الخطبة الدينية بإمامة السيد أحمد الصافي بتاريخ 15 شعبان 1438هـ الموافق 12 آيار 2017م

 

هناك مسؤوليّة على عاتقنا تجاه الإمام المنتظر ولابُدّ أن ندعو له دائماً بالفرج

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، اللهمّ أنت الحيّ القيّوم العليّ العظيم، الخالق الرازق المحيي المميت البديء البديع، لك الجلالُ ولك الفضل ولك الحمد ولك المنّ، ولك الجود ولك الكرم ولك الأمر ولك المجد، ولك الشكر وحدك لا شريك لك.. إخوتي أبنائي آبائي أيّها الأفاضل المتلهّفون المنتظرون لإمامهم، أخواتي بناتي أمّهاتي أيّتها القلوب المؤمنة المتلهّفة لإمامها، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم إخوتي أحبّتي جميعاً ونفسي الآثمة بتقوى الله تبارك وتعالى، وتجديد العهد مع وليّ الله الأعظم إمامنا المهديّ المنتظر في هذا اليوم المبارك بالتقوى والعمل بما يحبّ ويرضى، سدّد الله أعمالنا وألسنتنا الى كلّ خير.

بدءً إخوتي نهنّئكم بهذا اليوم المبارك ذكرى ولادة الإمام المهديّ(سلام الله عليه)، سائلين الله تبارك وتعالى بألسنةٍ تلهج بذكره وبقلوبٍ أحزنها بُعدُه، سائلين الله تعالى أن يعجّل له الفرج وأن يسهّل له المخرج، وأن يكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة وأن يُكحل أبصارنا وأبصاركم برؤيته(صلوات الله وسلامه عليه)، ونقول: يا أيّها العزيز مسّنا الضرّ فأوفِ لنا الكيل وتصدّق علينا.. نسأل الله تعالى ونحن بجوار جدّه الإمام الحسين(عليه السلام) والعلاقة الخاصّة ما بين سيّد الشهداء والإمام المهديّ(عليه السلام) هي علاقة مهمّة جدّاً وسيكون ضمن مشروعه(عجّل لله تعالى فرجه الشريف) هو أن يجعل الإمام الحسين(عليه السلام) في طريقه باعتبار أنّه الطالب بثأره، نسأل الله تعالى أن يوفّقنا وإيّاكم لدرك أيّامه.

واقعاً الحديث عن الإمام المهديّ(سلام الله عليه) هو حديثٌ طويلُ الذيل وواسعٌ ومهمّ، لأنّه يرتبط بشكلٍ مباشر من جهتين، الجهة الأولى: هو مقتضى عقيدتنا -عقيدة أهل البيت(عليهم السلام)- أنّ الإمام(عليه السلام) هو آخر سلسلة الأئمّة الاثني عشر الذين ذكرهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وبالنتيجة آمنّا بهم واحداً بعد واحد بدءً من أميرهم أمير المؤمنين(سلام الله عليه) والى خاتمهم الإمام المهديّ(صلوات الله عليه)، فإذن الاهتمام بالإمام المهديّ هو قضيّة عقيديّة وليست قضيّة طارئة أو قضيّة شكليّة، ولذلك لابُدّ من الاهتمام بهذه العقيدة لكونها عقيدة راسخة ومبنيّة على أدلّة قويمة وأدلّة متينة، فلابُدّ من الالتفات الى أنّ رسوخ هذه العقيدة أمرٌ لابُدّ منه.

