يتناثرُ لونُ الزهرِ على خدَّيها عند قدومهِ،  أنفاسُها تتلاطمُ في موجِ الرهبة، هتافُ رابطهما المقدّس يملأ قلبَها فتكتملُ أهازيجُ السعادةِ حين يقتربُ منها ليسألها أنْ تدعو له، وبقلبٍ والهٍ تدعو له بما يريد..

انهالتْ عليها الدموعُ وهي تنظرُ إلى العقدِ أمامَها وكأنّه يبثّ ببريقهِ صورَ الذكريات، أحسّتْ بشعورٍ هزَّ كيانَها عندما داعبَ بطنَها جنينُها...، تُرى ماذا ستقصّ عليه عندما يأتي ؟ وهل لقصةِ السفرِ البعيدِ الأليمةِ من لقاء ؟؟

تذكّرت عندما سألته في تلكَ الليلة: ما هو الشيء الذي أردتَ أن أدعو لكَ به ؟

 ــ سرٌّ ستعرفينه يوماً ما..

أغمضتْ عينيها ووضعتِ العقدَ على فمِها.. قبّلته بألمٍ ممزوجٍ بآهةٍ وكأنّها تطبعُ روحَها عليه وهي تعمِّده بالدموع...

طقوسُ الفراقِ اليومية تزاولها منذ ذلك اليوم.. وها هي تنتقلُ من طقسِ العقدِ إلى طقسِ الرسالةِ التي أكملتْ ليلتها السابعة على عددِ أبوابهِ السبعة...

قرأتْ وكأنّها في محراب:

الباب الأول:

إلى كنزي المحفوظِ في ذلك البابِ الأوّلِ من سمائهِ (عز وعلا) أنزله في محكمِ كتابهِ...، إلى طَيّبَتي وزوجتي.. كيف حالُ قلبكِ العطوفِ ؟ هل إعتاد الفراقَ أم لازالَ ينبضُ بالشوق ؟

تسبقها دمعةٌ وهي تُجيب (اعتادَ على الشوقِ.. ولن يستسلمَ للفراقِ أبدا)

تنتقل إلى بابه الثاني:

إلى المُحصَنة التي أحصنتْ قلبَها عن الغلِّ ولم تعرف إليه سبيلا... هل ضجرتِ من غيابي ؟ أم لازلتُ حاضرَكِ الغائب ؟

تغصُّ بنشيجِها لتقول :(غيابُكَ في ساحةِ السموِ حضورٌ لكَ في ساحةِ الروح)

تعانقُ طفلَها المخزونَ في ذلكَ الجسدِ النحيلِ لتكملَ له مسيرةَ الأبواب..

الباب الثالث:

إلى جلبابِ عفّتي وزوجتي الطاهرة... إلى أم مهدي المرتقب... هل إعتاد جفنُكِ على النومِ دون صوتي ؟ أم لازالَ يزعجُكِ الهدوء ؟

تسترسلُ بعد غصّةٍ في القراءةِ لتدخلَ الباب الرابع:

تبسمتْ لكلماته وكأنّها تنظرُ إليه أمامَها عندما همسَ في أذنِها بتلكَ الكلماتِ الدافئةِ وهو يهنِّئها بعيدِ ميلادِها...

لكنَّ ابتسامتَها اضمحلتْ على عتبةِ الباب الخامس:

إلى زوجتي الرشيدة... لا تطيلي التفكيرَ في غيابي رفقاً بتلك الروحِ التي تسكنُك...

تحوّل أنينُها إلى نشيجٍ ، وبدأتْ تصارعُ ألمَ الفراق...، مخاضُها يقترب... شاركها طفلها ألمها فتحرّكَ في بطنِها حركةً قويةً كأنّه يواسيها... في تلك اللحظة انهارتْ على الأريكة وهي ترنو إلى البابِ السادسِ لتقرأه عن ظهرِ قلب:

ــ إلى من سأحمِّلها مشاقَ الحياةِ بعدي... إلى رفيقةِ القلبِ في دنياه وآخرته... احفظي ولدي من زللِ دنياه..

اشتدُ عليها المخاض كأن جنينَها يتوقُ إلى بابِ أبيهِ السابع

إلى ملاكي الذي يرافقُ روحي في رحلتها الأبدية... سأفشي بذلك السرِّ المعهودِ يوم طلبتُ منكِ الدعاءَ في يومِ الرباطِ الإلهي...

كان طلبي في خاطري أن أغدو شهيداً في سبيلِ ربّي... ويوم يَصِلُ إليكِ هذا الباب سأكونُ أنا هناكَ.. عند باب ربي السابع أنظر إليكِ نظرةَ المشتاقِ وأراقبكِ مراقبة المحبِّ وسوفَ أنظركِ هناكَ عجِّلي إليّ...

وكان الباب مرفق بذلك العقد الذي أهداه لها محتفلاً معها بالعامِ الأولِ على زواجِهما.

صراخُ ابنه يملأ المكانَ.... تتجمّع النساءُ حولها... تنظرُ إليه من بعيدٍ بثوبٍ يشتدُّ بياضُه... يرسلُ لها ابتسامة أملٍ لتعيشَ ما تبقى من أيامِها في انتظار اللقاء....

 

ضمياء العوادي