أطروحة السماء في تنمية المجتمعات البشرية هي تقديم المنهج المتمثل بالكتب السماوية وآخرها القران الكريم كمنهج متكامل ، وقد عّرف الله فيه نماذجا للناس ممن أدى ارتباطهم به وتمسكهم بمنهجه الى نجاحهم وتمكينهم في الأرض كالأنبياء والأئمة ليوصلنا من خلالهم للنجاح في الدارين ، وفيما يلي نسلط الضوء على الممارسات الطقوس والشعائر الحسينية ؛ ثم نعقد مقارنة بين ما يُقدم من أطروحات للتنمية البشرية من قبل الإنسان مع ما يقدمه القران الكريم .

ولأن التنمية البشرية قائمة على ذات الإنسان وتهدف الى إحداث التغيير فيه نحو الأفضل ، والسعي الى استغلال الطاقات الداخلية المودعة فيه من خلال تقويم سلوكياته ومعاملاته وهو عين ما أشار له القران الكريم من خلال آياته التي توضح أن منبع التغيير هو من داخل الإنسان ، فضلا عما اوضحته آيات أخر الى ما أودعه جل وعلا في النفس البشرية من قدرات وقابليات لم يلحظها الإنسان ، لذا جاء الخطاب على ذلك النحو الذي يشير الى وضوح تلك الحقيقة ، وكل ما علينا هو التبصر والبحث اكثر في داخلنا لنكتشف تلك القوى الهائلة التي جعلت من الإنسان وكماله الهدف الاسمي للرسالات بل انه استحق شرف التكريم الإلهي بالخلافة على الأرض لما أودع فيه ، وعليه ان يتخذ من المنهج الحق نبراسا له

في مسيرته ويتخذ من الأنبياء والأولياء والصالحين قدوة في سلوكياته .

وخلصنا الى تطبيق هذه الأطروحة على ما ورد من روايات استحبابية في ممارسة الشعائر الحسينية على وجه يكون الاتزان حاكما فيه بحيث تؤدي تلك الشعائر الى تنمية المجتمع روحيا وعقائديا وفكريا .

 

النظرية التنموية للإسلام ...

من خلال مطالعتك للقرآن الكريم ، سوف تستكشف مجموعة من الأسس النظرية للمنهج التنموي الإسلامي ، وهي توضح طبيعة هذا المنهج وخصوصيته وتميزه ، فهو يستند على رؤية شاملة متكاملة للإنسان والكون ، تنعكس إشعاعات هذه الرؤية في صياغة جوانب المنهجية التنموية الإسلامية المتأسسة على ركائز أساسية تتمثل بمبدأ التسخير (( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )) والاستخلاف  (( إني جاعل في الأرض خليفة )) والمنهج التكاملي المفتوح .

ومن خلال هذه الفلسفة العامة التي يستند إليها المنهج التنموي الإسلامي ، وفي ضوء مبدأي الاستخلاف والتسخير ، تتضح الخطوط الأساسية لمنهجه التنموي والتي تتمثل بمنهج التمكين الاقتصادي كما مكن ليوسف عليه السلام عندما التزم بمنهج الله والتمكين الاجتماعي  للخاتم صلى الله عليه واله ، وهكذا يتضح المضمون الأساس للخطاب التنموي الإسلامي، كما يعبر عن ملامحه الأساسية، بالإضافة الى دور الدولة في المنهج التنموي الإسلامي والذي يمثل الجانب الثاني المميز من مضامين الخطاب التنموي الإسلامي ((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )) .

 

تطبيقات تنموية في الزيارة الأربعينية ...

لو أمعنا النظر في الروايات التي تعلمنا آداب الزيارة ومن ثم مارسناها بشكل واعي ، لعرفنا جيدا إنها تصب في تنمية الفرد والمجتمع ، وإليكِ بعض هذه التطبيقات :

أولا :      تنمية الذات والتحكم بها ...

1.      تنمية الوعي (( من زار الحسين عارفا بحقه ....... )) وهذه تعلمك ان تكون واعيا عارفا .

2.      (( يا جابر ... اغتسل وتعطر وأذهب للزيارة )) .

3.      إدارة المشاعر والعواطف (( البكاء والتباكي (( من بكى او تباكى على الحسين .... ) .