والأمر الثاني [الجهة الثانية]: هو نحن الآن في عصره(سلام الله عليه) وهذا العصر بالنتيجة يحمّلنا مسؤوليّة أنْ كيف نتعامل معه(سلام الله عليه)، طبعاً نحن في هذه الخطبة سنتكلّم عن شيء والخطبة الثانية أيضاً سيكون مضمونُها عن الإمام(سلام الله عليه)، ما نُريد أن نبيّنه هنا على نحو العجالة أنّ الإنسان تارةً يعتقد، ومقدار هذه العقيدة يختلف من شخصٍ الى آخر، بعبارة أخرى هناك تفاوت بمقدار رسوخ هذه العقيدة، وهذا التفاوت لا شكّ ينشأ من جانبين، الجانب الأوّل: هو الجانب العلميّ، أنْ ما مدى استعداد الإنسان لأن يكون متعلّماً حتّى يتعلّم فعلاً، والجانب الآخر: هو جانب التفاعل مع هذه العقيدة، الإنسان يؤمن بالله تبارك وتعالى ويعتقد بالله، لكن مقدار تفاعله مع عقيدة التوحيد ومقدار تفاعله على أن لا يغفل عن ذكر الله تبارك وتعالى هذا مطلبٌ آخر، فلو رجع الى عقله لوجد أنّه مؤمن لكن عندما يتعامل خارجاً يرى أنّ هناك بُعْداً قد يُصيبه أو غفلة قد تُصيبه أو سِنَة قد تُصيبه، في بعض الحالات أصلاً ينسى هذا الموضوع وإنّما لا يتذكّره إلّا إذا مَرِض –مثلاً- أو إذا مرّ بحالةٍ معيّنة، نحن مع الإمام المهديّ(سلام الله عليه) قد نغفل عن شيءٍ في غاية الأهميّة وأرجو أن نلتفت له.

السؤال: هل غيبةُ الإمام المهديّ(سلام الله عليه) وفق الوضع الطبيعيّ أو هي عبارة عن وضعٍ خاصّ؟ يعني حدث شيءٌ جعل الإمام المهديّ(سلام الله عليه) يغيب عن أبصارنا.. لا شكّ أنّ غيبة الإمام(عليه السلام) ليست هي الوضع الطبيعيّ، إنّما الوضع الطبيعيّ أنّ الإمام(عليه السلام) موجود كآبائه كجدّه المصطفى كبقيّة الأنبياء، لكن عندما يحدث حدثٌ وهذا الحدث يؤجّل هذه المباشرة مع الإمام(عليه السلام) سواءً فتّشنا عن طبيعة الحدث أو لم نفتّش، لكن يبقى هذا هو خلاف الوضع الطبيعيّ، أقصد الغيبة –التفتوا- حتى لا يكون هناك اشتباهٌ في المصطلح، يعني عمر الإمام(عليه السلام) قد يكون طبيعيّاً سواءً بأدلّةٍ علميّة أو أدلّةٍ تاريخيّة، أنا أتحدّث عن عامل الغيبة، فإذا كان هكذا نحن أيضاً مأمورون أن ندعو: (اللهمّ عجّلْ لوليّك الفرج) دائماً ندعو بتعجيل الفرج، لكن التفتوا الى نكتة هناك حالة نحن نقصّر مع الإمام المهديّ، لأنّنا لا نذكر الإمام المهديّ إلّا في مورد إذا نحن تأذّينا، إذا مسّتنا حالةٌ من الضرّ نتوجّه للإمام المهديّ، في الواقع هذا التوجّه يعني أنّنا نحبّ أنفسنا لأنّنا نريد منه أن يخلّصنا، والحال المؤمن الملتفت للقضيّة ليست له علاقة بظرفٍ خاصّ، إن أنا كنت في وضعٍ مرفّه أو وضعٍ غير مرفّه، هناك مسؤوليّة تلقائي تجاه إمامي وأنا لابُدّ أن أدعو له دائماً بالفرج، لأنّ حضور الإمام(سلام الله عليه) يعني كلّ الخير، حضور الإمام المهديّ يعني هذا الامتداد الطوليّ الى الأنبياء(عليهم السلام) هو حاضرٌ عندي، ولذلك هذه العقيدة لابُدّ أن يلتفت الإنسان اليها.

نعم.. في هذا اليوم المبارك يوم ولادته المباركة (سلام الله عليه) من باب الابتهاج ومن باب الاحتفال لا أن تكون من باب التذكّر، فهذا شيء وهذا شيء آخر، ولذلك الأئمّة الأطهار(سلام الله عليهم) كانوا حريصين على أن يُلفتوا نظر أصحابهم الى عمق وأهميّة هذه العقيدة، ولعلّه المجال قطعاً سيكون ضيّقاً جدّاً لأنّ حالة التعامل مع الإمام المهديّ لابُدّ أن تكون حالة فيها نوع من الالتفات الى عمق شخصيّته، الآن كما نتعامل مع أمير المؤمنين(عليه السلام) وكما نتعامل مع سيّد الشهداء(عليه السلام)، تارةً في مناسبةٍ ونحيي هذه المناسبة وتارةً المناسبة تذكّرنا وهناك فرقٌ بين القضيّتين، الإمام عندما يقول: (أحيوا أمرنا) من باب أنّ هذه المناسبة لابُدّ أن نتعاطاها، أمّا أن ينسى الإنسان ثمّ يتذكّر في المناسبة فقطعاً هذه حالةٌ من الخلل ناشئةٌ من عدم التوجّه وعدم الارتباط.

