ما زال الحديث عن قيمية المرأة يملأ بطون الكتب ويثري الأحاديث خير ثراء ، بدءا عن قيمتها الإيمانية ، الى التربوية ، والأخلاقية ، واشياء لا يمكن حصرها بأسطر هذه المقالة الفقيرة .

الا ان الحديث عنها ـ المرأة ـ في زمن الحرب والجهاد ، زمن قد لا نراها فيه ، الا أننا نسمع همسها وهي تدفع بصبرها وعزيمتها ، زوجا مرة ، وابنا في اخرى ، واخا في ثالثة ، ليكونوا سورا في زمن العاديات .

وربما نرى لها رغيف خبز يرافق زوجها انى يمم وجهه في ارض المعركة ، او ان نرى لها  حرز ودعاء يرافق ابنها وهو يتسور الصف الأول في كرنفال الشهادة .

لم لا والحديث عن القيمة الجهادية للمرأة العراقية ، والتجارب اكثر من ان تحصى .

وربما هنالك من يسأل : هل لصبر المرأة وتحملها قيمة جهادية ؟ أم ان الأمر لا يعدو انها قيم اخلاقية وتربوية فحسب ؟

بدءا ، فأن مفهوم الجهاد عميق وكبير ، ولا يمكن اختزاله بالجهاد المسلح ، فكل تضحية وإيثار ـ مهما كانت قيمته ـ إنما هو جهاد ، إفادة من حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع امرأة جاءت اليه وسألته : انّا معاشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضي شهواتكم وحاملات اولادكم ، وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعة وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وافضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وإن الرجل إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم ، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير ، فالتفت النبي (صلى الله عليه واله) إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : هل سمعتم مقالة قط أحسن من مساءلتها من امر دينها من هذه ؟ فقالوا يا رسول الله ما ظننا أنَّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا ..فالتفت النبي (صلى الله عليه واله) إليها ثم قال لها انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أنَّ حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كلّه ) فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا  .

وفي حديث أخر عن امير المؤمنين عليه السلام : ((الصلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف ، ولكل شيء زكاة وزكاة البدن الصيام ، وجهاد المرأة حُسن التبعل)) .

من هذا وذاك ، فأن للجهاد صور كثيرة ، لا يمكن تجزئتها من بعضها ، ولا يمكن حتى المفاضلة بينها .

حديثنا اليوم عن جهاد المرأة العراقية 

فكثيراً منا عاصر النظام البائد وعايش آلام تلك المرحلة من قتل وتعذيب وتهجير وتشريد ، خصوصا من وقف  ضده وضد سياسته القمعية التي لا تعرف للحوار معنى ، وكل ما تملكه هو القتل المفرط والمعتقلات فضلا عن المقابر الجماعية التي باتت السمة الأبرز في حكمه ، وهو ما دفع شريحة كبيرة من افراد هذا الشعب المقهور الى الهجرة خارج البلد بحثا عن بارقة أمل في الاستقرار والامان متحملين بذلك اقسى ما يمكن ان يعانيه المرء ، الا وهو ألم الغربة ، سيما تلك الغربة التي كانت مثقلة بصحبة اهلون ومنهم الزوجات .

سنسلط الضوء هذه المرة على النساء اللواتي قُدر لهن ان يصاحبن ازواجهن وبالتالي تحصيلهن نفس الدور من الجهاد الذي جاهد فيه قرينها الزوج ، فجهاد الغربة ومن قبله صحبتها له وقبولها بمآلات الأشياء بنفس راضية إنما هو عين ما قصده الحديث العصموي عن " حسن التبعل "

خارطة الذكرى تأبى تناسي او نسيان مشاهد يقف عندها التأريخ بأحرف من نور .

فكم من زوجة باعت مجوهراتها وحليتها لتسد به رمق عيشها وعيش اولادها ؟

وكم من زوجة حملت جنينها تتلوى بأنين الغربة دون ان تجد بجانبها اخت او ام ؟

وكم من زوجة طرقت ابواب الغربة وليس لها غير همسات زوج وصبارة أمل ؟

مشاهد مثل هذه ، تستحق الذكر والذكرى ، بل وتستحق ان لا تغادر أحاديث بناتنا ، لما فيها من تجارب ثرة ، جدير وحري بهن ان تقتدن بها ، وان تكون منارا لهن ، سيما وأننا نعيش اليوم تجربة جهادية تستحق منا ومنهن ازرة زوجها وهو في ساحة الشرف بمقاتلة القوى الظلامية .

والخلاصة ، ان المرأة صنو الرجل ، لها ما له وعليها ما عليه ، ومن ذلك الجهاد في سبيل الوطن الصغير (الأسرة) والوطن الكبير (المجتمع) ، وهي بذلك قد تكون سبقت الرجل في مضامير الجهاد وفات عليه من خلال قيامها بواجبها على الوجه الاكمل ، لتنال بذلك الشأو العالي والرفعة والسؤدد ، كما تقول الحكمة " ان المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها " ، أي ان جهادها وهي تربي اولادها وبالأخص زوجة الشهيد منهن لا يختلف البتة عن جهاده .

فتحية لكل أبنة ، أخت ، زوجة شهيد قضى نحبه من اجل الانسانية والوطن والدين .

تحية لها وهي تمشي بمعية مناضل ومجاهد دون ان تلتفت الى الوراء .

تحية لها وهي تبكي بصمت دون ان يسمع انينها ويدرك وحشتها وغربتها احد  .

 غسان العقابي