يتعذر علينا وصف بعض الخلجات التي تراودنا وعلى رأسها تلك المرتبطة بالأحبة ، كشعور الفقد الذي يسببه الموت، والاستيحاش لبعدهم عنا مثلاً، ولا نوقع باللائمة على أصحابها فيما لو كانت ردود أفعالهم كبيرة لفقد هؤلاء الأحبة ، ولا نتساءل حولها ، بل يَفرض السؤال نفسه عندما لا نرى ردود الفعل المعهودة تلك .

عبد الحسين وشقيقه يخوضان أشرف المعارك وأقدسها بعد فتوى الجهاد الكفائي ، في مدينة الخالدية ؛ إحدى المدن العراقية المغتصبة من قِبل عصابات داعش الإجرامية، وعندما كانا في أحد صباحات النزال سقط شقيق عبد الحسين شهيداً أمام عينيه ، اغتمت قلوب من كان في المعركة لمصيبة عبد الحسين وسكنَت مترقبة ردة فعله ، إلقاءه سلاحه ! عويله وبكاءه لفقد ابن أمه وعضيده ، قرين صباه ومعتمده ... لكن .. وكعادة مجاهدينا في خرق القوانين العاطفية ، وإفشال التوقعات الظنية ، بقي عبد الحسين واقفاً كشجرة أصلها ثابت، صموده لم تمسسه عقولنا !!! وبات منظره يستنطق ألسنتنا : " أهذا بشر، معاذ الله ، إنه مَلَك كريم ! لم يُقهر ، لأنه يعلم أن الله قهر عباده بالموت والفناء لكن الشهادة ليست من هذه وتلك، إنما هي حياة وبقاء " .

أستمر بالثبات والرصاص فوق رأسه .. نحن نراه رصاصاً لكن من يخوض معركة الوجود لا يُفرّق بينه وبين المطر ، فكلاهما بنظره بُشرى بين يدي رحمته ، ذاك يسقي الظمأ وينبت الحرث ، وهذا يسقيه الشهادة وينبت عزة الأرض ومقدساتها .

وبينما هو كذلك ناداه أحد المجاهدين قائلاً :

ـــ  لماذا أنت هنا ؟ حاول أن تخبئ نفسك .

أجاب عبد الحسين :

ـــ  كل منا يموت في يومه ، فلا تخف .

ثم ذهب يغطي أخيه الشهيد ، وأدخله الى سيارة الإسعاف وعاد للقتال ! سأله بعض المجاهدين الذهاب مع أخيه ، فكان الجواب :

ـــ  لن أذهب معه ، لأن الحسين لم يترك أرض المعركة عند إستشهاد أخيه العباس ، العباس الذي يقول له الحسين : " بنفسي أنت " ، فكيف عساني أن أترك واجبي ؟!

إذن، هذا تأويل ما لم تستطع ألبابنا استيعابه، إنه ونظراءه حصيلة ثورة الحسين عليه السلام ، تلك الثورة التي نبّهت الغافلين، وبصّرت أهل العمى، وأسمعت الصُمّ الدعاء ... فكان حشدنا متنبّهاً، بصيراً، مستمعاً لنداء الواجب .. كان حسينياً .. وسيكون مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام .

زهراء حسام