لاحظوا في بعض الروايات الشريفة مثل الرواية عن أبي بصير عن الإمام الصادق(عليه السلام) في أحد الوجوه لتفسير قول الله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، قال: ما هي هذه الحكمة؟ قال(عليه السلام): (هي طاعةُ الله ومعرفة الإمام)، لاحظوا تعبير الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: (هي طاعة الله ومعرفة الإمام)، والتعبير عن الخير الكثير في مقام التنكير يعني أنّه لا يُحدُّ فهو شيءٌ عظيم كثير، ورواية عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: (ذروة الأمر وسنامُه ومفتاحُه وبابُ الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعةُ للإمام بعد معرفته)، لاحظوا الطريقة مع العلم أنّ الرواية الأولى عن الإمام الصادق، والرواية التي بعدها عن الإمام الباقر هي أسبق، والإمام السجّاد(عليه السلام) لعلّه مرّ عندنا في سابق الكلام عن دعاء يوم عرفة، في دعاء يوم عرفة يبدأ الإمام السجّاد(عليه السلام) بالحمد والثناء ثمّ يصلّي على النبيّ ثمّ يذكر هذه العبارة: (اللهم إنّك أيّدت دينك في كلّ أوانٍ بإمامٍ أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك)، لاحظوا تعبير الإمام(عليه السلام) مع أنّ بينه وبين الإمام المهديّ(عليه السلام) زمناً طويلاً، الإمام يتحدّث عن الشخص الذي يشغل هذا المنصب فالإمامةُ منصب والإمام هو الذي يشغل هذا المنصب، يقول: (أيّدت دينك في كلّ أوانٍ بإمامٍ أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك)، ثمّ بعد فقرات يقول: (اللهمّ فأوزع لوليّك شكر ما أنعمت به عليه وأوزعنا مثله فيه، وآتِهِ من لدنك سلطاناً نصيراً وافتح له فتحاً يسيراً)، هذا الدّعاء متى الإنسان يدعو به إخواني؟!! ليس إذا مسّني الضرّ دعوت الله أن يفرّج عن الإمام!! هذا معناه أنّي أحبّ نفسي وأريد من الإمام أن يقضي أو يزيل همّي!! واقعاً هذا نوعٌ من الأنانيّة في الدعاء.

أمّا إذا فكّرنا بطريقةٍ أخرى فيها أبعاد أخرى، أنّ الإنسان الآن عندما يرى الدنيا والدنيا الآن قربت وسائلها وبالنتيجة من السهل معرفة ما يدور فيها، ماذا ترى؟! ارمِ بطرفك الى أصقاع الدنيا ماذا ترى؟! واقعاً ترى أنّ دين الله في معزلٍ عن ممارسات كثيرٍ من الناس، وأنت عندما تتأمّل وتتشوّق الى أيّام النبيّ(صلّى الله عليه وآله) تتشوّق الى تلك الأيّام التي كان فيها النبيّ هو رمزُ العدل، أن لا يوجد ظلمٌ سواء لإنسانٍ كان بقربه في مجلسه أو كان إنساناً بعيداً عنه لكنّه تحت وطأة حكمه، أو عندما تأتي الى أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي يُبيّن مقدار شدّته في ضبط العدل -مقدار هذه الشدّة- سواءً كان عندما عاداه البعض وقف وقفةً حتّى في الحرب لم ينتقم من أحد، كان كلّه عبارة عن عدل وكان عبارة عن عطف، كان إذا جاءه أحدٌ من اليمامة أو من الشام يتألّم، هذه روح مَنْ؟ روح إمامٍ نتمنّى أن نعيش هذه الروح، إذا حاولنا أن نعيش ظرفاً كظرف الإمام(عليه السلام) سنتشوّق يوميّاً أن نرى الإمام(عليه السلام) بيننا، أن نتحسّس مدى الألم الذي فيه الإمام(عليه السلام)، عندما يرى أنّ الدنيا لا تعمل بما أراده الله تعالى، الإمام يتألّم عندما تبتعد الناس عن سنّة جدّه وتبتعد عن تعاليم الله تعالى، ألم الإمام أضعافٌ مضاعفة من آلامنا فنحن آلامُنا آلامٌ جزئيّة، فالإنسان يتألّم على فقد مال أو يتألّم على مرضٍ يصيبه ويبقى في الدنيا خمسين، ستّين سنة ثمّ ينتهي ألمُه، أمّا الإمام فألمُهُ أكثر وأكبر ولا يتألّم لهذه الأمور التي نحن نتألّم من أجلها بل ألم الإمام أكبر من ذلك.