4.      الاتزان في جميع الأركان .

5.      الركن الروحي (( ثار الله وابن ثاره )) وهو ما يمنح للفرد سمة التسامح المتكامل والعطاء غير المشروط .

6.      الركن الشخصي ، من خلال قراءتك للزيارة بما يعرف بشخصيتك ويدعوك لعمل مقارنة بينك وبين أبطال كربلاء .

7.      الركن العائلي (( اصطحب أفراد عائلتك واقرنهم بفعل الحسين عليه السلام .

8.      الركن الاجتماعي ، ( تعطف على المحتاج والضعيف ، وتدعو إلى مكارم الأخلاق ، والتشارك في العمل العام ) .  

9.      الركن المادي (( ترشيد المصروف المادي )) .  

 

 

آداب الزيارة ...

ذكر الشهيد الأول والذي يعد أحد مفاخر الطائفة الشيعية ، آدابا لزيارة قبور المعصومين عليهم السلام ، إذ يقول فيها : " وللزيارة آداب :

أحدها .. الغسل قبل دخول المشهد ، والكون على طهارة " وفي مورد اخر ، " وإتيانه بخضوع وخشوع في ثياب طاهرة نظيفة جدد " .

ثانيها ... الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور، فإن وجد خشوعا ورقة دخل، وإلا فالأفضل له تحري زمان الرقة، لأن الغرض الأهم حضور القلب لتلقي الرحمة النازلة من الرب ، فإذا دخل قدم رجله اليمنى، وإذا خرج فباليسرى .

ثالثها ؛ الوقوف على الضريح ملاصقا له أو غير ملاصق، وتوهم أن البعد أدب وهم ، فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله.

رابعها ... استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة ، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة ويدعو متضرعا، ثم يضع عليه خده الأيسر ويدعو سائلا من الله تعالى بحقه وبحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ، ويبالغ في الدعاء والإلحاح، ثم ينصرف إلى ما يلي الرأس، ثم يستقبل القبلة ويدعو.

خامسها ... الزيارة بالمأثور، ويكفي السلام والحضور.

سادسها ... صلاة ركعتي الزيارة عند الفراغ، فإن كان زائرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ففي الروضة، وإن كان لأحد الأئمة عليهم السلام فعند رأسه ، ولو صلّاهما بمسجد المكان جاز ، ورويت رخصة في صلاتهما إلى القبر، ولو استدبر القبر وصلى جاز، وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد.

سابعها ... الدعاء بعد الركعتين بما نقل وإلا فبما سنح له في أمور دينه ودنياه ، وليعمم الدعاء فإنه أقرب إلى الإجابة .

ثامنها ... تلاوة شيء من القرآن عند الضريح وإهداؤه إلى المزور، والمنتفع بذلك الزائر، وفيه تعظيم للمزور .

تاسعها ... إحضار القلب في جميع أحواله مهما استطاع، والتوبة من الذنب والاستغفار والإقلاع .

عاشرها ... التصدق على السدنة والحفظة للمشهد وإكرامهم وإعظامهم، فإن فيه إكرام صاحب المشهد عليه الصلاة والسلام ، وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصلاح والدين والمروة والاحتمال والصبر وكظم الغيظ ، خالين من الغلظة على الزائرين ، قائمين بحوائج المحتاجين، مرشدي ضالي الغرباء والواردين ، وليتعهد أحوالهم الناظر فيه ، فإن وجد من أحد منهم تقصيرا نبهه عليه ، فإن أصر زجره، من باب النهي عن المنكر .

حادي عشرها ... أنه إذا انصرف من الزيارة إلى منزله استحب له العود إليها ما دام مقيما، فإذا حان الخروج ودع ودعا بالمأثور، وسأل الله تعالى العود إليه .

ثاني عشرها ... أن يكون الزائر بعد الزيارة خيرا منه قبلها، فإنها تحط الأوزار إذا صادفت القبول .

ثالث عشرها ... تعجيل الخروج عند قضاء الوتر من الزيارة، لتعظيم الحرمة ويشتد الشوق ، وروي أن الخارج يمشي القهقرى حتى يتوارى .

رابع عشرها ... الصدقة على المحاويج بتلك البقعة .

 

مواهب الخطيب