من قصص الواقع

 

أن تنتظر الفناء بفارغ الصبر لتصل إلى لحظة اللقاء، وأن ترسم لك الاطياف صورا تحدوك في طريق الشوق ثم ترميك في قفير الوحدة بعد الصحو، وان يكون نهارك أشد إيلاما وإيقاظا لحنينك من ليلك فهذه صورة من صور الموت البطيء .

أربعة اشهر هي الفاصل بين اليوم الذي يفكر فيه ويومه الحالي، لقد سئم من الشوق وسئم من الحنين لم تُبقِ له الحياة من يعيش من أجله, لا زال ذلك اليوم عالقا في ذاكرته، يوم فناء عائلته على يد داعش، زوجته وطفليه ثم ابنته الغالية رقية في قرية بشير، وجد بعض من جثث عائلته وبقيت جثثا له مجهولة.

لم يكن معهم وهذا أكثر ما قتله كان يدافع هناك في الموصل حتى وصل له خبر هجوم داعش على قرية بشير ذلك الخبر الذي أنهكه وأشعل شيب رأسه قبل أوانه.

لازال يذكر كيف عاد بنصف روح ونصف قلب لم يشأ أن يبحث عنهم خوفا من أن تصرعه الحقيقة, تقدم بخطى كسيرة ليقترب من منزله المسلب الذي فُقِدتْ أرواحه فيه, سَمِعَ من ورائه صوت يعرفه انه لأبنته الغالية: أبي...أبي أنا هنا

ركض خلف ذلك الصوت باتجاه المنزل دخل ليرى جثتها تنتظره على الاعتاب حملها وهو يجول في المنزل ليبحث عن اسرته وجد جثثا ولم يجد البقيه خرج يحملها بديه واضعا رأسها على قلبه يرى جثث أصدقائه وجيرانه تملأ الارض دفنها في الارض لكنها بقت تتنفس في روحه.

 

تنزل دمعاته كلما يتذكر ذلك اليوم، طيفها لم يفارقه، يشتري الحلوى ويهديها للأطفال باسمها...صورتها تعذبه

 

ها هو اليوم يتقدم ليأخذ ثأرها بعد أن سَمِع هجمة على قرية بشير

بدأ الصراع في تلك القرية وكان مصطفى البشيري في الخطوط الامامية يحارب بعنف وينقض عليهم ويسلب أرواحهم عسى ان يُسَكّن غضب أوداجه حتى جاءت اللحظة التي سمع فيها ذلك الصوت الذي شق دوي الرصاص لتتلقاه اذنيه كانه لا غيره : أبي...أبي ..هلم الي اشتقتُ لك

 

رمى سلاحه أرضا ممسكا بكفيها الرقيقين يتجه باتجاه منزلهم يجد أولاده وزوجته أمامه ليُحلق معهم الى جنان البارئ تاركا جثته تحتضنها الارض.

وهكذا أخذَتْه اليها لترسم صورة معاكسة لطفلة الحسين عليه السلام فقد أخذتْ هي أباها هذه المرة وليس العكس.

 

ضمياء العوادي