أنا أتكلّم عن عقيدة أهل البيت(عليهم السلام)، هذه العقيدة التي نحن نرى أنّ الإمام(عليه السلام) وارثٌ لعلوم الأنبياء(عليهم السلام)، متى يكون ألم الإمام(سلام الله عليه)؟ يكون إذا نحنُ لا نتذكّر إلّا إذا مسّنا الضرّ أو إلّا إذا ظُلمت من قِبل أحد، أقول: أين الإمام المهديّ؟! لاحظوا تارةً نستغيث به نعم.. فيغيثنا، وتارةً لا نتكلّم عن هذه المفردة بل نتكلّم عن مفردة الظهور مفردة أنا أنتظره أنا أتشوّق الى أن أحظى بزمنٍ تكون فيه تلك الطلعة البهيّة للإمام(سلام الله عليه)، هذا شيءٌ آخر يحتاج الى حالة من الترقّب وحالة من الوعي وحالة من عدم النسيان، حتّى لا نحتاج أن نتذكّر إنّما نكون دائماً في حالة من التذكّر.

إذن إخواني، الإمام(صلوات الله وسلامه عليه) قطعاً نحن ندعو له، فعندما ندعو (اللهمّ عجّل فرجه) هذا دعاءٌ له، وعندما نتصدّق عنه معنى ذلك أنّنا نفكّر فيه، وعندما نقرأ عن الأئمّة في أدعيتهم نجدهم يشملونه بدعاءٍ خاصّ، وعندما تقرأ في زيارات الإمام الحسين(عليه السلام) يتمنّى الزائر أن يكون مع إمامٍ منصورٍ من أهل بيت محمد(صلّى الله عليه وآله)! ماذا يكون؟ حتّى ينطق بالحقّ. ورد في دعاء الافتتاح (حتى لا يستخفي بشيءٍ من الحقّ مخافة أحدٍ من الخلق)، وهذه الأمور ليست لها علاقة بوضعي الشخصيّ، فارتباطي بالإمام(سلام الله عليه) لابُدّ أن أكون مستحضراً له(سلام الله عليه) في كلّ صغيرةٍ وكبيرة، إحياء أمر الأئمّة(سلام الله عليهم) في مناسبات -كما قلنا-، حتّى تجديد عهد الإمام المهديّ(سلام الله عليه) دائماً في مناسبات، مع أنّ الإمام دائماً معنا والإمام(عليه السلام) شأنه عظيم ورعايته لنا(سلام الله عليه) أيضاً رعاية خاصّة، ونحن لا شكّ ولا ريب نعيش بألطافه وبركاته ووجوده المبارك حتّى وإن لم نره فهو يتعطّف علينا، فلذلك نحن مدينون له(سلام الله عليه) برعايته ولطفه وتفضّله وعنايته، فلابُدّ إخواني أن نكون دائماً في حالةٍ من الاهتمام به(سلام الله عليه)، أنا أختصر بهذا المقدار لعلّ هناك بعض الحضور خارج الصحن الشريف.

نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للجميع، وأن يرينا الله تعالى الطلعة البهيّة بحضوره المبارك، سائلين الله تبارك وتعالى للجميع حسن العاقبة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

       

gate.attachment