابد ان نلتفت حتى الى هذا الامر..

ما هي العلاجات؟ اخواني التفتوا الى هذه القضايا التي يجب ان نوليها الاهتمام كما بيّنا في الخطبة الاولى هناك مجالات حياتية اهملناها لم نعتني بها ادّى الى هذه النتائج الوخيمة..

على رأس هذه العلاجات ان يكون هناك ضرورة وعي مجتمعي لأهمية الاخلاق والقيم في مختلف مجالات حياتنا لا ننظر الى القيم والاخلاق على انهُ امر هامشي وثانوي ليس ضرورياً في الحياة، متى ما اعتبرنا ان الاخلاق والقيم والمبادئ ضرورة كبيرة لحياتنا وفي مختلف مجالات حياتنا واعطينا مسألة الاخلاق وهذه القيم اهتماماً في مجال التثقيف أولا ً نجعلها ثقافة عامة وفي مجال الاهتمام في تطبيقها كممارسات يومية وعلى مختلف مستويات الحياة وان يكون هذا الاهتمام على المستوى المجتمعي وعلى مستوى مؤسسات الدولة بمعنىً آخر ان يكون على رأس اولويات الاهتمام في المدرسة ان المعلم يعتني بغرس الاخلاق والقيم في نفوس الطلبة..

اخواني واخواتي لا يكفي ان نعتني بإعطاء هذه الدروس الاكاديمية فقط وان كان هذا مهم ولكن ان نعطي ايضاً اهتماماً بقدر كافي ان نربي اطفالنا وطلبتنا في المدارس الابتدائية والثانوية وفي الجامعات ايضاً على الاخلاق والقيم وان نُشعرهم بأهمية الاخلاق والقيم وتطبيقها في حياتنا..، لا يكفي ان نتفوق في مجال العلوم الاكاديمية ولكننا نفشل في ممارسة الاخلاق والقيم الفضيلة في المجتمع والذي يؤدي الى الكثير من المخاطر، فعلى مستوى المدرس والمعلم والاستاذ في الجامعة وعلى مستوى المؤسسات الاعلامية لا ينبغي ويصح ان يكون اهتمامها وتركز اهتمامها على المستوى السياسي الاعلامي البحت فقط وتُهمل جوانب القيم والاخلاق والمبادئ وغرسها في نفوس أفراد المجتمع..

المثقف العام لا ينبغي ان ينزوي في كتاباته في الامور الثقافية العامة ويُهمل جانب القيم والمبادئ والاخلاق وكذلك الكاتب وغير ذلك ورب الاسرة ايضاً وربة الاسرة ايضاً علينا ان نهتم جميعاً في ذلك..

اخواني واخواتي سلطة الدولة قد غابت عن رقابة تطبيق المبادئ والقيم في المجتمع وضعف تأثيرها في ذلك وضعف ردعها عن الممارسات الخاطئة لا ينبغي ولا يصح لأفراد المجتمع ان يغيب دورهم في تطبيق هذه القيم والاخلاق في المجتمع وان يكون لهم قوة تأثير مجتمعي في افراد مجتمعهم في ان يتحلوا بالاخلاق ولا يصح ان يسكتوا ويغضوا النظر ويتعاملوا باللامبالاة وعدم الاهتمام ببعض الممارسات الخاطئة التي تحصل في المجتمع فكما انها مسؤولية مؤسسات الدولة هي مسؤولية المجتمع في كل مكان..

حينئذ اخواني نستطيع ان نبني مجتمعا ً متقدماً راقياً متطوراً سعيداً آمناً، نعم هي الوظيفة الاساسية لمؤسسات الدولة ولكن اذا غابت سلطة الدولة عن المراقبة وقوة التأثير والردع حينئذ يأتي دور المجتمع في مختلف مجالاته.

الامر الآخر هو ان نحوّل هذه الثقافة الى ممارسة يومية ظاهرة لا يكفي ان نتعامل مع ثقافة وفكر الاخلاق والقيم والمبادئ على انها شعارات نرفعها بل لابد ان نحوّلها الى ممارسة يومية وظاهرة في حياتنا...

النظافة خُلقٌ عظيم هو ثقافة اولا ً وممارسة يومية ايضاً، ما لنا لا نرى هذا المبدأ في شوارعنا وازقتنا وفي اماكن كثيرة وكذلك الاتقان في العمل هو مبدأ وعمل يومي نمارسه في مختلف مهامنا ووظائفنا..

العدل ونشر العدالة الاجتماعية ايمان وقيم نمارسها علينا في حياتنا اليومية..

الرحمة خُلقٌ وسلوك اجتماعي لابد ان نمارسهُ..، كما نقرأ هذه الصفة في صلاتنا وفي دعائنا وفي مختلف قراءاتنا لابد ان نحوّلها الى ممارسة اجتماعية..

الامر الآخر وهو مهم ان ممارسة التغيير الاجتماعي والاخلاقي اخواني والتفتوا اخواني لا يقتصر اهتمامنا على مجال معين ونتطلع في خُطبنا الى مجال معين فقط لابد ان يكون لنا اهتمام في جميع مجالات الحياة ونعطي ما هو ضروري في حياتنا استحقاقه من الاهتمام الاخلاق والقيم والمبادئ لابد ان نعطيها استحقاقها من الاهتمام والعناية والممارسة والثقافة..، اذا اهتممنا في ممارسة التغيير الاجتماعي والاخلاقي سيتوفّر لنا مستقبلاً الكثير من العناصر الصالحة وعلى مختلف مستويات المجتمع التي تستطيع مستقبلا ً ان تنهض بأداء مختلف المسؤوليات سواء أكان في المواقع الحكومية او المواقع المجتمعية والتي تستطيع من خلال ممارسة هذا التغيير الاجتماعي والخُلقي ان تأخذ بمسار العملية السياسية والاجتماعية والاخلاقية التي انحرفت عن مسارها الصحيح ان تأخذ بها الى المسار الصحيح المطلوب وحينئذ سنستطيع ان نحدّ ونستوعب الكثير من التداعيات الخطيرة التي نشأت من الفشل في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجتمعنا ونستطيع ان نتلافى الكثير من التداعيات الخطيرة التي نشاهدها في ايامنا هذه...

هذا يحتاج الى عمل كبير وعمل مجتمعي ووعي مجتمعي وممارسة مجتمعية في مؤسسات الدولة وعلى مختلف مستويات الطبقات الاجتماعية..

حينئذ سنبني وعلى اعداد تكفي من المواطنين الصالحين  وفي مواقع مهمة يستطيعوا ان ينهضوا بأداء هذه المسؤوليات في مختلف مجالات الحياة على الوجه الصحيح، اذا كان اعتناؤنا بهذه المجالات بما تستحقهُ..

لذلك اخواني لاحظوا الآيات القرآنية والشرائع السماوية بأكملها والاحاديث الشريفة وعناصر القدوة الصالحة في الانبياء والائمة اعطوا مساحة واسعة جداً لمنظومة الاخلاق والقيم واعتنوا بها اشدّ الاعتناء لذلك علينا ان نسير على هديهم بأن نُعطي لهذه المنظومة من الاخلاق والقيم التي تتناسب مع مبادئنا وهويتنا ان نُعطيها الاهتمام في مؤسسات الدولة وفي مختلف طبقات المجتمع..

نسأل الله تعالى ان يوفقنا لذلك انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment